صفحة جزء
( فصل : شرط ) بالبناء للمفعول عند الإمام أحمد رضي الله عنه والأكثر من الشافعية وغيرهم ( ذكر سبب جرح ) لاختلاف الناس في سببه واعتقاد بعضهم ما لا يصلح أن يكون سببا للجرح جارحا ، كشرب النبيذ متأولا . فإنه يقدح في العدالة عند مالك دون غيره . وكمن رأى إنسانا يبول قائما فيبادر بجرحه لذلك ، ولم ينظر في أنه متأول مخطئ أو معذور . كما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم { أنه بال قائما } لعذر كان به . فلهذا وشبهه ينبغي بيان سبب الجرح ليكون على ثقة واحتراز من الخطإ والغلو فيه ( و ) شرط أيضا ذكر سبب ( تضعيف ) كما يشترط ذكر سبب جرح . فلا يمنع قبول الخبر قول محدث " هذا الحديث ضعيف " من غير أن يعزوه إلى مستند يرجع إليه فيه ; لأنه قد يضعفه بشيء لو ذكره لم يكن قادحا . هذا عندنا وعند الشافعية . ويؤثر ذلك عند الحنفية ، ويكون الخبر ضعيفا عندهم بذلك قالوا : لأن المحدث ثقة وقد ضعفه ( و ) إذا لم يقبل الجرح المطلق ، ولا التضعيف المطلق ووجد ( لا يلزم توقف ) عن العمل بذلك الخبر ( إلى ) حين ( تبيين ) الجرح ، أو التضعيف ، بخلاف الشهادة ; لأن الخبر يلزم العمل به ما لم يثبت القدح ، والشهادة آكد . ذكره القاضي وأبو الخطاب في مسألة ما ليس له نفس سائلة . وقيل : بلى فيتوقف حتى يتبين السبب الذي أطلقه ; لأنه أوجب رتبة ، وإلا لانسد باب الجرح غالبا . وإلى هذا القول ميل ابن مفلح ، وهو الأحوط ( لا تعديل ) أي أنه لا يشترط ذكر سبب التعديل ، استصحابا لحال العدالة . وقيل : بلى ، لالتباس العدالة لكثرة التصنع . قال في شرح التحرير : وهو قوي ، واشترطه ابن حمدان [ ص: 282 ] من أصحابنا وغيره ، كاشتراط ذكر سبب الجرح للمسارعة إلى التعديل ، بناء على الظاهر . وعند الإمام أحمد رضي الله عنه : أنه لا يشترط ذكر سبب واحد منهما . اختاره جمع من العلماء . منهم ابن الباقلاني . وحكي عن الحنفية . فيكفي مجرد قوله " هو فاسق أو عدل " اعتمادا على الجارح والمعدل ( و ) لا يشترط أيضا ذكر سبب ( تصحيح ) للخبر . فيكفي قول من يعتد بقوله " هذا الخبر صحيح " فإن إطلاق تصحيحه يستلزم تعديل رواته . وقد علمت أنه لا يشترط ذكر سبب التعديل ( ويكفي فيهن ) في مسائل الجرح والتضعيف والتعديل والتصحيح إذا وجدت بشروطها ( و ) في ( تعريف ) عدل ( واحد ليس من عادته ) أي : ليس من عادة ذلك الواحد ( تساهل ) في التعديل ( أو مبالغة ) في الجرح عند الأئمة الأربعة وأكثر العلماء . قال ابن مفلح وغيره والجمهور : يكفي جرح واحد وتعديله ; لأن الشرط لا يزيد على مشروطه . ويكفي في الرواية واحد لا الشهادة . فتعديل الراوي تبع للرواية وفرع لها ; لأنه إنما يراد لأجلها ، والرواية لا يعتبر فيها العدد ، بل يكفي فيها راو واحد . فكذا ما هو تبع وفرع لها . فلو قلنا : تقبل رواية الواحد ، ولا يكفي في تعديله إلا اثنان ، لزاد الفرع على أصله . وزيادة الفروع على أصولها غير معهودة عقلا ولا شرعا . انتهى . وكما أن الجرح والتعديل من فروع الرواية : كذلك التعريف . واعتبر قوم العدد في الجرح والتعديل . منهم ابن حمدان في مقنعه .

