صفحة جزء
السادس : في أقسامه :

ولم يذكر الإمام فخر الدين من أقسام التغيير غير تسعة ، وذكر لها مثالين أو ثلاثة وأعرض عن الباقي ظنا منه سهولة استخراجها .

وذكر ابن الخباز الموصلي : أنها كلمة مشكلة التحصيل ، وأنه ما كان يتأتى له استخراجها إلا بعد إطالة الفكر وإدامة الذكر وأنه مر عليه زمان وهو آيس من تحصيلها ، وأنه بحث فيها مع شيخه فخر الدين عمر النحوي الموصلي فلم يزده على صورة أو صورتين . قال : ثم من الله تعالى بفتح رتاج الإشكال فذكر أمثلة التسعة ، وذكرهارضي الدين بن جعفر البغدادي والقاضي ناصر الدين البيضاوي وزاد عليها ستة أقسام ، فبلغت خمسة عشر ، وقال ابن جعفر : لا يمكن الزيادة عليها ، ورأيت للشيخ [ ص: 319 ] جمال الدين بن مالك زيادة عليها تسعة أخرى ، فبلغت أربعة وعشرين وقال : والذي ينبغي أن يسأل عن أمثلة تغيير المشتق بالنسبة إلى المشتق منه ، ليدخل في الفعل فإنه أصل في الاشتقاق ، إذ لا فعل إلا وهو مشتق من مصدر مستعمل أو مقدر ، والاسم تبع له ، ولذلك كثر منه الجمود ، وبعد ذلك فالاعتبار الصحيح يقتضي كون المشتق بالنسبة إلى مباينة المشتق منه عشرين قسما أو أكثر من ذلك . أولها : زيادة الحرف فقط ، نحو كاذب من الكذب ، وضاحك من الضحك ، وكريم من الكرم ، وجزوع من الجزع ، زيدت فيها الحروف : الألف والياء والواو .

ومثله ابن السراج الأرموي : بطالب ، وقال زيدت فيه الألف ، ثم أورد عليه سؤالا وهو فإن قلت : فيما ذكرتم زيادة حركة مع نقصانها فإنكم نقصتم فتحة اللام التي هي عين الفعل وزدتم كسرتها . وأجاب عنه فقال : المعنى بزيادة الحركة تحريك الساكن ، وبنقصانها تسكين المتحرك ، وإبدال حركة بحركة ليس من الزيادة والنقصان المذكورين في شيء ، ولو جعلنا إبدال حركة بحركة زيادة حركة ونقصان أخرى لكان كاذبا من الكذب مثالا له .

قال الشيخ جمال الدين بن الشريشي : وهذا كلام صحيح إلا أن [ ص: 320 ] قوله : ولو جعلنا إبدال حركة . . . إلخ لا يحتاج إليه ، فإنه إبدال حركة بحركة لا زيادة ولا نقصان ، وإن كان قد ينزع به ، وإنما المراد بالزيادة والنقصان ما قاله أولا من تحريك الساكن وتسكين المتحرك ، وهو المراد بالزيادة والنقصان عند أرباب العربية على ما هو مذكور في التصريف .

ثانيها : زيادة الحركة فقط نحو علم من العلم ، وضرب من الضرب ، وظرف من الظرف ، زيدت حركة اللام والراء فإنها سواكن في المصدر . ومثله ابن جعفر بقوله : طلب من الطلب ، وقال : زيد في الفعل حركة البناء التي في آخره ، وفيه نزاع سيأتي بيانه .

ثالثها : زيادتهما معا كضارب وعالم وفاضل زيدت الألف وحركة عين الكلمة .

ومثله ابن جعفر ب " طالب " الفعل الماضي . قال : وهو مشتق من الطلب زيدت فيه الألف وفتحة البناء ، وهو فاسد ، لأن " طالب " إنما هو مشتق من المطالبة كذا قال ابن الشريشي . قلت : الظاهر أن ابن جعفر إنما أراد " طالب " اسم فاعل ، وبذلك مثله ابن مالك .

رابعها : نقصان الحرف كخرج من الخروج ، وصهل من الصهيل ، وذهب من الذهاب . نقص منه الواو والتاء والألف .

