صفحة جزء
[ ص: 251 ] المنكر


167 . والمنكر : الفرد كذا البرديجي أطلق ، والصواب في التخريج      168 . إجراء تفصيل لدى الشذوذ مر
فهو بمعناه كذا الشيخ ذكر      169 . نحو "كلوا البلح بالتمر" الخبر
ومالك سمى ابن عثمان : عمر      170 . قلت : فماذا ؟ بل حديث "نزعه
خاتمه عند الخلا ووضعه"


قال الحافظ أبو بكر أحمد بن هارون البرديجي : المنكر هو الحديث الذي ينفرد به الرجل ، ولا يعرف متنه من غير روايته ، لا من الوجه الذي رواه منه ولا من وجه آخر . قال ابن الصلاح : فأطلق البرديجي ذلك ، ولم يفصل . قال : وإطلاق الحكم على التفرد بالرد ، أو النكارة ، أو الشذوذ ، موجود في كلام كثير من أهل الحديث . قال : والصواب فيه التفصيل الذي بيناه آنفا في شرح الشاذ ، قال : وعند هذا نقول : [ ص: 252 ] المنكر ينقسم قسمين على ما ذكرناه في الشاذ ، فإنه بمعناه .

وقوله : ( نحو كلوا . . . ) إلى آخر البيت هما مثالان للمنكر الذي هو بمعنى الشاذ . فالأول مثال للفرد الذي ليس في راويه من الثقة والإتقان ما يحتمل معه تفرده ، وهو ما رواه النسائي ، وابن ماجه من رواية أبي زكير يحيى بن محمد بن قيس عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة ; أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، قال : " كلوا البلح بالتمر ، فإن ابن آدم إذا أكله غضب الشيطان ، . . . الحديث " ، قال النسائي هذا حديث منكر ، قال ابن الصلاح تفرد به أبو زكير ، وهو شيخ صالح أخرج عنه مسلم في كتابه غير أنه لم يبلغ مبلغ من يحتمل تفرده انتهى .

[ ص: 253 ] وإنما أخرج له مسلم في المتابعات .

والثاني : مثال للفرد المخالف لما رواه الثقات ، وهو ما رواه مالك ، عن الزهري ، عن علي بن حسين ، عن عمر بن عثمان ، عن أسامة بن زيد ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، قال : " لا يرث المسلم الكافر ، ولا الكافر المسلم " . فخالف مالك غيره من الثقات في [ ص: 254 ] قوله : عمر بن عثمان ، يعني : بضم العين ، وذكر مسلم في التمييز أن كل من رواه من أصحاب الزهري قال فيه : عمرو بن عثمان ، يعني : بفتح العين ، وذكر أن مالكا كان يشير بيده إلى دار عمر بن عثمان ، كأنه علم أنهم يخالفونه ، وعمرو وعمر جميعا ولدا عثمان غير أن هذا الحديث إنما هو عن عمرو - بفتح العين - وحكم مسلم وغيره على مالك بالوهم فيه ، هكذا مثل ابن الصلاح بهذا المثال ، وفيه نظر ، من حيث إن هذا الحديث ليس بمنكر ، ولم يطلق عليه أحد اسم النكارة فيما رأيت والمتن ليس بمنكر ، وغايته أن يكون السند منكرا ، أو شاذا لمخالفة الثقات لمالك في ذلك ، ولا يلزم من [ ص: 255 ] شذوذ السند ونكارته وجود ذلك الوصف في المتن فقد ذكر ابن الصلاح في نوع المعلل : أن العلة الواقعة في السند قد تقدح في المتن ، وقد لا تقدح ومثل ما لا تقدح بما رواه يعلى بن عبيد ، عن الثوري ، عن عمرو بن دينار ، عن ابن عمر ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، قال : " البيعان بالخيار " قال : فهذا إسناد معلل غير صحيح ، والمتن على كل حال صحيح ، قال : والعلة في قوله عن عمرو بن دينار ، وإنما هو عن عبد الله بن دينار . انتهى .

فحكم على المتن بالصحة مع الحكم بوهم يعلى بن عبيد فيه وإلى هذا الإشارة بقولي : ( قلت : فماذا ) ، وإذا قال مالك : عمر بن عثمان ، فماذا ؟ أي : فما يلزم منه من نكارة المتن .

ثم أشرت إلى مثال صحيح لأحد قسمي المنكر ، بقولي : ( بل حديث نزعه . . . ) إلى آخره ، أي : بل هذا الحديث مثال لهذا القسم من المنكر ، وهو ما رواه أصحاب السنن [ ص: 256 ] الأربعة من رواية همام بن يحيى عن ابن جريج عن الزهري عن أنس ، قال : كان النبي - صلى الله عليه وسلم - " إذا دخل الخلاء وضع خاتمه " ، قال أبو داود بعد تخريجه : هذا حديث منكر ، قال : وإنما يعرف عن ابن جريج ، عن زياد بن سعد ، عن الزهري ، عن أنس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - : " اتخذ خاتما من ورق ، ثم ألقاه " ، قال : والوهم فيه من همام ، ولم يروه إلا همام ، وقال النسائي بعد تخريجه : هذا حديث غير محفوظ انتهى . فهمام بن يحيى ثقة ، احتج به أهل الصحيح ، ولكنه خالف الناس ، فروى عن ابن جريج هذا المتن بهذا السند وإنما روى الناس عن ابن جريج الحديث الذي أشار إليه أبو داود ، ولهذا حكم عليه أبو داود بالنكارة ، وأما الترمذي فقال فيه : حديث حسن صحيح غريب .

التالي السابق


الخدمات العلمية