الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      معلومات الكتاب

                                                                                                                                                                                                                                      التحصيل لفوائد كتاب التفصيل الجامع لعلوم التنزيل

                                                                                                                                                                                                                                      المهدوي - أبو العباس أحمد بن عمار المهدوي

                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      واتل عليهم نبأ ابني آدم بالحق : وجه اتصال هذه الآية بما قبلها : التنبيه من الله تعالى على أن ظلم اليهود ونقضهم العهود كظلم أحد ابني آدم لأخيه، وفي ذلك تبكيت لمن خالف الإسلام، وتسلية للنبي عليه الصلاة والسلام.

                                                                                                                                                                                                                                      واختلف في ابني آدم; فقال ابن عباس ، وابن عمر، وغيرهما: هما ابناه لصلبه [ ص: 445 ] هابيل وقابيل، وكان هابيل مؤمنا، وقابيل كافرا، وقيل: كان عاصيا، ولم يكن كافرا.

                                                                                                                                                                                                                                      وروي: أنه إنما حسد أخاه بسبب أخته التي ولدت معه في بطن، أراد آدم أن يزوجها من هابيل، على ما كان يصنع من تزويج ذكر بطن من أنثى البطن الآخر، وقيل: إنه زوجها من هابيل، فحسده قابيل على ذلك، فلما قربا القربان الذي وصفه الله ـ تعالى ـ في القرآن، وكان قربان هابيل كبشا، فتقبله الله تعالى، وحبسه عنده، حتى أخرجه لإبراهيم عليه السلام فداء لابنه، وكان قربان قابيل زرعا، فلم يتقبل، وكان علامة تقبل القربان: أن تأتي نار من السماء فتأكله; فازداد قابيل حسدا لهابيل، فقال له : لأقتلنك، فقال: أتقتلني إذ لم يتقبل قربانك؟! فإنما يتقبل الله من المتقين.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك : قيل: معنى إرادته : أنه أراد الثواب بكف يده عمن يقتله ، فصار في ذلك بمنزلة من يريد الإثم لأخيه مجازا.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: لما كان لا بد أن يكون قاتلا أو مقتولا، أراد أن يكون مقتولا

                                                                                                                                                                                                                                      ضرورة، وليست بإرادة محبة ولا شهوة.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 446 ] وقيل: المعنى: إذا قتلتني أردت لك; لأن الله ـ تعالى ـ أراده للقاتل.

                                                                                                                                                                                                                                      ومعنى بإثمي وإثمك - فيما روي عن ابن عباس ، وابن مسعود، وغيرهما-: إثم قتلك إياي، وإثمك الذي كان منك قبل قتلي.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: بإثم قتلك إياي، وإثمك الذي لم يتقبل قربانك من أجله، عن

                                                                                                                                                                                                                                      مجاهد.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل : قال ذلك; لأنه لو بسط يده إليه; لأثم، فرأى أنه إذا أمسك يده

                                                                                                                                                                                                                                      عنه; رجع إثمه على صاحبه الذي بسط يده إليه.

                                                                                                                                                                                                                                      وقال الحسن : كان هذان اللذان أخبر الله عنهما من بني إسرائيل.

                                                                                                                                                                                                                                      وذلك جزاء الظالمين : يجوز أن يكون إخبارا من الله ـ تعالى ـ عن هابيل، ويجوز أن يكون منقطعا مما قبله.

                                                                                                                                                                                                                                      فطوعت له نفسه قتل أخيه : قال قتادة : زينت له، مجاهد : شجعته، وقيل: ساعدته، وذلك متقارب، و (طوعت) : (فعلت) ، من الطوع; وهو الإجابة إلى الشيء.

                                                                                                                                                                                                                                      فأصبح من الخاسرين أي: ممن خسر حسناته.

                                                                                                                                                                                                                                      قال مجاهد : لم يدر كيف يقتله حتى علمه إبليس.