كالشهادة عندنا وعند الشافعية والمالكية ; لأنها شهادة ، فاعتبر لها العدد . رد بأنه خبر لا شهادة . واعتبر قوم العدد في الجرح فقط في الرواية والشهادة ( ومن اشتبه اسمه ) من العدول ( بمجروح وقف خبره ) أي الخبر الذي وقع فيه الاشتباه ، حتى يتحقق أمره . وذلك لاحتمال أن يكون الراوي ذلك المجروح . فلا تقبل روايته ، بل يتوقف حتى يعلم هل هو المجروح أو غيره ؟ وكثيرا ما يفعل المدلسون مثل هذا يذكرون الراوي الضعيف باسم يشاركه فيه راو ثقة ، ليظن أنه ذلك الثقة ترويجا لروايتهم ( ولا شيء لجرح باستقراء ) يعني أنه لا يلتفت إلى ذكر الجرح بطريق [ ص: 283 ] الاستقراء . ومعنى الاستقراء : التتبع ، بأن يقال : تتبعنا كذا فوجدناه كذا مرارا كثيرة لم ينخرم في مرة منها ، فلو قيل : من وجدناه يعمل كذا فهو مجروح .

واستقرينا ذلك في أشخاص كثيرة فوجدناه كذلك . فهذا ليس بجرح ، وليس من طرق الجرح حتى يحكم به . قال في شرح التحرير : وهذه المسألة أخذتها من كلام ابن مفلح في أصوله ( وله جرح ) أي وللجارح الجرح في الراوي ( ب ) سبب ( استفاضة ) أي إشاعة عن محدث أن فيه صفة توجب رد الحديث . فيجوز الجرح بذلك . كما تجوز الشهادة بالاستفاضة في مسائل مخصوصة ذكرها الفقهاء في كتبهم ، ومنع الجرح بذلك بعض أصحابنا . فقال : ليس له الجرح بالاستفاضة ولا تقبل ، كما أنه لا يجوز له أن يزكيه بالاستفاضة ( لا تزكية ) يعني أنه لا يجوز له أن يزكي بالاستفاضة من شاعت عدالته عند الأكثر ( وقيل : بلى إذا شاعت عدالته . كأحد الأئمة . وجعله ) أي : وجعل صاحب التحرير الذي هو أصل كتابنا ( المذهب في أصله ) أي أصل كتابنا ، وهو التحرير . واحتج لذلك كثير من العلماء بمن شاعت إمامته وعدالته من الأئمة . فإنه يزكى بالاستفاضة . قال صاحب الأصل ، قلت : وهذا المذهب ، وهو معنى قول الإمام أحمد رضي الله عنه وجماعة من العلماء . فإنه كان يسأله الواحد منهم عن مثله . فيقول : ثقة : لا يسأل عن مثله . كما لا يسأل مثلا عن الإمام مالك والأوزاعي والثوري ونحوهم . قال ابن الصلاح : هذا صحيح مذهب الشافعي .

وعليه الاعتماد في أصول الفقه . وممن ذكره من أهل الحديث الخطيب ، ومثل ذلك بمالك وشعبة والسفيانين والأوزاعي والليث وابن المبارك ووكيع وأحمد وابن معين وابن المديني ، ومن جرى مجراهم في نباهة الذكر واستقامة الأمر فلا يسأل عن عدالة هؤلاء وأمثالهم ، وإنما يسأل عمن خفي أمره عن الطالبين ( ويقدم جرح ) يعني : إذا جرح راويا واحد فأكثر ، وعدله واحد فأكثر ، قدم العمل بجرحه على العمل بتعديله ; لأن الجارح معه زيادة علم لم يطلع عليها المعدل . وهذا الصحيح مطلقا .

