صفحة جزء
[ صلاة من صلى خلف الصف وحده ] . المثال الخامس والأربعون : رد السنة الصحيحة الصريحة المحكمة في وجوب الإعادة على من صلى خلف الصف وحده كما في المسند بإسناد صحيح وصحيحي ابن حبان وابن خزيمة عن علي بن شيبان : { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلا يصلي خلف الصف ، فوقف حتى انصرف الرجل ، فقال له : استقبل صلاتك فلا صلاة لفرد خلف الصف } .

وفي السنن وصحيحي ابن حبان وابن خزيمة عن وابصة بن معبد : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم { رأى رجلا يصلي خلف الصف وحده ، فأمره أن يعيد صلاته } .

وفي مسند الإمام أحمد { سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن رجل صلى وحده خلف الصف قال : يعيد صلاته } فردت هذه السنن المحكمة بأنها خلاف الأصول ، ولعمر الله إنها هي محض الأصول ، وما خالفها فهو خلاف الأصول ، وردت بالمتشابه من حديث ابن عباس حديث { أحرم عن يسار النبي صلى الله عليه وسلم ، فأداره [ ص: 259 ] إلى يمينه ، ولم يأمره باستقبال الصلاة } .

وهذا من أفسد الرد ; فإنه لا يشترط أن تكون تكبيرة الإحرام من المأمومين في حال واحد ، بل لو كبر أحدهم وحده ثم كبر الآخر بعده صحت القدوة ولم يكن السابق فذا ، وإن أحرم وحده فالاعتبار بالمصافة فيما تدرك به الركعة وهو الركوع ، وأفسد من هذا الرد رد الحديث بأن الإمام يقف فذا ، وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أجل وأعظم في صدور أهلها إن تعارض بهذا وأمثاله ، وأقبح من هذه المعارضة معارضتها بأن المرأة تقف خلف الصف وحدها ; فإن هذا هو موقفها المشروع بل الواجب ، كما أن موقف الإمام المشروع أن يكون وحده أمام الصف .

أما موقف الفذ خلف الصف فلم يشرعه رسول الله صلى الله عليه وسلم ألبتة ، بل شرع الأمر بإعادة الصلاة لمن وقف فيه ، وأخبر أنه لا صلاة له . فإن قيل : فهب أن هذه المعارضات لم يسلم منها شيء ، فما تصنعون بحديث أبي بكرة حين ركع دون الصف ثم مشى راكعا حتى دخل في الصف ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : { زادك الله حرصا ولا تعد } ولم يأمره بإعادة الصلاة وقد وقعت منه تلك الركعة فذا ؟

قيل : نقبله على الرأس والعينين ، ونمسك قوله صلى الله عليه وسلم : " لا تعد " فلو فعل أحد ذلك غير عالم بالنهي لقلنا له كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم سواء ، فإن عاد بعد علمه بالنهي فإما أن يجتمع مع الإمام في الركوع وهو في الصف أولا ، فإن جامعه في الركوع وهو في الصف صحت صلاته ; لأنه أدرك الركعة وهو غير فذ كما لو أدركها قائما ، وإن رفع الإمام رأسه من الركوع قبل أن يدخل في الصف .

فقد قيل : تصح صلاته ، وقيل : لا تصح له تلك الركعة ويكون فذا فيها والطائفتان احتجوا بحديث أبي بكرة ، والتحقيق أنه قضية عين : يحتمل دخوله في الصف قبل رفع الإمام ، ويحتمل أنه لم يدخل فيه حتى رفع الإمام .

وحكاية الفعل لا عموم لها ; فلا يمكن أن يحتج بها على الصورتين ، فهي إذا مجملة متشابهة ، فلا يترك لها النص المحكم الصريح ، فهذا مقتضى الأصول نصا وقياسا ، وبالله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية