التحصيل لفوائد كتاب التفصيل الجامع لعلوم التنزيل

المهدوي - أبو العباس أحمد بن عمار المهدوي

صفحة جزء
التفسير :

تقدم ما في قوله : {طه} من التفسير الجامع لحروف التهجي التي في أوائل السور ، وجاء في { طه } زيادة عليه ، من ذلك قول ابن عباس : {طه} : يا رجل ؛ بالنبطية ، وقيل : إنها لغة معروفة في عك ، قال الشاعر : [من البسيط ] .


إن السفاهة طه من شمائلكم لا بارك الله في القوم الملاعين

وقال آخر : [من الطويل ]


هتفت بطه في القتال فلم يجب     فخفت عليه أن يكون موائلا

وكذلك قال الحسن : [معنى {طه} : يا رجل ] ، وقاله عكرمة ، وقال : هو بالسريانية كذلك .

[ ص: 293 ] وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : "لي عند ربي عشرة أسماء . . . " ، فذكر أن منها : {طه} و {يس} .

وقيل : إن معنى {طه} : طأ الأرض ؛ فالهاء والألف ضمير الأرض ؛ والمعنى : طأ الأرض برجليك في صلاتك ، فالألف فيها بدل من همزة .

وروي : أن بعض القراء قرأ : {طه} ؛ فالهاء على هذا يجوز أن تكون ضمير المكان ؛ والمعنى : طأ المكان ؛ وأبدلت الهمزة ألفا قبل الأمر ، ثم حذفت للأمر ، أو يكون الأصل : (طأ ) ؛ بمعنى : طأ الأرض ، ثم أبدلت الهمزة هاء ؛ كما قالوا : (إياك ، وهياك ) ، أو يكون أبدل من الهمزة الألف ، ثم حذفت الألف ؛ لدلالة الفتحة عليها ، وجيء بهاء السكت ، وإذا كانت الهاء كناية عن المكان ؛ فالقول في إسكانها كالقول في إسكان {يؤده} [آل عمران : 75 ] ، و {نؤته} [آل عمران : 145 ] ، وهو مذكور في باب هاء الكناية .

ومن قال : إن ما بعد {ألم} وشبهها من حروف التهجي خبر عنها ؛ لم يسغ له ذلك في {طه} ؛ لأن ما بعدها نفي .

ومن جعل معنى {طه} : يا رجل ؛ لم يقف على {طه} ؛ لأن النداء تنبيه على ما بعده ، ومن جعلها افتتاحا ، أو على وجه من الوجوه المذكورة في [ ص: 294 ] (البقرة ) ؛ وقف عليها ، إلا في قول من جعلها قسما ؛ فإنه لا يقف عليها ؛ لأن قوله : ما أنـزلنا عليك القرآن لتشقى جواب القسم .

وقوله : ما أنـزلنا عليك القرآن لتشقى {إلا تذكرة لمن يخشى : قال مجاهد ، وقتادة : هذا في الصلاة ، قيل له ذلك ؛ لما كان يلقاه من التعب في قيام الليل .

الضحاك : كانوا يقومون حتى تنشق أقدامهم ، فقال المشركون : ما أنزل هذا القرآن إلا للشقاء ، فنزلت الآية .

وقوله : تنـزيلا ممن خلق الأرض أي : نزله تنزيلا .

[وتقدم القول في معنى استواء الرحمن عز وجل على العرش ، وأنه تعالى مستو على عرشه بغير حد ، ولا تكييف ، كما يكون استواء المخلوقين .

وروي : أن رجلا سأل مالكا رحمه الله عن ذلك ، فقال : الاستواء منه غير مجهول ، والكيف منه غير معقول ، والإيمان به واجب ، والسؤال عنه بدعة ، وإني أخاف أن تكون ضالا ] .

وقوله تعالى : وما تحت الثرى : قال محمد بن كعب : يعني : الأرض السابعة .

ابن عباس : الأرض على نون ، ونون على البحر ، والبحر على صخرة خضراء ، وهي التي قال الله فيها : فتكن في صخرة أو في السماوات أو في الأرض [لقمان : 16 ] ، والصخرة على قرن ثور ، والثور على الثرى ، ولا يعلم ما تحت الثرى [ ص: 295 ] إلا الله تعالى .

وهب بن منبه : على وجه الأرض سبعة أبحر ، والأرضون سبع ، وبين كل أرضين بحر ، فالبحر الأسفل مطبق على شفير جهنم ، ولولا عظمه ، وكثرة مائه ، وبرده ؛ لأحرقت جهنم كل ما عليها ، قال : وجهنم على متن الريح ، ومتن الريح على حجاب من ظلمة ، لا يعلم غلظه إلا الله عز وجل ، وذلك الحجاب على الثرى ، وإلى الثرى انتهى علم الخلائق .

وقوله : وإن تجهر بالقول فإنه يعلم السر وأخفى : قال ابن عباس : {السر} : ما حدث به الإنسان غيره في خفاء ، و {أخفى} منه : ما أضمر في نفسه مما لم يحدث به غيره .

قتادة ، وغيره : {السر} : ما أضمره الإنسان في نفسه ، و {أخفى} منه : ما لم يكن ، ولا أضمره أحد .

ابن زيد : {السر} : سر الخلائق ، و {أخفى} منه : سره عز وجل ، وأنكر ذلك الطبري .

وقيل : إن الذي هو أخفى : ما ليس في سر الإنسان ، وسيكون في نفسه .

[ ص: 296 ] وقوله : فإنه يعلم السر وأخفى : محمول على معنى ما تقدم ؛ كأنه قال : ما حاجتك إلى الجهر بالقول والله يعلم السر وأخفى منه ؟ ! وقوله : الله لا إله إلا هو له الأسماء الحسنى : قال النبي صلى الله عليه وسلم : "لله تسعة وتسعون اسما ، من أحصاها دخل الجنة " ، وقد ذكرتها في "الكبير " .

وقوله : وهل أتاك حديث موسى إذ رأى نارا فقال لأهله امكثوا الآية :

هذا حين قضى الأجل ، وسار بأهله ، فرأى النار ، فيما روي ، وهي في شجرة من العليق ، فقصدها ، فتأخرت عنه ، فرجع ، وأوجس في نفسه خيفة ، ثم دنت منه ، وكلمه الله عز وجل من الشجرة .

وقوله : إني آنست نارا أي : وجدتها ، وعلمت مكانها .

لعلي آتيكم منها بقبس : (القبس ) : ما أخذ في طرف قصبة أو فتيلة .

أو أجد على النار هدى يعني : من يدله على الطريق ، وكان قد ضل عنها ، عن ابن عباس .

وقوله : إنك بالواد المقدس طوى : قال ابن عباس ، ومجاهد ، وغيرهما : {طوى} : اسم الوادي ، وعنه أيضا : قيل له : {طوى} ؛ لأن موسى طواه بالليل ؛ إذ مر به ، فارتفع إلى أعلى الوادي ، فهو مصدر عمل فيه ما ليس من لفظه ؛ كأنه قال : إنك بالوادي الذي طويته طوى ؛ أي : تجاوزته ، فطويته بسيرك .

الحسن : معناه : أنه قدس مرتين ، فهو مصدر من (طويته طوى ) أيضا .

[ ص: 297 ] وقوله : إن الساعة آتية أكاد أخفيها : قال ابن عباس : المعنى : أكاد أخفيها في نفسي .

وقال مجاهد ، وابن جبير : أكاد أخفيها من نفسي ، وهذا محمول على أنه جاء على ما جرت به عادة العرب في كلامها من أن أحدهم إذا بالغ في كتمان الشيء قال : (كدت أخفيه من نفسي ) ، والله تعالى لا يخفى عليه شيء .

وقيل : معنى قول من قال : (أكاد أخفيها من نفسي ) ؛ أي : من قبلي ، ومن عندي .

ابن زيد : {أكاد} بمعنى : أريد ؛ فالمعنى : أريد سترها ؛ لتجزى كل نفس بما تسعى .

وقيل : إن تمام الكلام {أكاد} ؛ والمعنى : أكاد آتي بها ، ثم ابتدأ : {أخفيها} ؛ أي : ولكني أخفيها ؛ لتجزى كل نفس بما تسعى ، ودل {آتية} على (آتي ) .

قال أبو عبيدة : (أخفى ) و (خفى ) بمعنى : أظهر ، وهو من الأضداد .

أبو علي : هذا من باب السلب ، وليس من الأضداد ، ومعنى {أخفيها} : أزيل عنها خفاءها ؛ وهو سترها ؛ كخفاء القربة ، ونحوها ، وإذا زال عنها سترها ؛ ظهرت .

[ ص: 298 ] وحكى أبو حاتم عن الأخفش : أن {أكاد} زائدة ، قال : ومثله : إذا أخرج يده لم يكد يراها [النور : 40 ] ، وروي معناه أيضا عن ابن جبير .

وقوله : {فتردى} ؛ معناه : فتهلك .

وقوله : وما تلك بيمينك يا موسى : هذا سؤال يراد به التنبيه على المعجزة .

الفراء : {تلك} بمعنى : (هذه ) .

الزجاج : هي موصولة ؛ والمعنى : وما التي بيدك يا موسى ؟ .

