التحصيل لفوائد كتاب التفصيل الجامع لعلوم التنزيل

المهدوي - أبو العباس أحمد بن عمار المهدوي

صفحة جزء
واتل عليهم نبأ ابني آدم بالحق : وجه اتصال هذه الآية بما قبلها : التنبيه من الله تعالى على أن ظلم اليهود ونقضهم العهود كظلم أحد ابني آدم لأخيه، وفي ذلك تبكيت لمن خالف الإسلام، وتسلية للنبي عليه الصلاة والسلام.

واختلف في ابني آدم; فقال ابن عباس ، وابن عمر، وغيرهما: هما ابناه لصلبه [ ص: 445 ] هابيل وقابيل، وكان هابيل مؤمنا، وقابيل كافرا، وقيل: كان عاصيا، ولم يكن كافرا.

وروي: أنه إنما حسد أخاه بسبب أخته التي ولدت معه في بطن، أراد آدم أن يزوجها من هابيل، على ما كان يصنع من تزويج ذكر بطن من أنثى البطن الآخر، وقيل: إنه زوجها من هابيل، فحسده قابيل على ذلك، فلما قربا القربان الذي وصفه الله ـ تعالى ـ في القرآن، وكان قربان هابيل كبشا، فتقبله الله تعالى، وحبسه عنده، حتى أخرجه لإبراهيم عليه السلام فداء لابنه، وكان قربان قابيل زرعا، فلم يتقبل، وكان علامة تقبل القربان: أن تأتي نار من السماء فتأكله; فازداد قابيل حسدا لهابيل، فقال له : لأقتلنك، فقال: أتقتلني إذ لم يتقبل قربانك؟! فإنما يتقبل الله من المتقين.

وقوله: إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك : قيل: معنى إرادته : أنه أراد الثواب بكف يده عمن يقتله ، فصار في ذلك بمنزلة من يريد الإثم لأخيه مجازا.

وقيل: لما كان لا بد أن يكون قاتلا أو مقتولا، أراد أن يكون مقتولا

ضرورة، وليست بإرادة محبة ولا شهوة.

[ ص: 446 ] وقيل: المعنى: إذا قتلتني أردت لك; لأن الله ـ تعالى ـ أراده للقاتل.

ومعنى بإثمي وإثمك - فيما روي عن ابن عباس ، وابن مسعود، وغيرهما-: إثم قتلك إياي، وإثمك الذي كان منك قبل قتلي.

وقيل: بإثم قتلك إياي، وإثمك الذي لم يتقبل قربانك من أجله، عن

مجاهد.

وقيل : قال ذلك; لأنه لو بسط يده إليه; لأثم، فرأى أنه إذا أمسك يده

عنه; رجع إثمه على صاحبه الذي بسط يده إليه.

وقال الحسن : كان هذان اللذان أخبر الله عنهما من بني إسرائيل.

وذلك جزاء الظالمين : يجوز أن يكون إخبارا من الله ـ تعالى ـ عن هابيل، ويجوز أن يكون منقطعا مما قبله.

فطوعت له نفسه قتل أخيه : قال قتادة : زينت له، مجاهد : شجعته، وقيل: ساعدته، وذلك متقارب، و (طوعت) : (فعلت) ، من الطوع; وهو الإجابة إلى الشيء.

فأصبح من الخاسرين أي: ممن خسر حسناته.

قال مجاهد : لم يدر كيف يقتله حتى علمه إبليس.

قال ابن عباس ، وابن مسعود: وجده نائما، فشدخ رأسه بحجر، فلما [ ص: 447 ] قتله; ندم، فجلس يبكي عند رأسه، إذ أقبل غرابان، فاقتتلا، فقتل أحدهما الآخر، ثم حفر له فدفنه، ففعل القاتل بأخيه كذلك.

و (السوءة) : يراد بها: العورة، وقيل: يراد بها: جيفة المقتول.

من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل الآية.

يجوز أن يكون قوله: (من أجل ذلك) متعلقا بما تقدم ، فيكون المعنى: فأصبح من النادمين من أجل ما صنع، ويوقف على: من أجل ذلك ، ويجوز أن يكون متعلقا بما بعده، والتمام: من النادمين .

وقوله: أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا : قال ابن عباس : معناه : من قتل نبيا، أو إماما عادلا; فكأنما قتل الناس جميعا.

ومن أحياها : من ترك قتلها خوفا من الله تعالى.

مجاهد : المعنى: أنه يصير إلى جهنم بقتل نفس ، كما يصير إليها لو قتل

الناس جميعا.

وقيل: المعنى: أن عليه إثم كل قاتل إلى يوم القيامة; لأنه سن القتل، وكذلك روي عن النبي صلى الله عليه وسلم : لا يقتل مؤمن إلى يوم القيامة إلا كان على ابن آدم [ ص: 448 ] الأول كفل من ذنب من قتله .

وقيل : معنى فكأنما أحيا الناس جميعا : أن عليه القود، كما يجب عليه لو قتل الناس جميعا.

وقيل : معنى، ومن أحياها : من عفا عنها إذا وجب له القصاص; كان كمن عفا عن جميع الناس لو وجب له عليهم قصاص، روي معناه عن ابن زيد.

مجاهد : المعنى: من أحياها من غرق، أو حرق، أو هلاك.

الحسن : أعظم إحيائها: أن يحييها من كفرها وضلالتها.

وقيل : معنى فكأنما قتل الناس جميعا : أنه في الجرأة على الله بمنزلة من قتل الناس جميعا، على التشبيه، لا على الحقيقة; لأن السيئة لا يجزى إلا بمثلها، فأما الإحياء; فيجوز في جزائه التضعيف، كما يجوز في الحسنات.

وقيل : معناه : فكأنما قتل الناس جميعا عند المقتول، وكذلك الإحياء عند المحيا وهو المستنقذ من القتل.

و (الفساد في الأرض) : إخافة السبيل، وما أشبهه، وكذلك حكم الفساد في الدين.

[ ص: 449 ] وقوله: يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة : قال ابن عباس ، وغيره: معنى (الوسيلة) : [التوبة، وروى الخدري عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه قال: «الوسيلة] عند الله درجة ليس فوقها درجة» .

يريدون أن يخرجوا من النار وما هم بخارجين منها : [قال الحسن : كلما دفعتهم النار بلهبها; رجوا أن يخرجوا منها، ومثله : كلما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها .

وقيل : معنى (يريدون) : يكادون.

وقيل: (الإرادة) ههنا بمعنى: التمني، كأنه قال: يتمنون أن يخرجوا من

النار.

وقوله: والسارق والسارقة : الألف واللام فيه لتعريف النوع، لا لتعريف الجنس، وإنما يكونان لتعريف الجنس فيما تلزمه الألف واللام من أجل جنسه; كالدينار، والدرهم، فأما ما لزمتاه من أجل فعله; فهما فيه لتعريف النوع; لأن هذا الاسم يزول عنه بزوال فعله، وما كان من أجل الجنس; لا يزول عنه الاسم أبدا.

التالي السابق


الخدمات العلمية