ومثله السراج الأرموي بشرس من الشراسة وقال : نقصت منه الألف والتاء ، ومثله البيضاوي وابن جعفر " بخف " فعل أمر من الخوف نقصت الواو . واعترض عليه بعضهم بأن الفاء صارت في هذا ساكنة بعد أن كانت متحركة ، فاجتمع في هذا المثال نقصان الحرف والحركة معا . [ ص: 321 ]

وقال ابن الشريشي : هذا المثال غير جيد ، لأن عين الكلمة وهي الواو لم تحذف لأجل الاشتقاق ، وإنما حذفت لأجل التقاء الساكنين . ألا ترى أنها تعود عند تحريك الآخر فيما إذا اتصل ضمير الاثنين والجماعة والمؤنث في قولها خافا وخافوا وخافي ؟ وليس الكلام إلا فيما حذف لأجل الاشتقاق حتى يقع به المغايرة بين المشتق والمشتق منه ، وأما الحذف لالتقاء الساكنين ، فلعلة أخرى بعد حصول صورة المشتق . ألا ترى أن قولنا : " خافا " قد عاد فيه المحذوف مع بقاء الكلمة مشتقة معبرة عن أصلها ، وحق الألف أن تكون واوا متحركة لتقع المغايرة بين الفعل والمصدر بحركة هذه الواو ، فإنها في المصدر ساكنة ، وحقها أن تكون في الفعل متحركة ، ولكن طرأ عليها الاعتلال فانقلبت ألفا ساكنة ، ثم حذف بعد ذلك لالتقاء الساكنين لا للاشتقاق ، وكلامنا إنما هو فيما حذف للاشتقاق .

خامسها : نقصان الحركة كأبيض من البياض وأصبح من الصباح ، ونحو اطلب واحذر واضرب ، فإنه نقص منها حركات أوائلها فإنها متحركة في المصدر ساكنة في الفعل .

فإن قيل : هذه غير مطابقة ، فإن فيها ألفا زائدة في أوائلها ، فينبغي أن يذكر فيما زيد فيه حرف ونقصت منه حركة ، فالجواب أن الألف التي في أوائلها غير معتد بها في الاشتقاق ، فإن صورة المشتق حاصلة بدونها في قولك : يا زيد اضرب ، وما أشبهه ، فالألف ساقطة مع أن صورة الفعل المشتق حاصلة ، وإنما يجاء بها في بعض الأحوال ، وهو الابتداء بها لسكون أوائلها وتعذر الابتداء بالساكن ، ومثله البيضاوي ب " ضرب " المصدر من ضرب الماضي على مذهب الكوفيين في اشتقاقهم المصدر من الفعل الماضي . [ ص: 322 ]

ومثله ابن مالك ب " ثار " من الثار ، مصدر ثير المكان إذا كثرت حجارته ، ومثله ابن جعفر " بحرر " اسم فاعل من " حرر " الفعل الماضي فقد نقصت منه حركة البناء التي في الفعل وهو بناء على أصله من اعتبار حركة البناء في صيغة الفعل الماضي .

سادسها : نقصانهما : نحو " سر " من السير ، و " بع " من البيع ، نقصت الياء وحركة الراء من الأول والياء وحركة العين من الثاني ، ومثله ابن مالك ب " حيي " من الحياة ، ومثله الأرموي ب " عصى " من العصيان .

وقال : نقصت منه الألف والنون والفتحة التي كانت على الياء في المصدر . ومثله ابن الخباز ب " نزا " وغلا من النزوان والغليان ، ومثله ابن جعفر ب " عد " من العد ، فنقصت منه ألف وحركة الدال .

وفي هذه الأمثلة كلها نظر ، لأن سقوط الحركة فيها إنما هو بسكون آخر الأفعال في عصى ونزا وغلا وعد ، وسكون لام الكلمة وحركتها لا يعتبران في صيغة الكلمة وبنيتها ، وإنما الاعتبار بالحشو ، ألا ترى أن هذا السكون قد يزول مع بقاء صورة الكلمة على حالها ولا يعد زواله مغيرا للكلمة ؟ وذلك من قولنا : عصيا ونزوا وغليا وعدا ، وإنما الاعتبار في التغيير بما إذا تغير من صورة الكلمة وبنيتها .