                                                                                                                                                                                                                                      قال ابن عباس ، وابن مسعود: وجده نائما، فشدخ رأسه بحجر، فلما [ ص: 447 ] قتله; ندم، فجلس يبكي عند رأسه، إذ أقبل غرابان، فاقتتلا، فقتل أحدهما الآخر، ثم حفر له فدفنه، ففعل القاتل بأخيه كذلك.

                                                                                                                                                                                                                                      و (السوءة) : يراد بها: العورة، وقيل: يراد بها: جيفة المقتول.

                                                                                                                                                                                                                                      من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل الآية.

                                                                                                                                                                                                                                      يجوز أن يكون قوله: (من أجل ذلك) متعلقا بما تقدم ، فيكون المعنى: فأصبح من النادمين من أجل ما صنع، ويوقف على: من أجل ذلك ، ويجوز أن يكون متعلقا بما بعده، والتمام: من النادمين .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا : قال ابن عباس : معناه : من قتل نبيا، أو إماما عادلا; فكأنما قتل الناس جميعا.

                                                                                                                                                                                                                                      ومن أحياها : من ترك قتلها خوفا من الله تعالى.

                                                                                                                                                                                                                                      مجاهد : المعنى: أنه يصير إلى جهنم بقتل نفس ، كما يصير إليها لو قتل

                                                                                                                                                                                                                                      الناس جميعا.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: المعنى: أن عليه إثم كل قاتل إلى يوم القيامة; لأنه سن القتل، وكذلك روي عن النبي صلى الله عليه وسلم : لا يقتل مؤمن إلى يوم القيامة إلا كان على ابن آدم [ ص: 448 ] الأول كفل من ذنب من قتله .

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل : معنى فكأنما أحيا الناس جميعا : أن عليه القود، كما يجب عليه لو قتل الناس جميعا.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل : معنى، ومن أحياها : من عفا عنها إذا وجب له القصاص; كان كمن عفا عن جميع الناس لو وجب له عليهم قصاص، روي معناه عن ابن زيد.

                                                                                                                                                                                                                                      مجاهد : المعنى: من أحياها من غرق، أو حرق، أو هلاك.

                                                                                                                                                                                                                                      الحسن : أعظم إحيائها: أن يحييها من كفرها وضلالتها.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل : معنى فكأنما قتل الناس جميعا : أنه في الجرأة على الله بمنزلة من قتل الناس جميعا، على التشبيه، لا على الحقيقة; لأن السيئة لا يجزى إلا بمثلها، فأما الإحياء; فيجوز في جزائه التضعيف، كما يجوز في الحسنات.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل : معناه : فكأنما قتل الناس جميعا عند المقتول، وكذلك الإحياء عند المحيا وهو المستنقذ من القتل.

                                                                                                                                                                                                                                      و (الفساد في الأرض) : إخافة السبيل، وما أشبهه، وكذلك حكم الفساد في الدين.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 449 ] وقوله: يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة : قال ابن عباس ، وغيره: معنى (الوسيلة) : [التوبة، وروى الخدري عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه قال: «الوسيلة] عند الله درجة ليس فوقها درجة» .

                                                                                                                                                                                                                                      يريدون أن يخرجوا من النار وما هم بخارجين منها : [قال الحسن : كلما دفعتهم النار بلهبها; رجوا أن يخرجوا منها، ومثله : كلما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها .

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل : معنى (يريدون) : يكادون.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: (الإرادة) ههنا بمعنى: التمني، كأنه قال: يتمنون أن يخرجوا من

                                                                                                                                                                                                                                      النار.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: والسارق والسارقة : الألف واللام فيه لتعريف النوع، لا لتعريف الجنس، وإنما يكونان لتعريف الجنس فيما تلزمه الألف واللام من أجل جنسه; كالدينار، والدرهم، فأما ما لزمتاه من أجل فعله; فهما فيه لتعريف النوع; لأن هذا الاسم يزول عنه بزوال فعله، وما كان من أجل الجنس; لا يزول عنه الاسم أبدا.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية