صفحة جزء
تنبيه ( الحرمة ليست ملازمة للذم ) الحرمة ليست ملازمة للذم والإثم لا طردا ولا عكسا ، فقد يأثم الإنسان على ما ليس بحرام ، كما إذا قدم على زوجه يظنها أجنبية ، وقد يحرم ما ليس فيه إثم ، كما إذا قدم على أجنبية يظنها زوجته . وتحقيق ذلك : أن الحل والحرمة تابعان لمقاصد الشريعة ، والله تعالى أحل الأبضاع ، والأموال ، والأزواج في أحوال بشروط ، وحرمها بدون ذلك ، غير أنه لا يكلف نفسا إلا وسعها ، جعل الإثم يتوقف على العلم ، فإذا قدم العبد على فعل يعتقده حلالا وهو حرام لا إثم عليه تخفيفا على العبد ، وإذا أقدم على فعل يظنه حراما وهو حلال عاقبه على الجرأة ، فمعنى قولنا : هذا الفعل حرام أن الشارع له تشوف إلى تركه ، ومعنى قولنا : حلال خلاف ذلك . [ ص: 338 ] والحل والحرمة يطلقان تارة على ما فيه إثم وما ليس فيه ، وهو مراد الأصوليين بقولهم : الحرام ما يذم عليه ، وتارة على ما للشارع فيه تشوف إلى تركه ، ومنه قول أكثر الفقهاء ، وطء الشبهة ، أعني شبهة المحل حرام مع القطع بأنه لا إثم فيه ، ومنه قول الشيخ أبي حامد : أجمعوا على أن قتل الخطأ حرام ، وكذلك أكل الميتة في حال الاضطرار على رأي ، وهذا يمكن رد كلام الأصوليين إليه في حد الحرام بأنه ما يذم فاعله ، بأن يكون المراد يذم بالقوة . أو يكون المراد ، يذم بشرط العلم بحاله ، وإن استنكرت إطلاق الحرمة على كل من المعنيين ، فانظر إلى قول الأصوليين : لو اشتبهت المنكوحة بأجنبية حرمتا على معنى أنه يجب الكف عنهما .

وقوله : إذا قال : إحداكما طالق حرمتا تغليبا للحرمة ، فإحدى المرأتين في الفرعين حرام باعتبار الإثم على الجرأة ، وهي التي في علم الله أنها الزوجة في الأولى ، والتي سيعينها في الثانية ، والأخرى حرام باعتبار أنها أجنبية ، فقولهم : حرمتا على معنى أنه يأثم بالإقدام على كل منهما ، وقولهم : تغليبا للحرمة على المعنى الآخر ، فتأمل كيف أثبتوا التحرم للزوجة بالاعتبار الأول ، وصرفوه عنها بالاعتبار الثاني . وما ذكرناه ليس ذهابا إلى موافقة من يقول : الحل والحرمة يوصف بهما الذوات بل هو توسط . وتحقيقه : أن الحل والحرمة يوصف بهما ذوات الأفعال طابقت الاعتقاد أم لا . وهذا إذا تبين لك في الحرام نقلته إلى بقية الأحكام الخمسة .

وانظر قول البيضاوي : قال الفقهاء : يجب الصوم على الحائض ، والمريض ، والمسافر ، فرب واجب يأثم الإنسان بتركه باعتبار ظنه ، ويكون في [ ص: 339 ] نفس الأمر حراما ، وبالعكس . قال الشيخ أبو حامد فيمن صلى وهو يظن أنه متطهر : لقي الله وعليه تلك الصلاة غير أنه لا يعاقبه ، فهذا ترك الواجب ولا عقاب عليه ; لأنه ترك الواجب باعتبار الوجوب بمعنى تشوف الشارع ، ولم يتركه بمعنى التكليف .

التالي السابق


الخدمات العلمية