ولقائل أن يقول : إنما تحرك آخر هذه الأفعال لاتصال الضمائر بها ، وكان الأصل سكونها ، فيكون القول الأول صحيحا .

سابعا : زيادة حرف ونقصان حرف : نحو تدحرج من الدحرجة ، نقص " هاء " التأنيث وزادت " التاء " ، [ ص: 323 ] وهذا القسم أهمله السراج الأرموي .

ومثله ابن جعفر ب " ديان " من الديانة ، وقال نقصت منه التاء ، وزيدت فيه الياء المدغمة الساكنة ، ثم قال : وفيه نظر : ومثله ابن مالك ب " رؤف " من الرأفة .

ثامنها : زيادة الحركة ونقصان حركة أخرى : نحو اضرب واعلم واشرب ، نقص منها حركات فاء الكلمات ، وزيد فيها حركات عينها ، وألف الوصل لا اعتبار بها كما تقدم ومثله البيضاوي ب " حذر " من الحذر زيدت فيه كسرة الذال ونقصت فتحته .

ومثله ابن جعفر ب " كرم " من الكرم و " شرف " من الشرف ، وقال : نقصت حركة الراء من المصدر وزيدت فيه ضمة الراء وفي " شرف " كسرتها .

والحق : أن هذه الأمثلة غير مطابقة ، وليس في هذا نقصان ولا زيادة ، وإنما هو إبدال .

تاسعها : زيادة الحرف ونقصان الحركة : نحو تحرر وتعرج زيد فيه حرف المضارعة ونقص منه فتحة الحاء والياء .

وذكر البيضاوي وابن جعفر في مثاله : عاد من العدد ، زيدت فيه الألف بعد العين ، ونقصت حركة الدال الأولى وفيه نظر ، لأن الدال المدغمة أصلها الحركة ، وإنما سكنت وأدغمت لمعنى آخر غير الاشتقاق ، وهو توالي المثلين والنظائر . [ ص: 324 ]

ومثله السراج الأرموي ب " أكرم " من الكرم زيد فيه الألف ، ونقصت حركة الكاف ، وفيه نظر ، لأن أكرم مشتق من الإكرام الذي هو مصدر لدلالته عليه ، ولو جعل الإكرام هو المشتق أولا لحصل به الغرض .

عاشر : زيادة ، الحركة ونقصان الحرف : نحو قدر وكتب ورحم من القدرة والكتابة والرحمة ، وحرم من الحرمان ، ونقص من النقصان . نقص من الأول التاء ومن الأخيرين الألف والنون ، وزيد فيها كلها حركات العينات . ومثله البيضاوي وابن جعفر ب " بنيت " من البنيان ، وقال : نقصت الألف وزيد فيه فتحة البناء في الفعل وسيأتي أن حركة البناء لا يعتد بها .

حادي عشرها : زيادة الحرف والحركة معا مع نقصان حركة أخرى : نحو يضرب ، زيد في حرف المضارعة ، وحركة عين الكلمة ونقص منه حركة فاء الكلمة ، ومثله البيضاوي وابن جعفر وقال زيدت فيه الهمزة المكسورة ، ونقصت حركة الضاد فجعل الهمزة وحركتها زائدتين وقد تقدم الكلام عليه . وبينا أن الزيادة إنما تعتبر في الحركة بأن تكون على ما كان ساكنا في الأصل وأن الألف المتحركة . زائدة واحدة .

ثاني عشرها : زيادة الحركة مع زيادة الحرف ونقصانه : [ ص: 325 ] نحو قادر وعاصم وراحم وكاتب ، زيد فيها الألف ، وحركت العينات ونقص منها التاء التي هي أواخرها .

ومثله البيضاوي وابن جعفر ب " خاف " من الخوف ، وقال : نقصت الواو وحركة الدال ، ولا يخفى بما تقدم فساده .

ثالث عشرها : نقصان الحرف مع زيادة الحركة ونقصانها : نحو انصر من النصرة ، وارحم من الرحمة ، واقدر من القدرة ، زيد فيها حركات العينات ، ونقص منها تاء التأنيث وحركات فاء الكلمة وحركتها .

ومثله البيضاوي ب " عد " من الوعد ، زيدت فيه كسرة العين ، ونقصت الواو وحركة الدال ولا يخفى ما فيه مما تقدم .

رابع عشرها : نقصان الحركة مع زيادة الحرف ونقصانه : نحو " يخرج " ، و " يقصد " زيد فيه حرف المضارعة ، ونقص منه الواو التي في المصدر ، وفتحة فاء الكلمة ، ومثله البيضاوي وابن جعفر ب " كال " من الكلال ، وقال : زيد فيه الألف بعد الكاف ، ونقص منه الألف التي كانت بين اللامين ، وفتحة اللام الأولى المدغمة والكلام فيه كما في عاد ، وقد تقدم .

خامس عاشرها : زيادة الحرف والحركة معا ونقصانهما معا : كالاحمرار من الحمرة نقصت منه التاء وحركة الحاء وزيدت فيه الراء الأولى والألف التي بعدها وحركة الميم ، وكذلك ما أشبهه من الاصفرار ونحوه . [ ص: 326 ]

ومثله ابن الخباز والسراج الأرموي ب " استنوق " الجمل أي تحول الجمل ناقة ، وهو مشتق من الناقة ، نقصت منه التاء وحركة النون وزيدت فيه السين والتاء وحركة والواو التي كانت ألفا ساكنة في الناقة ، وفيه نظر ، لأن " استنوق " إنما هو مشتق من مصدره الذي هو الاستنواق ، لدلالته عليه ، فالأولى أن يجعل الاستنواق الذي هو المصدر هو المشتق من الناقة والغرض يحصل به ، لأن النقصان والزيادة المطلوبين في المثال موجودان فيه ، لأن المصدر زيدت فيه السين والتاء والألف التي بعد الواو وحركة الواو ونقص منه التاء وفتحة النون ، وكان جعله هو المشتق أولا أولى .

ومثله البيضاوي وابن جعفر ب " ارم " من الرمي وقال : زيدت فيه الألف وكسرة الميم ، ونقصت حركة الواو والياء ، وفيه نظر . أما ألف الوصل فقد تقدم الكلام عليها ، وأما الياء فلم تحذف للاشتقاق بل لمعنى آخر ، وهو حمل المبني على المعرب لشبهه به في الصحيح ، فجعل المعتل كذلك . ألا ترى أن هذه الياء تحذف في المعرب في قولنا : لم يرم ليجزم ؟ فكذلك حذفت في قولنا : ارم للبناء حملا للمبني على المعرب في الصورة . ألا ترى أن الياء تعود عند اتصال الضمير بالفعل في قولك : ارميا . وعند اتصال النونين الثقيلة والخفيفة في قولك : ارمين وارمين ، وعند اتصال ضمير جماعة الإناث في قولك : ارمين يا نسوة ؟ فعلم أن الياء ما حذفت للاشتقاق ، وكلامنا فيما يحذف له أو يزداد له ، فتحصل به المغايرة بين صورة المشتق والمشتق منه لا فيما يحذف أو يزاد لمعنى آخر . [ ص: 327 ] وزاد الشيخ جمال الدين الشريشي قسمين آخرين :

أحدهما : ما فيه تغيير ظاهر ، نحو حذر من الحذر " وفرح من الفرح ، وجزع من الجزع ونحوه ، وقعت المغايرة بين الفعل والمصدر بحركة العين ، فإنها في المصدر مفتوحة وفي الفعل مكسورة .

ثانيهما : ما فيه تغيير مقدر نحو طلب من الطلب ، وهرب من الهرب ، وغلب من الغلب ونحوه ، وإنما قدرنا التغيير ، لأنه يجب أن يكون صورة المشتق وبنيته مخالفة لصورة المشتق منه ، ورأينا هذه الأفعال لا تخالف صورة المصادر المشتق منها ، وليس لها مصادر غيرها فوجب أن يكون فيها تغيير مقدر كما قالت النحاة في الفلك : إنه يقع على الواحد والجمع بلفظ واحد ، ولا بد من التغاير بينهما فتقدر الضمة إذا كان جمعا غير الضمة التي فيه إذا كان مفردا .

التالي السابق


الخدمات العلمية