صفحة جزء
القاعدة السادسة العادة محكمة .

قال القاضي : أصلها قوله صلى الله عليه وسلم { ما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن } قال العلائي : ولم أجده مرفوعا في شيء من كتب الحديث أصلا ولا بسند ضعيف بعد طول البحث وكثرة الكشف والسؤال ، وإنما هو من قول عبد الله بن مسعود موقوفا عليه أخرجه أحمد في مسنده .

[ ص: 90 ] اعلم أن اعتبار العادة والعرف رجع إليه في الفقه ، في مسائل لا تعد كثرة .

فمن ذلك : سن الحيض ، والبلوغ ، والإنزال ، وأقل الحيض ، والنفاس ، والطهر وغالبها وأكثرها ، وضابط القلة والكثرة في الضبة ، والأفعال المنافية للصلاة ، والنجاسات المعفو عن قليلها ، وطول الزمان وقصره في موالاة الوضوء ، في وجه والبناء على الصلاة في الجمع ، والخطبة ، والجمعة ، وبين الإيجاب والقبول ، والسلام ورده ، والتأخير المانع من الرد بالعيب ، وفي الشرب وسقي الدواب من الجداول ، والأنهار المملوكة ، إقامة له مقام الإذن اللفظي ، وتناول الثمار الساقطة ، وفي إحراز المال المسروق ، وفي المعاطاة على ما اختاره النووي ، وفي عمل الصناع على ما استحسنه الرافعي وفي وجوب السرج والإكاف في استئجار دابة للركوب ، والحبر ، والخيط ، والكحل على من جرت العادة بكونها عليه ، وفي الاستيلاء في الغصب ، وفي رد ظرف الهدية وعدمه ، وفي وزن أو كيل ما جهل حاله في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن الأصح أنه يراعى فيه عادة بلد البيع ، وفي إرسال المواشي نهارا وحفظها ليلا ، ولو اطردت عادة بلد بعكس ذلك ، اعتبرت العادة في الأصح .

وفي صوم يوم الشك ، لمن له عادة ، وفي قبول القاضي الهدية ممن له عادة ، وفي القبض ، والإقباض ، ودخول الحمام ، ودور القضاة ، والولاة ، والأكل من الطعام المقدم ضيافة بلا لفظ ، وفي المسابقة ، والمناضلة إذا كانت للرماة عادة في مسافة تنزل المطلق عليها ، وفيما إذا اطردت عادة المتبارزين بالأمان ، ولم يجر بينهما شرط فالأصح أنها تنزل منزلة الشرط .

وفي ألفاظ الواقف والموصي ، وفي الأيمان وسيأتي ذكر أمثلة من ذلك ويتعلق بهذه القاعدة مباحث :

الأول : فيما تثبت به العادة ، وفي ذلك فروع :

أحدها : الحيض . قال الإمام والغزالي وغيرهما : العادة في باب الحيض ، أربعة أقسام أحدها : ما تثبت فيه بمرة بلا خلاف وهو الاستحاضة لأنها علة مزمنة فإذا وقعت فالظاهر دوامها ، وسواء في ذلك المبتدئة ، والمعتادة ، والمتحيرة .

الثاني : ما لا يثبت فيه بالمرة ، ولا بالمرات المتكررة ، بلا خلاف ، وهي المستحاضة إذا انقطع دمها فرأت يوما دما ويوما نقاء واستمر لها أدوار هكذا ثم أطبق الدم على لون واحد ، فإنه لا يلتقط لها قدر أيام الدم بلا خلاف ، وإن قلنا باللقط بل نحيضها بما كنا نجعله حيضا بالتلفيق ، وكذا لو ولدت مرارا ولم تر نفاسا ثم ولدت وأطبق الدم [ ص: 91 ] وجاوز ستين يوما فإن عدم النفاس لا يصير عادة لها ، بلا خلاف بل هذه مبتدأة في النفاس .

الثالث : ما لا يثبت بمرة ولا بمرات ، على الأصح ، وهو التوقف عن الصلاة ، ونحوها بسبب تقطع الدم إذا كانت ترى يوما دماء ويوما نقاء .

الرابع : ما يثبت بالثلاث وفي ثبوته بالمرة والمرتين خلاف ، والأصح الثبوت وهو قدر الحيض والطهر .

الثاني : الجارحة في الصيد لا بد من تكرار يغلب على الظن أنه عادة ، ولا يكفي مرة واحدة قطعا ، وفي المرتين والثلاث خلاف .

الثالث : القائف لا خلاف في اشتراط التكرار فيه ، وهل يكتفى بمرتين ، أو لا بد من ثلاث ؟ وجهان رجح الشيخ أبو حامد وأصحابه اعتبار الثلاث .

وقال إمام الحرمين : لا بد من تكرار يغلب على الظن به أنه عارف .

الرابع : اختبار الصبي قبل البلوغ بالمماكسة ، قالوا : يختبر مرتين ، فصاعدا ، حتى يغلب على الظن رشده .

الخامس : عيوب البيع ، فالزنا يثبت الرد بمرة واحدة لأن تهمة الزنا لا تزول ، وإن تاب ، ولذلك لا يحد قاذفه والإباق كذلك .

قال القاضي حسين وغيره : يكفي المرة الواحدة منه في يد البائع وإن لم يأبق في يد المشتري ، قال الرافعي : والسرقة قريب من هذين . وأما البول في الفراش فالأظهر اعتبار الاعتياد فيه .

السادس : العادة في صوم الشك ، كما إذا كان له عادة بصوم يوم الاثنين أو الخميس فصادف يوم الشك أحدهما ، بماذا تثبت العادة ؟

قال الشيخ تاج الدين السبكي : لم أر فيه نقلا ، وقال الإمام في الخادم : لم يتعرضوا لضابط العادة فيحتمل ثبوتها بمرة ، أو بقدر يعد في العرف متكررا .

السابع : العادة في الإهداء للقاضي قبل الولاية . قال ابن السبكي : لم أر فيه نقلا بماذا تثبت به ؟

قال : وكلام الأصحاب يلوح بثبوتها بمرة واحدة . ولذلك عبر الرافعي بقوله : تعهد منه الهدية ، والعهد صادق بمرة .

الثامن : العادة في تجديد الطهر لمن يتيقن طهرا وحدثا وكان قبلهما متطهرا ، فإنه يأخذ بالضد ، إن اعتاد التجديد ، وبالمثل إن لم يعتده .

لم يبينوا بم تثبت به العادة لكن ذكر السبكي في شرح المنهاج : أن من ثبتت له عادة محققة ، كمن اعتاده [ ص: 92 ] فيأخذ بالضد . وظاهر هذا الاكتفاء فيه بالمرة ونحوها .

التاسع : إنما يستدل بحيض الخنثى وإمنائه على الأنوثة والذكورة بشرط التكرار ليتأكد الظن ، ويندفع توهم كونه اتفاقيا . قال الإسنوي : وجزم في التهذيب ، بأنه لا يكفي مرتان : بل لا بد أن يصير عادة .

قال : ونظير التحاقه بما قيل في كلب الصيد .

التالي السابق


الخدمات العلمية