صفحة جزء
[ ص: 377 ] فصل في المندوب وهو ما يمدح فاعله ولا يذم تاركه من حيث هو تارك له ، فخرج بالقيد ما لو أقدم على ضد من أضداد المندوب وهو معصية في نفسه ، فيلحقه الإثم إذا ترك المندوب من حيث عصيانه لا من حيث تركه المندوب . قاله في " التلخيص " . قال : وقول بعضهم ما يمدح فاعله ولا يذم تاركه باطل ، لصدقه على فعل الله تعالى ، ولا يسمى ندبا كما لا يسمى مباحا . والندب ، والمستحب ، والتطوع ، والسنة أسماء مترادفة عند الجمهور . وفي " المحصول " : لفظ السنة يختص في العرف بالمندوب بدليل قولنا : هذا الفعل واجب أو سنة ، ومنهم من قال : السنة لا تختص بالمندوب بل تتناول ما علم وجوبه أو ندبيته . ا هـ . [ ص: 378 ]

وقال القاضي حسين والبغوي : ما عدا الفرائض ثلاثة أقسام : سنة : وهي ما واظب عليها النبي صلى الله عليه وسلم . ومستحب : وهو ما فعله مرة أو مرتين ، وألحق بعضهم به ما أمر به ولم ينقل أنه فعله ، وتطوعات : وهو ما لم يرد فيه بخصوصه نقل بل يفعله الإنسان ابتداء كالنوافل المطلقة ، ورده القاضي أبو الطيب في " المنهاج " بأن النبي صلى الله عليه وسلم حج في عمره مرة واحدة ، وأفعاله فيها سنة ، وإن لم تتكرر ، والاستسقاء من الصلاة والخطبة لم ينقل إلا مرة ، وذلك سنة مستحبة ا هـ . وفي وجه ثالث : أن النفل والتطوع لفظان مترادفان وهما ما سوى الفرائض والسنن ، والمستحب ، ونحو ذلك أنواع لها .

وفي وجه رابع قاله الحليمي : السنة ما استحب فعله وكره تركه ، والتطوع ما استحب فعله ولم يكره تركه . وفي وجه خامس : حكاه في باب الوضوء من " المطلب " : السنة ما فعله صلى الله عليه وسلم ، والمستحب ما أمر به سواء فعله أو لا ، أو فعله ولم يداوم عليه ، فالسنة إذا مأخوذة من الإدامة ، وقيل : السنة ما ترتب كالرواتب مع الفرائض ، والنفل والندب ما زاد على ذلك . حكاه الشيخ أبو إسحاق في " اللمع " ، وقال ابن السمعاني في " القواطع " : النفل قريب من الندب إلا أنه دونه في الرتبة . وعند المالكية ما ارتفعت رتبته في الأمر وبالغ الشرع في التخصيص منه يسمى سنة ، وما كان في أول هذه المراتب تطوعا ونافلة ، وما توسط بين هذين فضيلة ومرغبا فيه . [ ص: 379 ] وفرق أبو حامد الإسفراييني بين السنة والهيئة : بأن الهيئة ما يتهيأ بها فعل العبادة ، والسنة ما كانت في أفعالها الراتبة فيها ، وجعل التسمية وغسل الكفين في الوضوء من الهيئات ، والمشهور أنهما سنة ، والخلاف يرجع إلى العبارة . وقال ابن العربي أخبرنا الشيخ أبو تمام بمكة . قال : سألت الشيخ أبا إسحاق الشيرازي ببغداد عن قول الفقهاء : إنه سنة وفضيلة ونفل وهيئة ، فقال : هذه عامية في الفقه ، وما يجوز أن يقال : إلا فرض لا غير . قال : وقد اتبعهم الشيخ أبو حامد الإسفراييني فذكر أن في الصلاة سنة وهيئة ، وأراد بالهيئة رفع اليدين ونحوه . قال : وهذا كله يرجع إلى السنة . قال : وأما أنا فقد سألت عن هذا أستاذي القاضي أبا العباس الجرجاني بالبصرة . فقال : هذه ألقاب لا أصل لها ، ولا نعرفها في الشرع . قلت له : قد ذكرها أصحابنا البغداديون عبد الوهاب وغيره ، فقال : الجواب عليكم .

قال ابن العربي : وفرق أصحابنا النظار ، فقالوا : السنة ما صلاها النبي صلى الله عليه وسلم في جماعة وداوم عليها ، ولهذا لم يجعل مالك ركعتي الفجر [ ص: 380 ] سنة ، والفضيلة ما دخل في الصلاة وليس من أصل نفسها كالقنوت وسجود التلاوة . قال : وهذا خلاف لفظي لا يظهر إلا في الثواب ، فالسنة أعلى المراتب ، والندب ومتعلقه من الثواب أكثر من غيره ، وقد ركب الشافعي مسلكا ضيقا فأطلق على الجميع سنة ، ثم قال : إن ترك السورة لا يقتضي سجود السهو ، وترك القنوت يقتضي ، حتى قال أصحابنا : لا يوجد بينهما فرق .

التالي السابق


الخدمات العلمية