التحصيل لفوائد كتاب التفصيل الجامع لعلوم التنزيل

المهدوي - أبو العباس أحمد بن عمار المهدوي

صفحة جزء
[ ص: 304 ] وقوله: يا أيها الذين آمنوا لا تقولوا راعنا [البقرة: 104] الآية.

قال بعض العلماء: هذه الآية ناسخة لقول كان مباحا، كان المسلمون يقولون: (راعنا) على جهة السؤال للنبي صلى الله عليه وسلم أن يراعي أحوالهم، ويتفقد أمورهم، فنسخ الله ذلك؛ لأن اليهود كانت تقول ذلك على وجه الاستهزاء والسب.

وقيل: إن معنى قول المسلمين إياها: أرعنا نرعك، فنهوا عن ذلك؛ لما في مخاطبة النبي عليه الصلاة والسلام به من الجفاء.

وقوله: فاعفوا واصفحوا حتى يأتي الله بأمره هذا وشبهه منسوخ بالقتال، قال ابن عباس : بقوله: [ فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم [التوبة: 5].

وقال السدي، وقتادة : بقوله ]: قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله [التوبة: 29] الآية التي في (التوبة).

وقوله: ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله قيل: هي منسوخة، وقيل: هي محكمة، فمن قال: هي منسوخة: ابن زيد، وغيره، قال ابن زيد : كانوا أبيح لهم أن يصلوا إلى أي قبلة شاؤوا، فصلى النبي عليه الصلاة والسلام والمسلمون [ ص: 305 ] إلى بيت المقدس بضعة عشر شهرا، فقالت اليهود: ما اهتدى لقبلته حتى هديناه، فكره ذلك النبي عليه الصلاة والسلام، ورفع طرفه إلى السماء، فأنزل الله تعالى: قد نرى تقلب وجهك في السماء إلى قوله: وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره [البقرة: 144].

وقيل: هي محكمة.

قال مجاهد، والضحاك : المعنى: أين ما كنتم من شرق أو غرب؛ فثم وجه الله الذي أمر باستقباله؛ وهو الكعبة.

وعن مجاهد أيضا، وابن جبير : لما نزلت: ادعوني أستجب لكم [غافر: 60]؛ قالوا: إلى أين؟ فنزل: فأينما تولوا فثم وجه الله ، فهي على هذا في الدعاء.

ابن عمر، والنخعي : أينما تولوا في أسفاركم ومتصرفاتكم؛ فثم وجه الله.

وعن ابن عمر أيضا: أنه تأولها في الصلاة على الراحلة في السفر حيث ما توجهت براكبها، وقال: (كان النبي عليه الصلاة والسلام يصلي وهو مقبل من مكة إلى المدينة على دابته، فنزلت الآية في ذلك).

وروى عبد الله بن عامر بن ربيعة عن أبيه قال: ( كنا مع النبي عليه الصلاة والسلام في ليلة سوداء مظلمة، فجعل الرجل يأخذ الأحجار يعمل مسجدا [ ص: 306 ] يصلي فيه، فلما أصبحنا إذا نحن قد صلينا إلى غير القبلة، فنزلت الآية ).

قتادة : لما أمر النبي عليه الصلاة والسلام بالصلاة على النجاشي؛ قالوا: إنه لا يصلي إلى القبلة، فنزلت الآية.

ابن عباس : نزلت حين حول النبي عليه الصلاة والسلام إلى الكعبة، وقالت اليهود: ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها [البقرة: 143].

وقيل: هي متصلة بقوله: ومن أظلم ممن منع مساجد الله [البقرة: 19] الآية، فالمعنى: أن بلاد الله - أيها المؤمنون- تسعكم، فلا يمنعكم تخريب من خرب مساجد الله أن تولوا وجوهكم نحو قبلة الله أينما كنتم من أرضه.

وقيل: نزلت حين صد النبي عليه الصلاة والسلام عام الحديبية، فاغتم المسلمون لذلك.

فتلك عشرة أقوال.

ومعنى فثم وجه الله على هذا: فثم الله، وقيل: فثم تدركون رضا الله.

ومن جعلها منسوخة؛ فلا اعتراض عليه من جهة كونها خبرا؛ لأنها محتملة لمعنى الأمر، ويحتمل أن يكون معنى فأينما تولوا فثم وجه الله : ولوا وجوهكم نحو وجه الله.

التالي السابق


الخدمات العلمية