المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم

أبو العباس القرطبي - ضياء الدين أحمد بن عمر القرطبي

صفحة جزء
1994 (11)

أبواب الاعتكاف وليلة القدر

(1) باب

لا اعتكاف إلا في مسجد وبصوم

[ 1034 ] عن أبي سعيد الخدري قال: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- اعتكف العشر الأول من رمضان ، ثم اعتكف العشر الأوسط في قبة تركية ، على سدتها حصير ، قال: فأخذ الحصير بيده فنحاها في ناحية القبة ، ثم أطلع رأسه فكلم الناس ، فدنوا منه ، فقال: إني اعتكفت العشر الأول ألتمس هذه الليلة ، ثم اعتكفت العشر الأوسط ، ثم أتيت فقيل لي إنها في العشر الأواخر فمن أحب منكم أن يعتكف فليعتكف ، فاعتكف الناس معه قال: وإني أريتها ليلة وتر ، وإني أسجد صبيحتها في طين وماء . فأصبح من ليلة إحدى وعشرين ، وقد قام إلى الصبح فمطرت السماء فوكف المسجد فأبصرت الطين والماء ، فخرج حين فرغ من صلاة الصبح وجبينه وروثة أنفه فيهما الطين والماء ، وإذا هي ليلة إحدى وعشرين من العشر الأواخر .

رواه مسلم (1167) (215)، والنسائي (3 \ 79 و 80) .


[ ص: 240 ] (11)

أبواب الاعتكاف وليلة القدر

الاعتكاف في اللغة : هو ملازمة الشيء والإقامة فيه . ولما كان المعتكف ملازما للعمل بطاعة الله مدة اعتكافه ; لزمه هذا الاسم . وهو في عرف الشرع : ملازمة طاعة مخصوصة ، على شرط مخصوص ، في موضع مخصوص ، على ما يأتي تفصيله .

وأجمع على: أنه ليس بواجب ، وهو قربة من القرب ، ونافلة من النوافل ، عمل بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه وأزواجه ، ويكره الدخول فيه لمن يخاف عليه العجز عن الوفاء بحقوقه .

واختلف منه في مسائل :

المسألة الأولى : هل من شرطه الصوم ، أم لا ؟ فذهب مالك وجمهور العلماء إلى أنه شرط فيه; لقوله تعالى : ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد ; ولأنه - صلى الله عليه وسلم - لم يعتكف قط إلا وهو صائم . قال مالك : وعلى ذلك : الأمر عندنا . قال أبو إسحاق التونسي : ودليلنا على ذلك : ما رواه سفيان بن حسين عن الزهري ، عن عروة ، عن عائشة : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : (لا اعتكاف إلا [ ص: 241 ] بصوم) . قال : ومثله عن علي ، وابن عباس ، وابن عمر .

قال أبو عمر بن عبد البر : وبه قال عروة بن الزبير ، والشعبي ، والزهري ، والثوري ، والأوزاعي ، والحسن بن حيي ، وأبو حنيفة ، وأبو يوسف ، وأحمد ، وقال الشافعي : الاعتكاف جائز بغير صيام . وهو قول علي ، وابن مسعود ، والحسن البصري ، وعطاء بن أبي رباح ، وعمر بن عبد العزيز ، وابن أبي عبلة ، وداود .

واختلف فيه عن ابن عباس ، وأحمد ، وإسحاق .

قلت : والصحيح : الاشتراط ; لأنه إن صح حديث عائشة فهو نص فيه ، وإن لم يصح وإلا فالأفضل في العبادات والقرب أنها إنما تفعل على نحو ما قررها الشارع ، وعلى ما فعلها ، وقد تقررت مشروعية الاعتكاف مع الصوم في قوله : وأنتم عاكفون في المساجد ; ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يعتكف قط إلا صائما ، فمن ادعى جوازه من غير صوم دفع إلى إقامة دليل على ذلك .

المسألة الثانية : اشتراط المسجد . وهو شرط في الجملة للرجال والنساء عند الجمهور . وقد شذ ابن لبابة من متأخري أصحابنا ، فجوزه بغير صوم ولا مسجد . وقال الكوفيون : لا يعتكف النساء إلا في بيوتهن . وذهب بعض السلف : إلى أنه [ ص: 242 ] لا يعتكف إلا في أحد المساجد الثلاثة ، وذكر عن حذيفة .

وذهب بعضهم : إلى أنه لا يعتكف ، إلا في مسجد تجمع فيه الجمعة . وروي عن مالك من مذهبه: أن ذلك إنما يشترط فيمن أراد أن يعتكف أياما تتخللها الجمعة; لأنه إن خرج إلى الجمعة بطل اعتكافه .

والصحيح : اشتراط المسجد للرجال والنساء لقوله تعالى : وأنتم عاكفون في المساجد ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه لم يعتكفوا إلا في المسجد ، رجالهم ونساؤهم .

المسألة الثالثة : قال أئمتنا : الاعتكاف الشرعي هو : ملازمة المسجد ليتفرغ لعبادة الله تعالى مع صوم ، إما له وإما لغيره في مدة أقل واجبها يوم وليلة ، وأقل مستحبها عشرة أيام ولياليها .

وقد خولف أئمتنا في كثير من هذه القيود على ما يأتي في تضاعيف الكلام على الأحاديث إن شاء الله تعالى .

(1) ومن باب: لا اعتكاف إلا في مسجد وبصوم

قوله : ( في قبة تركية على سدتها حصير ) ، القبة التركية: التي لها باب واحد . والسدة : الباب الذي يسد . وهذه القبة هي المعبر عنها في الحديث الآخر : بالبناء . وفي الآخر : بالخيمة .

[ ص: 243 ] و ( وكف المسجد ) : قطر .

و ( الروثة ) : طرف الأرنبة .

التالي السابق


الخدمات العلمية