وعليه الأكثر . وقال ابن حمدان من أصحابنا : إن كثر عدد المجرحين على عدد المعدلين قدم الجرح [ ص: 284 ] وإلا فلا ، وللتعديل مراتب أشير إليها بقوله ( وأقوى تعديل ) أي أعلى مراتبه ( حكم مشترط العدالة بها ) أي بالعدالة . وهذا بلا خلاف . قال ابن مفلح وغيره : وحكم الحاكم تعديل اتفاقا . أطلقه في الروضة . ومراده : ما صرح به غيره حاكم يشترط العدالة ، وهو تعديل متفق عليه ، وإلا كان الحاكم فاسقا لقبول شهادة من ليس عدلا عنده ( فقول ) أي : فيلي هذه المرتبة التعديل بالقول ( وأعلاه ) أي من أعلى التعديل بالقول قول المعدل هو ( عدل رضي ، مع ذكر سببه ) أي سبب التعديل بأن يثني عليه بذكر محاسن عمله مما يعلم منه مما ينبغي شرعا من أداء الواجبات واجتناب المحرمات واستعمال وظائف المروءة ( فبدونه ) أي فيلي هذه المرتبة قوله : هو عدل رضي بدون ذكر سبب التعديل ، ويتفاوت هذا أيضا . فأعلاه تكرير اللفظ ، بأن يقول : ثقة ثقة ، أو عدل عدل ، أو ثقة عدل ، أو ثقة متقن ، أو ثقة ثبت ، أو ثقة حجة أو ثقة حافظ ، أو ثقة ضابط . ويليه : ذكر ذلك من غير تكرار ، وهو أن يأتي بواحدة من هذه الكلمات . ويليه قول المعدل : هو صدوق ، أو مأمون ، أو خيار ، أو لا بأس ونحوه . ويليه قول المعدل : محله الصدق ، أو رووا عنه ، أو صالح الحديث أو مقارب الحديث ، أو حسن الحديث ، أو صويلح ، أو صدوق إن شاء الله ، أو أرجو أن ليس به بأس ، ونحوه ( فعمل بروايته إن علم أنه لا مستند له غيرها ) أي فيلي هذه المرتبة - وهي التعديل بالقول - عمل من يعتد بتعديله برواية المعدل ، بشرط أن يعلم أن العامل بروايته لا مستند له في عمله غير هذه الرواية ، وإن لم يعلم ذلك منه لم يكن تعديلا ، لاحتمال أن يكون عمل بدليل آخر وافق روايته .

وقال الموفق وأبو المعالي . إلا فيما العمل به احتياطا . قاله المجد في المسودة قال الجويني والمقدسي : يكون تعديلا إلا فيما العمل به من مسالك الاحتياط . قال : وعندي أنه يفصل بين أن يكون الراوي ممن يرى قبول مستور الحال ، أو يجهل مذهبه فيه ( وليس ترك عمل بها ) أي برواية أحد ( و ) لا ترك عمل ( بشهادة ) أحد ( جرحا ) له ، لاحتمال سبب لترك العمل غير الفسق . كعداوة أو تهمة قرابة ، [ ص: 285 ] أو غير ذلك . ولأن عمله قد يكون متوقفا على أمر آخر زائد عن العدالة . فيكون الترك لعدم ذلك ، لا لانتفاء العدالة ، فلا يحكم عليه بالجرح بذلك مع الاحتمال ( ثم ) يلي ما تقدم في الرتبة ( رواية عدل عادته أن لا يروي إلا عن عدل ) هذا آخر مراتب التعديل . وصورة ذلك : أنه متى روى الثقة عن شخص مجهول الحال ، وكانت عادة الثقة أنه لا يروي إلا عن عدل ، فتكون روايته عن ذلك الشخص تعديلا لذلك الشخص ، وإن لم يعرف ذلك من عادته . فليس بتعديل . قال ابن رجب في آخر شرح الترمذي : اختلف الفقهاء وأهل الحديث في رواية الثقة عن رجل غير معروف : هل هو تعديل أم لا ؟ حكى أصحابنا عن أحمد في ذلك روايتين وحكوا عن الحنفية أنه تعديل ، وعن الشافعية خلاف ذلك . قال : والمنصوص عن أحمد : أنه إن عرف أنه لا يروي إلا عن ثقة ، فروايته عن إنسان تعديل له .

