[ ص: 252 ] فصل في 
وجوه النسخ في القرآن وقسمه 
 nindex.php?page=showalam&ids=11817أبو إسحاق المروزي  ، 
والماوردي  ، 
وابن السمعاني  وغيرهم إلى ستة أقسام : أحدها : ما نسخ حكمه ، وبقي رسمه ، وثبت حكم الناسخ ورسمه ، كنسخ آية الوصية للوالدين والأقربين بآية المواريث ، ونسخ العدة حولا بأربعة أشهر وعشر . فالمنسوخ ثابت التلاوة مرفوع الحكم ، والناسخ ثابت التلاوة والحكم . ومنع بعض الأصوليين من ذلك ، لأن المقصود من التلاوة حكمها ، فإذا انتفى الحكم فلا فائدة في بقائها . حكاه جماعة من الحنفية والحنابلة . ومنهم من ادعى الإجماع على الجواز . وقال 
الأستاذ أبو إسحاق    : هكذا مثلوا بآية العدة ، وعندي أنها من المخصوص ، لأن فيها تخصيص بعض الشروط بالإيجاب وبعضها بالإسقاط . 
الثاني : ما نسخ حكمه ورسمه ، وثبت حكم الناسخ ورسمه ، كنسخ استقبال 
بيت المقدس  باستقبال 
الكعبة  ، وصيام عاشوراء برمضان . قال 
 nindex.php?page=showalam&ids=11817أبو إسحاق المروزي    : ومنهم من جعل القبلة من نسخ السنة بالقرآن ، وزعم  
[ ص: 253 ] أن استقبال 
بيت المقدس  بالسنة لا بالقرآن . 
الثالث : ما نسخ حكمه وبقي رسمه ، ورفع رسم الناسخ وبقي حكمه ، كقوله : { 
فأمسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلا   } بقوله : ( الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما ألبتة نكالا من الله ) . وقال 
 nindex.php?page=showalam&ids=2عمر    : كنا نقرؤها على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، ولولا أن يقال : زاد 
 nindex.php?page=showalam&ids=2عمر  في كتاب الله لأثبتها ، فإن قيل : لا نسلم أن الرجم ثبت بهذه الآية ، بل إنما ثبت بقوله صلى الله عليه وسلم { 
nindex.php?page=hadith&LINKID=62539البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام والثيب بالثيب الرجم   } رواه 
 nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم    . قلنا : هذا مقرر لحكم تلك الآية . ويعرف أنه لم ينسخ . 
وقد يضعف هذا من وجهين : أحدهما : أن حمل الحديث على التأسيس وإثبات الرجم ابتداء أولى من حمله على تأكيد الآية المنسوخة . وثانيهما : أن الحديث ورد مبينا للسبيل المذكور في قوله : { 
أو يجعل الله لهن سبيلا   } . فدل على أنه غير متعلق بآية الرجم ، بل هو إما مستقل بإثباته أو مبين للسبيل من الآية الأخرى . 
الرابع : ما نسخ حكمه ، ورسمه ، ونسخ رسم الناسخ وبقي حكمه . كالمروي عن 
عائشة    ( كان فيما أنزل عشر رضعات ثم نسخن بخمس  
[ ص: 254 ] رضعات ، فتوفي النبي صلى الله عليه وسلم وهن مما يتلى من القرآن ) . قال 
 nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي    : فالعشر مما نسخ رسمه وحكمه ، والخمس مما نسخ رسمه بدليل أن الصحابة حين جمعوا القرآن لم يثبتوها رسما ، وحكمها باق عند هم . وقولها : وهي مما يقرأ من القرآن . قال 
ابن السمعاني    : يعني أنه يتلى حكمه دون لفظه . وقال 
 nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي    : يعني من لم يبلغه نسخ تلاوته قرآنا ، فهذا أولى . وإنما احتجنا لهذين التأويلين لأنه ليس في القرآن اليوم ، وأن حكمه غير ثابت ، فكان المنسوخ مرفوع التلاوة والحكم ، والناسخ باقي التلاوة . 
ومنع قوم من نسخ اللفظ مع بقاء حكمه ، ومن نسخ حكمه مع بقاء لفظه ، لأنه يؤدي أحدهما إلى أن يبقى الدليل ولا مدلول ، والآخر يؤدي إلى أن يرتفع الأصل ويبقى الناسخ . والصحيح هو الجواز ، لأن التلاوة والحكم في الحقيقة شيئان مختلفان ، فجاز نسخ أحدهما ، وتبقية الآخر كالعبادتين . وجزم 
شمس الأئمة السرخسي  بامتناع نسخ التلاوة مع بقاء الحكم ، لأن الحكم لا يثبت بدون التلاوة . 
