مسألة [ نص الشارع على الحكم والعلة ] 
إذا نص صاحب الشرع على حكم ونص على علته ، كما لو قال : حرمت الخمر لكونها مسكرا ، أو أعتقت غانما لسواده ، هل هو إذن منه في القياس أينما وجدت العلة أم لا بد من دليل على القياس ؟   . 
فذهب جمهور الفقهاء والأصوليين والمتكلمين 
والمعتزلة   nindex.php?page=showalam&ids=15414والنظام  وبعض 
الظاهرية  من منكري القياس إلى أنه إذن في إلحاق غيره به ، وإلا لم يكن للعلة فائدة ، وسواء ورد ذلك قبل ثبوت التعبد بالقياس أو بعد ثبوته . قال 
 nindex.php?page=showalam&ids=12026أبو سفيان  من الحنفية : وإليه كان يشير شيخنا يعني 
 nindex.php?page=showalam&ids=14330أبا بكر الرازي    " في احتجاجه بقوله صلى الله عليه وسلم : { 
nindex.php?page=hadith&LINKID=62644إنما ذلك دم عرق فتوضئي لكل صلاة   } في إيجاب الوضوء من الرعاف ونحوه ، وصار بمثابة قوله : الوضوء من كل دم عرق . قال 
أبو الحسين    : وأوجب 
 nindex.php?page=showalam&ids=12187أبو هاشم  القياس بها وإنما لم يرد التعبد بالقياس ، وصار بعض 
الظاهرية  إلى أنه ليس بإذن ، بل لا بد معه من دليل ، ونقله 
الآمدي  عن 
الأستاذ أبي إسحاق  وأكثر الشافعية ، واختاره تبعا 
للإمام  والغزالي    . وقال 
سليم الرازي    : إنه قول أكثر أصحابنا ، وعليه الفقهاء  
[ ص: 43 ] والمتكلمون ، لجواز أن يكون ذكر العلة لتعريف الباعث على الحكم ليكون أقرب إلى الاعتبار لا لأجل الإلحاق . ويقوى القول بهذا إذا قلنا : إن الدليل الدال على وجوب التعبد بالقياس يجب أن يكون قطعيا ، فإن غاية هذا الظن . 
فإن قيل : النص على العلة في نحو حرمت الخمر لشدتها لو لم يعتبر التعميم لم يكن له فائدة . 
قلنا : له فوائد : 
منها : معرفة الباعث كما سبق . 
ومنها : زوال الحكم عند زوال العلة كزوال التحريم عند زوال الشدة . ومنها ما سيأتي في فائدة العلة القاصرة من انقياد المكلف إلى الامتثال لظهور المناسب . ومرادهم بالدليل تقدم الإذن بالقياس ، ولهذا فصل 
جعفر بن حرب  وابن مبشر   شيخا 
المعتزلة  بين أن يرد قبل ورود التعبد بالقياس ولا يجوز تعد به وإلا جاز ، واختاره 
 nindex.php?page=showalam&ids=12026أبو سفيان  من الحنفية ، وفصل 
أبو عبد الله البصري  بين إن كان الحكم المنصوص عليه من قبيل المحرمات فهو إذن ، وإن كان من قبيل المباح أو الواجب فلا . قال 
الهندي    : والمختار أن ذلك لا يفيد ثبوت الحكم في غير الصورة التي نص عليها ، لا بطريق اللفظ ولا بطريق أنه يفيد الأمر بالقياس . وهنا تنبيهان : 
الأول : أن القائلين بالاكتفاء مطلقا هم أكثر نفاة القياس ، ولا يستنكر ذلك منهم لأنهم يرون أن التنصيص على علة الحكم تنزل منزلة اللفظ العام في وجوب  
[ ص: 44 ] تعميم الحكم ولا فرق عندهم بين أن يقول : حرمت الخمر لإسكارها أو حرمت على كل مسكر ، كما صرح به 
الصيرفي  في كتابه . 
هذا تحرير مذهب 
 nindex.php?page=showalam&ids=15414النظام  وغيره ومنكري القياس فكأنه أنكر تسمية هذا قياسا وإن كان قائلا به في المعنى . وكذا نقله 
 nindex.php?page=showalam&ids=14960القاضي عبد الوهاب  في " الملخص " 
وسليم  في " التقريب " وغيرهما ، وقد سبق في باب العموم المعنوي أن تعميم مثل هذا هل هو بالقياس أو الصيغة ؟ قولان 
 nindex.php?page=showalam&ids=13790للشافعي  ، والصحيح أنه عمم بالقياس : وقال 
الهندي    : نقل الأكثرون عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=15414النظام  أن التعميم فيه بالقياس ، ونقل 
الغزالي  عنه أنه يجري تعميم الحكم في جميع موارده بطريق اللفظ والعموم ، ولا شك أنه مخالف لنقل الأكثر ومناف له ، فإن التعميم بطريق القياس لا يجامع التعميم بالقياس ، فحينئذ لا يكون ذلك أمرا بالقياس عنده ، وإن كان الحكم ثابتا عنده في غير الصورة التي نص عليها . قلت : وما حكاه 
الغزالي  أظهر ، لما سبق عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=15414النظام  من إنكار القول بالقياس ، ولهذا قال 
الغزالي    : ظن 
 nindex.php?page=showalam&ids=15414النظام  أنه منكر للقياس وقد زاد علينا إذ قاس حيث لا يقيس ، لكنه أنكر اسم القياس . انتهى . وهو لم يدع أنه بالقياس بل باللفظ ، فكان من حقه أن يبطل هذه الجهة من القياس . 
وقد يجمع بين إنكاره القياس وما نقله عنه الأكثرون بأنه إذا وقع التنصيص على العلة فمدلول اللفظ الأمر بالقياس لغة ، ولم يتعرض لوقوعه من الشارع أو غيره وهناك أحال وروده من الشارع لكن يلزم على هذا أن يقول : إن الشارع لا يقع منه التنصيص على العلة من حيث هو فمدلوله ما ذكرناه .  
[ ص: 45 ] الثاني : 
سبق عن 
الأستاذ أبي إسحاق  نقل التعميم ، فإنه قال في كتابه : إذا نص الشارع على العلة على وجه لا يقبل تأويلها فلا بد أن يعم الحكم إذ لو اختص الحكم لوجب أن تختص العلة ، ووضع التعليل يناقضه الاختصاص ، وهذا وإن كان فيه موافقة 
 nindex.php?page=showalam&ids=15414للنظام  لكن مأخذه خلاف مأخذه وهو القول بامتناع تخصيص العلة ، وليس يرى أن النص على التعليل نص على التعميم ، ولكن هذا عنده من ضرورة فهم التعليل وهو يمنع النص على التعليل مع النص على التخصيص . وينبغي تنزيل إطلاق غيره من أصحابنا الموافقين 
 nindex.php?page=showalam&ids=15414للنظام  على ذلك .