صفحة جزء
[ ص: 294 ] المدرج


213 . المدرج : الملحق آخر الخبر من قول راو ما ، بلا فصل ظهر      214 . نحو (إذا قلت : التشهد) صل
ذاك (زهير) و (ابن ثوبان) فصل      215 . قلت : ومنه مدرج قبل قلب
(كأسبغوا الوضوء ويل للعقب)


المدرج في الحديث أقسام :

القسم الأول منه : ما أدرج في آخر الحديث من قول بعض رواته . أما الصحابي ، أو من بعده موصولا بالحديث من غير فصل بين الحديث وبين ذلك الكلام ، بذكر قائله ، فيلتبس على من لا يعلم حقيقة الحال ، ويتوهم أن الجميع مرفوع . مثاله : ما رواه أبو داود ، قال : حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي ، قال : حدثنا زهير ، قال : حدثنا الحسن بن الحر ، عن القاسم بن مخيمرة ، قال : أخذ علقمة بيدي ، فحدثني أن عبد الله [ ص: 295 ] بن مسعود أخذ بيده ، وأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخذ بيد عبد الله ، فعلمنا التشهد في الصلاة . قال : فذكر مثل حديث الأعمش : إذا قلت هذا ، أو قضيت هذا فقد قضيت صلاتك ، إن شئت أن تقوم فقم . وإن شئت أن تقعد فاقعد . فقوله : إذا قلت إلى آخره ، وصله زهير بن معاوية أبو خيثمة بالحديث المرفوع في رواية أبي داود هذه . قال الحاكم : قوله إذا قلت ، هذا مدرج في الحديث من كلام عبد الله بن مسعود . وكذا قال البيهقي في " المعرفة " : قد ذهب الحفاظ إلى أن هذا وهم وأن قوله : "إذا فعلت هذا ، أو قضيت هذا ، فقد قضيت صلاتك" من قول ابن مسعود ، فأدرج في الحديث . وكذا قال الخطيب في كتابه الذي جمعه في المدرج : إنها مدرجة . وقال النووي في الخلاصة : اتفق الحفاظ على أنها مدرجة . انتهى . وقول الخطابي في المعالم : اختلفوا فيه ، هل هو من قول النبي - صلى الله عليه وسلم - ، أو من قول ابن مسعود ؟ فأراد اختلاف الرواة في وصله ، وفصله ، لا اختلاف الحفاظ; فإنهم متفقون على أنها [ ص: 296 ] مدرجة .

على أنه قد اختلف على زهير فيه ، فرواه النفيلي وأبو النضر هاشم بن القاسم ، وموسى بن داود الضبي ، وأحمد بن عبد الله بن يونس اليربوعي ، وعلي بن الجعد ، ويحيى بن يحيى النيسابوري ، وعاصم بن علي ، وأبو داود الطيالسي ، ويحيى بن أبي بكير الكرماني ، ومالك بن إسماعيل النهدي عنه ، هكذا مدرجا .

ورواه شبابة بن سوار عنه ، ففصله وبين أنه من قول عبد الله ، فقال : قال عبد الله : "فإذا قلت ذلك فقد قضيت ما عليك من الصلاة ، فإن شئت أن تقوم فقم ، وإن شئت أن تقعد فاقعد" . رواه الدارقطني ، وقال : شبابة ثقة . وقد فصل آخر الحديث وجعله من قول ابن مسعود ، وهو أصح من رواية من أدرج آخره . وقوله أشبه [ ص: 297 ] بالصواب; لأن ابن ثوبان رواه عن الحسن بن الحر كذلك ، وجعل آخره من قول ابن مسعود ، ولم يرفعه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - . ثم رواه من رواية غسان بن الربيع ، عن عبد الرحمن ابن ثابت بن ثوبان ، عن الحسن بن الحر ، به . وفي آخره : ثم قال ابن مسعود : إذا فرغت من هذا فقد فرغت من صلاتك ، فإن شئت فاثبت ، وإن شئت فانصرف . ورواه الخطيب أيضا من رواية بقية ، قال : حدثنا ابن ثوبان فاستدل الدارقطني على تصويب قول شبابة ، برواية ابن ثوبان هذه ، وباتفاق حسين الجعفي ، وابن عجلان ، ومحمد بن أبان في روايتهم عن الحسن بن الحر ، على ترك ذكره في آخر الحديث ، مع اتفاق كل من روى التشهد عن علقمة ، وعن غيره ، عن عبد الله بن مسعود على ذلك .

واعلم أن ابن الصلاح قيد هذا القسم من المدرج بكونه أدرج عقب الحديث . وقد ذكر الخطيب في المدرج ما أدخل في أول الحديث ، أو في وسطه . فأشرت إلى ذلك بقولي : ( قلت : ومنه مدرج قبل قلب ) أي : أتي به قبل الحديث المرفوع ، أو قبل آخره ، في وسطه مثلا . وقوله : ( قلب ) أي : جعل آخره أوله; لأن الغالب في المدرجات ذكرها عقب الحديث .

[ ص: 298 ] ومثال ما وصل بأول الحديث ، وهو مدرج : ما رواه الخطيب من رواية أبي قطن ، وشبابة فرقهما عن شعبة ، عن محمد بن زياد ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " أسبغوا الوضوء ، ويل للأعقاب من النار " .

فقوله : أسبغوا الوضوء ، من قول أبي هريرة ، وصل بالحديث في أوله كذلك . رواه البخاري في صحيحه عن آدم بن أبي إياس ، عن شعبة ، عن محمد بن زياد ، عن أبي هريرة ، قال : أسبغوا الوضوء ، فإن أبا القاسم - صلى الله عليه وسلم - قال : "ويل للأعقاب من النار" . قال الخطيب : وهم أبو قطن عمرو بن الهيثم ، وشبابة بن سوار في روايتهما هذا الحديث عن شعبة على ما سقناه . وذلك أن قوله : " أسبغوا الوضوء " كلام أبي هريرة . وقوله : " ويل للأعقاب من النار " ، كلام النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وقد رواه أبو داود الطيالسي ، ووهب بن جرير ، وآدم بن أبي إياس ، وعاصم بن علي ، وعلي بن الجعد ، وغندر ، وهشيم ، ويزيد بن زريع ، والنضر بن شميل ، ووكيع ، وعيسى بن يونس ، ومعاذ بن معاذ ; كلهم عن شعبة . وجعلوا الكلام الأول من قول أبي هريرة ، والكلام الثاني مرفوعا .

[ ص: 299 ] وقوله : ( ويل للعقب ) ، أفرد لأجل الوزن ، وكذلك هو في رواية أبي داود الطيالسي ، عن شعبة : " ويل للعقب من النار " .

ومثال المدرج في وسط الحديث ، ما رواه الدارقطني في سننه من رواية عبد الحميد بن جعفر ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن بسرة بنت صفوان قالت : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " من مس ذكره ، أو أنثييه أو رفغه ، فليتوضأ " . قال الدارقطني : كذا رواه عبد الحميد ، عن هشام ، ووهم في ذكر الأنثيين ، والرفغ ، وإدراجه ذلك في حديث بسرة . قال : والمحفوظ أن ذلك من قول عروة غير مرفوع . وكذلك رواه الثقات عن هشام منهم : أيوب السختياني ، وحماد بن زيد ، وغيرهما . ثم رواه من طريق أيوب بلفظ : " من مس ذكره فليتوضأ " ، قال : وكان عروة يقول : إذا مس رفغيه ، أو أنثييه ، أو ذكره فليتوضأ . وقال الخطيب : تفرد عبد الحميد بذكر الأنثيين ، والرفغين . وليس من كلام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وإنما هو قول عروة بن الزبير ، فأدرجه الراوي في متن الحديث . وقد بين ذلك حماد وأيوب [ ص: 300 ] .

قلت : لم ينفرد به عبد الحميد . فقد رواه الطبراني في المعجم الكبير من رواية أبي كامل الجحدري ، عن يزيد بن زريع ، عن أيوب ، عن هشام عن أبيه ، عن بسرة بلفظ : " إذا مس أحدكم ذكره ، أو أنثييه ، أو رفغيه ، فليتوضأ " . وعلى هذا فقد اختلف فيه على يزيد بن زريع . ورواه الدارقطني أيضا من رواية ابن جريج ، عن هشام ، عن أبيه ، عن مروان ، عن بسرة ، بلفظ : " إذا مس أحدكم ذكره أو أنثييه " ، ولم يذكر : الرفغ ، وزاد في السند مروان بن الحكم . وقد ضعف ابن دقيق العيد الطريق إلى الحكم بالإدراج في نحو هذا . فقال في الاقتراح: ومما يضعف فيه أن يكون مدرجا في أثناء لفظ الرسول - صلى الله عليه وسلم - ، لاسيما إن كان مقدما على اللفظ المروي ، أو معطوفا عليه بواو العطف ، كما لو قال من مس أنثييه أو ذكره فليتوضأ ، بتقديم لفظ الأنثيين على الذكر فهاهنا يضعف الإدراج لما فيه من اتصال هذه اللفظة بالعامل الذي هو من لفظ الرسول - صلى الله عليه وسلم - . قلت : ولا يعرف في طرق الحديث تقديم الأنثيين على الذكر ، وإنما ذكره الشيخ مثالا ، فليعلم ذلك .



التالي السابق


الخدمات العلمية