وقد أورد على أثر 
 nindex.php?page=showalam&ids=2عمر  السابق كونه مما نسخ رسمه ، لأن القرآن لا يثبت بمثل هذا ، فإن من أنكر آية من القرآن كفر ، وبمثل هذا لا يكفر ، فإذا لم يثبت كونه قرآنا ، فكيف يدعى نسخه ؟ والرجم ما عرف بهذا ،  
[ ص: 255 ] بل بحديث 
ماعز    . وكذلك حديث 
 nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة  ، فإن القرآن لا يثبت بخبر الواحد ، فلا تثبت به تلاوة ما هو من القرآن وحكمه معا ، فإنا لا نعقل كونه منسوخا حتى نعقل كونه قرآنا ، وكونه من القرآن لا يثبت بخبر الواحد . وهذا الاعتراض في القسمين أعني في منسوخ التلاوة دون الحكم وعكسه . ولهذا قال صاحب " المصادر " : وأما نسخ التلاوة دون الحكم فوجوده غير مقطوع به ، لأنه منقول من طريق الآحاد ، وكذلك نسخهما جميعا ، لا يقال : إن ذلك لم يكن قرآنا ، لقول عمر : لولا أن يقول الناس : زاد عمر في القرآن ، وذلك يدل على أنه لم يكن قرآنا . قلنا : إنما قال ذلك لارتفاع تلاوته ، فلم يكتبه لأنه نسخ رسمه . وقال : لولا أن يقال : زاد في القرآن المثبت ، لكتبت ذلك . فإن قيل : ( الشيخ والشيخة ) لم يثبت بالتواتر ، بل بقول 
 nindex.php?page=showalam&ids=2عمر  ، ونسخ المتواتر بالآحاد ممتنع ، سواء كان قرآنا أو خبرا . قلنا : والرجم أيضا لم يثبت بالتواتر ، بل بالآحاد . وغايته أن الرجم ثابت إجماعا ، والإجماع ليس بناسخ ، وغايته الكشف عن ناسخ متواتر ، وقد تكون سنة متواترة ، وليس كون أحدهما متواترا أولى من الآخر . وأجاب 
الهندي  عن أصل السؤال بأن التواتر شرط في القرآن المثبت  
[ ص: 256 ] بين الدفتين . أما المنسوخ فلا نسلم أن ذلك شرط فيه ، بل يثبت بخبر الواحد ، لكن الذي قد ثبت ضمنا بها لا يثبت به استقلالا ، كالنسب بشهادة القوابل ، وكقبول قول الراوي في أحد الخبرين المتواترين أنه قبل الآخر على رأي ، وإن لزم نسخ المعلوم بقوله . وأجاب غيره بأن زماننا هذا ليس زمان نسخ ، وفي زمان النسخ لم يقع النسخ بخبر الواحد . 
وقال 
إلكيا الطبري    : القرآن وإن لم يثبت بخبر الواحد ، لكن يثبت حكمه والعهد به بقول 
عائشة    : وهي مما يتلى ، أي في حق الحكم . وضعف هذا بأن التلاوة لا تجوز بذلك . 
وأجاب آخرون بأن قوله تعالى : { 
وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم   } مطلق في الإرضاع ، والخبر جاء لبيان العدد ، فلفظ القرآن مجمل في حق العدد ، والتغير إنما يلحق بخبر 
 nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة  ، فالآية إذا كانت مبينة بالخبر ، وكان المراد به خمس رضعات كان المتلو خمس رضعات ، يعني وهذا كقوله : { 
وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة   } إذا ثبت بالخبر بيان قدر الزكاة نصف دينار ، وهو المراد بالخبر ، فكان قراءة الزكاة في القرآن قراءة نصف دينار . والدليل على جوار نسخ الآخر مع بقاء الحكم ، أن التلاوة حكم ، فلا يبعد نسخ أحد الحكمين مع بقاء الآخر . وليس أحدهما تبعا للثاني . 
