التحصيل لفوائد كتاب التفصيل الجامع لعلوم التنزيل

المهدوي - أبو العباس أحمد بن عمار المهدوي

صفحة جزء
التفسير:

تقدم القول في أول السورة، إلى قوله: فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه ، وذكر ما فيه من الأحكام والتفسير.

وقوله: ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج : (الحرج) : الضيق، ومنه: (الحرج) : للموضع الملتف الشجر.

وقوله: واذكروا نعمة الله عليكم وميثاقه الذي واثقكم به : (الميثاق) في قول ابن عباس والسدي : هو ما أخذه على المؤمنين من السمع والطاعة للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فيما أحبوا أو كرهوا.

[ ص: 417 ] مجاهد : هو الميثاق الذي أخذه على بني آدم حين أخرجهم من ظهره كالذر.

و (نعمة الله) ههنا بمعنى الجمع.

وقوله: هو أقرب للتقوى أي: أقرب لأن تتقوا الله ، وقيل : أقرب لأن تتقوا النار.

و (هو) من قوله تعالى: (هو أقرب) ضمير المصدر الذي دل عليه الفعل; كأنه قال: العدل أقرب للتقوى.

يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمت الله عليكم إذ هم قوم أن يبسطوا إليكم أيديهم الآية .

قال قتادة، ومجاهد ، وغيرهما: نزلت في قوم هموا بقتل النبي صلى الله عليه وسلم، فمنعه الله منهم.

وقوله: وبعثنا منهم اثني عشر نقيبا : قال الحسن : (النقيب) : الضمين.

قتادة: هو، الشهيد على قومه، قال: جعل على كل سبط رجلا شاهدا على سبطه.

الربيع بن أنس: هو الأمين، وحقيقته : الذي ينقب على أحوال قومه.

وقال الله إني معكم : قال الربيع بن أنس: قال ذلك للنقباء، وقال غيره: لبني إسرائيل كلهم.

[ ص: 418 ] وعزرتموهم : قال الحسن ، ومجاهد : أي: نصرتموهم.

أبو عبيدة: عظمتموهم، وأصل (التعزير) : المنع، ومنه التعزير للأدب; لأنه يمنع المعزر عن معاودة مثل ما عزر عليه.

فقد ضل سواء السبيل أي: قصد الطريق.

فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم أي: فبنقضهم، قال الحسن : يعني بذلك: المسخ الذي كان فيهم حين صاروا قردة وخنازير.

وجعلنا قلوبهم قاسية أي: يابسة غليظة.

ولا تزال تطلع على خائنة منهم : قيل: معنى (خائنة) : خيانة ، كما قال: والمؤتفكات بالخاطئة ، وقيل: هو نعت لمحذوف، والتقدير : فرقة خائنة، وقد تقع (خائنة) للواحد، كما يقال: (رجل نسابة) ، وشبهه.

مجاهد : المراد به : اليهود حين هموا بقتل النبي صلى الله عليه وسلم; إذ ذهب إليهم يستعين بهم في دية الرجلين اللذين قتلهما بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، ولم يعلم [ ص: 419 ] قاتلهما أن بينهما وبين النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ موادعة، فجاء الوحي إلى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بما همت به اليهود; فأنذر أصحابه ، وانصرف.

ومن الذين قالوا إنا نصارى أخذنا ميثاقهم : (من) متعلقة بـ (أخذنا) ; أي: [أخذنا من الذين قالوا : إنا نصارى، ميثاقهم، كما تقول : "من زيد أخذت ماله".

ورتبة (الذين) أن تكون بعد) أخذنا( ، وقبل الميثاق، فيكون التقدير] : أخذنا من الذين قالوا: إنا نصارى ميثاقهم، ولا يصلح أن ينوي بـ (الذين) التأخير بعد (الميثاق) ; لتقدم المضمر على المظهر، وكونه

منويا بعد (أخذنا) سائغ; لأنهما مفعولان; فليست لأحدهما مزية في التقديم على الآخر، وتقديره عند الكوفيين: ومن الذين قالوا : إنا نصارى من أخذنا ميثاقهم، فالهاء والميم يعودان على (من) المحذوفة ، والهاء والميم على [ ص: 420 ] القول الأول يعودان على (الذين) .

وفي قوله: ومن الذين قالوا إنا نصارى ، ولم يقل: (ومن النصارى) ; دليل على أنهم ابتدعوا النصرانية، وتسموا بها، روي معناه عن الحسن.

وقوله: فنسوا حظا مما ذكروا به أي: تركوه.

فأغرينا بينهم العداوة والبغضاء أي: ألصقنا، ومنه : (غريت بالرجل غرا وغراء) ; إذا ألصقت به، و (أغريته بكذا حتى غري) ، (والإغراء بالشيء) : التسليط عليه، والمراد في الآية : اليهود والنصارى، و (الإغراء) : إلقاء العداوة بينهم، عن الحسن، وقتادة.

النخعي : هو اختلاف أهوائهم.

يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا : يخاطب اليهود والنصارى.

يبين لكم كثيرا مما كنتم تخفون من الكتاب يعني: ما بينه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ من الرجم الذي كتمه اليهود، وجاؤوا يستفتون فيه النبي صلى الله عليه وسلم ، عن ابن عباس ، وقتادة.

ويعفو عن كثير أي : يتركه; أي: يبين ما احتاج إلى بيانه مما فيه الدلالة على نبوته، والشهادة برسالته، ويترك ما لم يكن به حاجة إلى تبيينه.

[ ص: 421 ] قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين : (النور) : محمد صلى الله عليه وسلم ، عن الزجاج وغيره، وقيل: النور: القرآن، وقيل: النور : التوراة، والكتاب المبين: القرآن.

يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام أي: طرق السلام

الحسن ، والسدي : (السلام) : الله عز وجل، والمعنى: دين الله.

الزجاج : يكون (السلام) بمعنى السلامة; أي: طرق السلامة من كل

آفة، والأمن من كل مخافة.

لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم الآية.

أعلم الله ـ تعالى ـ أن المسيح لو كان إلها; لقدر على دفع ما ينزل به أو بغيره من أمر الله عز وجل.

و (يملك) بمعنى : يقدر ، من قولهم: (ملكت على فلان) ; إذا اقتدرت عليه.

ولله ملك السماوات والأرض : قال: (وما بينهما) ; لأنه أراد النوعين.

[ ص: 422 ] وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه : قال ابن عباس : قالت ذلك اليهود حين حذرهم النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ عقاب الله.

السدي: زعمت اليهود أن الله أوحى إلى إسرائيل أن ولدك بكري من الولد.

[الحسن: إنما قالوا ذلك على معنى قرب الولد من الوالد].

وقيل ذلك في النصارى حين قالوا: المسيح ابن الله; كما يقال: العرب

شعراء ، وإن كان فيهم من ليس بشاعر.

وقيل: إنما قالت النصارى: نحن أبناء الله; لأن في الإنجيل حكاية عن عيسى: أذهب إلى أبي وأبيكم، فاحتج الله عليهم بأنه يعذبهم، والوالد المشفق لا يعذب ولده ، ثم قال: ولله ملك السماوات والأرض ; محتجا عليهم بذلك; [لأن الوالد لا يملك ولده، ولأن من يملك ذلك] لا شبيه له.

التالي السابق


الخدمات العلمية