ويروى : أن عصا موسى هي التي هبط بها آدم من الجنة ، وأنها من ورق آس ، من أحد الخطوط المستطيلة في وسط الورقة ، وأن طولها اثنا عشر ذراعا بذراعموسى عليه السلام .

وقوله : وأهش بها على غنمي أي : أضرب بها الشجر ؛ لتسقط الورق ؛ والمعنى : أهش بها الورق على غنمي ، قال الضحاك ، وغيره .

وقوله : ولي فيها مآرب أخرى أي : حوائج ، عن مجاهد ، وغيره ، واحدتها : (مأربة ) ؛ بضم الراء وفتحها .

وقوله : قال ألقها يا موسى : أمره عز وجل أن يلقيها ؛ ليريه آيتها ، فيأنس بها .

وقوله : سنعيدها سيرتها الأولى أي هيئتها .

[ ص: 299 ] وقوله : واضمم يدك إلى جناحك تخرج بيضاء من غير سوء : قال مجاهد : (جناحه ) : عضده ، وقيل : (الجناح ) ههنا : الجيب ، وقيل : معناه : إلى عندك .

ومعنى من غير سوء : من غير برص ، عن ابن عباس ، ومجاهد ، وغيرهما ، وروي : أنها خرجت نورية مخالفة للونه .

وقوله : قال رب اشرح لي صدري أي : اشرحه لطاعتك .

ويسر لي أمري أي : سهله .

واحلل عقدة من لساني يعني : العجمة التي كانت فيه من جمرة النار التي ألقاها في فيه وهو طفل ، إذ أخذ بلحية فرعون ، فنتفها ، فهم بقتله ، فقالت له امرأته : إنه لا يعقل ، وقربت إليه نارا ، فألهمه الله عز وجل أن أخذ الجمرة منها ، فطرحها في فيه ؛ لتخلصه بذلك من فرعون .

ويقال : إن الحبسة التي كانت في لسانه أزيلت ؛ بدليل قوله تعالى : قال قد أوتيت سؤلك يا موسى [طه : 36 ] .

وقيل : لم تزل كلها ؛ بدلالة قوله حكاية عن فرعون : ولا يكاد يبين [الزخرف : 52 ] .

[ ص: 300 ] وقوله : واجعل لي وزيرا من أهلي} أي : صاحبا ألجأ إليه ، وهو مشتق من (الوزر ) ؛ وهو الجبل .

اشدد به أزري أي : ظهري ؛ أي : قوتي ، خص الظهر ؛ لأن القوة فيه .

وأشركه في أمري أي : في النبوة .

وقوله : قال قد أوتيت سؤلك أي : طلبتك .

وقوله : إذ أوحينا إلى أمك أي : ألهمناها ، ألهمت أن جعلته في تابوت ، وطرحته في النيل ، فرآه فرعون ، فأمر بأخذه .

وقيل : وجدته ابنة فرعون ، وكانت برصاء ، فلما فتحت التابوت ؛ شفيت .

وقيل : وجده جوار لامرأة فرعون .

وقوله : وألقيت عليك محبة مني : قيل : إنه حببه إلى فرعون ، وقيل : إلى امرأة فرعون ، وقيل : إلى كل من رآه .

عكرمة : المعنى : جعلت فيك حسنا وملاحة ، فلا يراك أحد إلا أحبك .

قتادة : المعنى : جعلت في عينيك ملاحة ، فلا يراك أحد إلا أحبك .

وقوله : ولتصنع على عيني : قال قتادة : أي : ولتغذى على محبتي وإرادتي ؛ [ ص: 301 ] والمعنى : ولتصنع على عيني فعلت ذلك بك .

وقيل : اللام متعلقة بما بعدها من قوله : إذ تمشي أختك ؛ على التقديم والتأخير ؛ فـ {إذ} : ظرف للصنع .

وقيل : إن الواو في {ولتصنع} زائدة .

وقوله : وفتناك فتونا أي : اختبرناك اختبارا ، عن ابن عباس ، وغيره ، قال : و (الفتون ) : إلقاؤه في البحر ، وهم فرعون بقتله ، وقتله النفس ، وخروجه خائفا يترقب .

وقوله : ثم جئت على قدر يا موسى أي : قدر النبوة والرسالة ، عن قتادة ؛ أي : على قدر من الرسالة والتكليم .

مجاهد : على قدر : على وعد ، وحقيقة المعنى : جئت في الوقت الذي أردنا إرسالك فيه .

ويروى : أنه لبث في أهل مدين أتم الأجلين ؛ وهو عشر سنين .

التالي السابق


الخدمات العلمية