فرع 
هل يجوز للمحدث مس المنسوخ التلاوة قال 
الآمدي    : تردد فيه الأصوليون ، والأشبه المنع . وخالفه 
 nindex.php?page=showalam&ids=12671ابن الحاجب  ، وقال : الأشبه الجواز ، وهو أصح الوجهين عندنا . ولذلك  
[ ص: 257 ] تبطل الصلاة بذكره فيها . وذكر 
الرافعي  في أول باب حد الزنى أن 
القاضي ابن كج  حكى عن بعض الأصحاب وجها أنه لو 
قرأ قارئ آية الرجم في الصلاة ، لم تفسد صلاته والصحيح خلافه . وأما المنسوخ حكمه دون لفظه فله حكم ما لم ينسخ بالإجماع . 
الخامس : ما بقي رسمه وحكمه ، ولا نعلم الذي نسخه ، كالمروي أنه كان في القرآن { 
nindex.php?page=hadith&LINKID=62540لو كان لابن آدم  واد من ذهب ، لابتغى أن يكون له ثان . ولا يملأ فاه إلا التراب ، ويتوب الله على من تاب   } . رواه 
 nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري   nindex.php?page=showalam&ids=17080ومسلم  من حديث 
 nindex.php?page=showalam&ids=9أنس  مرفوعا ، ورواه 
 nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد  في مسنده . وقال : كان هذا قرآنا فنسخ خطه . قال 
 nindex.php?page=showalam&ids=13332ابن عبد البر  في التمهيد : قيل : إنه في سورة ص ، وفي رواية ، عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=9أنس  ، قال : فلا ندري أشيء نزل أم شيء كان يقوله ، وكما رواه 
 nindex.php?page=showalam&ids=9أنس  في 
أصحاب بئر معونة    : إنهم لقوا ربهم فرضي عنهم وأرضاهم . فكنا نقرأ : أن قد بلغوا قومنا أنا قد لقينا ربنا ، فرضي عنا وأرضانا . وأخرج 
 nindex.php?page=showalam&ids=14070الحاكم  في مستدركه من حديث 
 nindex.php?page=showalam&ids=15916زر بن حبيش  ، عن 
أبي بن كعب    { 
nindex.php?page=hadith&LINKID=62541أن النبي قرأ عليه : لم يكن ، وقرأ فيها : إن ذات الدين عند الله الحنيفية  [ ص: 258 ] لا اليهودية ولا النصرانية ، ومن تعجل خيرا فلن يكفر   } . قال 
 nindex.php?page=showalam&ids=14070الحاكم    : صحيح الإسناد . هكذا ذكر 
الماوردي  هذا القسم في " الحاوي " ، ومثله بالحديث الأول ، وفيه نظر كما قاله 
ابن السمعاني    . وقال : هذا ليس بنسخ حقيقة ولا يدخل في حده ، وعده غيره مما نسخ لفظه وبقي معناه . وعده 
 nindex.php?page=showalam&ids=13332ابن عبد البر  في " التمهيد " مما نسخ خطه وحكمه ، وحفظه ينسى مع رفع خطه من المصحف ، وليس حفظه على وجه التلاوة ، ولا يقطع بصحته عن الله ، ولا يحكم به اليوم أحد . قال : ومنه قول من قال : إن سورة الأحزاب كانت نحو سورة البقرة والأعراف . 
السادس : ناسخ صار منسوخا وليس بينهما لفظ متلو ، كالمواريث بالحلف والنصرة ، نسخ بالتوارث بالإسلام والهجرة ، ثم نسخ التوارث بالهجرة ذكره 
الماوردي    . قال 
ابن السمعاني    : وهذا يدخل في النسخ من وجه ، ثم قال : وعندي أن القسمين الأخيرين تكلف ، وليس يتحقق فيهما النسخ . وجعل 
 nindex.php?page=showalam&ids=11817أبو إسحاق المروزي  التوريث بالهجرة من قسم ما علم أنه منسوخ ، ولم يعلم ناسخه . قال : وكذا قوله تعالى { 
وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله   } فهو منسوخ لا ندري ناسخه . وقيل ناسخه : { 
لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت   } . وذكر 
 nindex.php?page=showalam&ids=11813أبو إسحاق  في وجوه النسخ في القرآن شيئا أنسي فرفع بلا ناسخ يعرف ، فلم يبق له رسم ولا حكم ، مثل ما روي أن سورة الأحزاب كانت تعدل سورة البقرة ، فرفعت . قال : وهذه الأوجه في نسخ القرآن ، أما نسخ السنة فإنما يقع في الحكم ، فأما الرسم فلا مدخل له . .