ومن لم يعرف منه ذلك فليس بتعديل . وصرح به طائفة من محققي أصحابنا ، وأصحاب الشافعي . قال أحمد في رواية الأثرم : إذا روى الحديث عبد الرحمن بن مهدي عن رجل : فهو حجة ، قال وقال أحمد في رواية أبي زرعة : مالك بن أنس إذا روى عن رجل لا يعرف . فهو حجة . وقال في رواية ابن هانئ : ما روى مالك عن أحد إلا وهو ثقة . وذكر نصوصا أخر في ذلك عنه . وعن ابن معين : إذا علم ذلك فيعرف كونه لا يروي إلا عن عدل ، إما بتصريحه وهو الغاية ، أو باعتبارنا لحاله ، أو استقرائنا لمن يروي عنه وهو دون الأول . قاله ابن دقيق العيد وغيره . والرواية الثانية : أن رواية الثقة عن شخص لا تكون تعديلا له مطلقا . قال ابن مفلح في أصوله : ورواية العدل ليست تعديلا عند أكثر العلماء من الطوائف ، وفاقا للمالكية والشافعية انتهى . وقيل : إنها تعديل له مطلقا . اختاره القاضي وأبو الخطاب والحنفية وبعض الشافعية ، عملا بظاهر الحال ( ولا يقبل تعديل مبهم كحدثني ثقة أو عدل أو من لا أتهمه ) عند بعض أصحابنا وأكثر الشافعية ، لاحتمال كونه مجروحا عند غيره . وذكره القاضي وأبو الخطاب وابن عقيل من صور [ ص: 286 ] المرسل على الخلاف فيه . قال الروياني من الشافعية : هو كالمرسل ، وصححه ابن الصباغ . قال ابن مفلح : وكذا أبو المعالي ، واختار قبوله ; وأن الشافعي أشار إليه ، وقبله المجد من أصحابنا ، وإن لم يقبل المرسل والمجهول . فقال : إذا قال العدل : حدثني الثقة ، أو من لا أتهمه ، أو رجل عدل ، ونحو ذلك . فإنه يقبل ، وإن رددنا المرسل والمجهول ; لأن ذلك تعديل صريح عندنا انتهى . وكذا قالابن قاضي الجبل . ونقل ابن الصلاح عن أبي حنيفة : أنه يقبل . وقيل : ونقله ابن الصلاح عن اختيار بعض المحققين ; إنه إن كان القائل لذلك من أئمة الشأن العارفين بما يشترطه هو وخصومه في العدل ، وقد ذكره في مقام الاحتجاج فيقبل ; لأن مثل هؤلاء لا يطلق في مقام الاحتجاج إلا في موضع يأمن أن يخالف فيه من أطلق أنه ثقة ، وكان الشافعي رضي الله عنه إذا قال : حدثني الثقة ، فتارة يريد به أحمد ، وتارة يريد به يحيى بن حسان ، وتارة يريد به ابن أبي فديك ، وتارة سعيد بن سالم القداح ، وتارة إسماعيل بن إبراهيم . واشتهر عنه ذلك فيه ، وتارة يريد مالكا ( والجرح ) هو ( أن ينسب ) بالبناء للمفعول ( إلى قائل ما ) أي شيء ( يرد لأجله ) أي لأجل ذلك الشيء ( قوله ) أي قول ذلك القائل من خبر ، أو شهادة من فعل معصية ، أو ارتكاب ذنب ، أو ما يخل بالعدالة ( والتعديل ضده ) وهو أن ينسب إلى قائل ما يقبل لأجله قوله ، من فعل الخير والعفة والمروءة ، والتدين بفعل الواجبات وترك المحرمات . ونحو ذلك

التالي السابق


الخدمات العلمية