التحصيل لفوائد كتاب التفصيل الجامع لعلوم التنزيل

المهدوي - أبو العباس أحمد بن عمار المهدوي

صفحة جزء
التفسير:

قوله تعالى: الذي خلقكم معناه: اخترعكم، ويكون (الخلق) بمعنى: التقدير; نحو: (خلقت الأديم) .

لعلكم تتقون (لعل) : متصلة بـ {اعبدوا} ، لا بـ {خلقكم} ؛ لأن من ذرأه الله [ ص: 158 ] عز وجل لجهنم; لم يخلقه ليتقي، والمعنى عند سيبويه: افعلوا ذلك على الرجاء والطمع أن تتقوا.

[وقيل: معنى لعلكم تتقون أي: كي تتقوا].

الذي جعل لكم الأرض فراشا أي: وطاء يستقر عليها، وإن كان فيها الجبال والأوعار.

والسماء بناء (السماء) : كالسقف للأرض، وكل ما علا وأظل قيل له: سماء.

وأصل (الماء) : (موه) .

فلا تجعلوا لله أندادا : [أي: أكفاء وأمثالا، هذا مذهب أهل اللغة سوى أبي عبيدة; فإنه قال: {أندادا} ] معناه: أضدادا.

وأنتم تعلمون أي: تعلمون أنه واحد لا شريك له ولا شبيه، وقيل: تعلمون أنه المنعم عليكم، دون الأنداد.

[ ص: 159 ] ابن عباس : الخطاب للكفار والمنافقين، [وقيل: لأهل الكتابين.

وقيل: معنى {تعلمون} : تعقلون وتميزون].

وإن كنتم في ريب مما نـزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله سميت السورة سورة; لأن قارئها يشرف بقراءتها على ما لم يكن عنده; كسور البناء، وقيل: لتمامها وكمالها، ومنه قيل للناقة التامة: (سورة) .

وقيل: أصلها الهمزة، فخففت، والهمزة لغة حكاها الرماني عن أبي عبيدة، فمعناها: قطعة، ومنه (السؤر في الإناء) للبقية.

وقوله: من مثله في قول مجاهد وقتادة : معناه: من مثل هذا القرآن، وقيل: من كتاب مثله، يعني: التوراة والإنجيل; فإنها تصدق ما فيه، وقيل: المعنى: من بشر مثله.

و {من} على القول الأول لبيان الجنس، أو زائدة، وقد قال في موضع [ ص: 160 ] آخر: بسورة مثله [يونس: 38]، وعلى القولين الآخرين تكون للتبعيض.

وهذه الآية من معجزات النبي عليه الصلاة والسلام; لأنه تحدى العرب على فصاحتهم وبلاغتهم أن يأتوا بسورة من أقصر سور القرآن، فعجزوا عن الإتيان بها، وقد بينت ذلك في «الكبير» ، والله المستعان.

وادعوا شهداءكم من دون الله أي: ادعوا أعوانكم على ما أنتم عليه، عن ابن عباس .

مجاهد : أي: ناسا يشهدون لكم; أي: يشهدون أنكم عارضتموه.

الفراء : آلهتكم.

فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا أي: إن لم تقدروا على ذلك ولن تطيقوه، عن قتادة .

فاتقوا النار : جواب فإن لم تفعلوا : أي: اتقوا النار من هذه الجهة; [ ص: 161 ] أي: فاتقوا النار بتصديق النبي صلى الله عليه وسلم.

و (الوقود) : الحطب، وهو بضم الواو: المصدر، وحكى الأخفش في المصدر الضم والفتح.

و {الحجارة} : حجارة الكبريت، عن ابن مسعود، وابن جريج، وروي: أنه الكبريت الأسود.

وليس في هذا دليل على أنها ليس فيها غير الناس والحجارة، بدليل ما ذكره في غير موضع من كون الجن والشياطين فيها.

أعدت للكافرين ليس في هذا أيضا دليل على أنها ليس يدخلها إلا الكافرين; بدليل ما ذكره في غير موضع من الوعيد للمذنبين.

وقوله: وبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات مأخوذ من بشرة الوجه; ولذلك استعمل في الخير [والشر; لأن من بشر بشيء ظهر في بشرته، وأكثر ما يستعمل في الخير].

و (الجنات) : البساتين، وبها سميت الجنة جنة، لأنها تجن من فيها; أي:

[ ص: 162 ] تستره بشجرها.

تجري من تحتها الأنهار أي: ماء الأنهار.

وقوله: قالوا هذا الذي رزقنا من قبل قال ابن عباس : هذا على وجه التعجب، وليس في الدنيا شيء مما في الجنة سوى الأسماء، فكأنهم تعجبوا لما رأوه من جنس الثمرة، وعظم خلقها.

وقيل: معنى من قبل : في الجنة; لأنهم يرزقون الثمرة، ثم يرزقون بعدها مثل صورتها، والطعم مختلف، قاله مجاهد، والحسن، فيجوز أن يكون خبرا قالوه قبل أن يعرفوا طعمه، ويجوز أن يكون تعجبا قالوه بعد أن أكلوها.

وقيل: المعنى: هذا الذي وعدنا به في الدنيا.

التالي السابق


الخدمات العلمية