التحصيل لفوائد كتاب التفصيل الجامع لعلوم التنزيل

المهدوي - أبو العباس أحمد بن عمار المهدوي

صفحة جزء
التفسير :

اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون يعني : في الدنيا ، رواه الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم .

ابن عباس : المراد بـ (الناس ) ههنا : الكفار ؛ بدليل قوله : إلا استمعوه وهم يلعبون ، إلى قوله : أفتأتون السحر وأنتم تبصرون .

ومعنى ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث : محدث النزول .

[ ص: 366 ] وقيل : (الذكر ) : ما يذكرهم به النبي صلى الله عليه وسلم ، وقال : من ربهم ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لا ينطق إلا بالوحي .

وقيل : (الذكر ) : الرسول ؛ كما قال : قد أنـزل الله إليكم ذكرا} رسولا} [الطلاق : 10 ] في قول من جعل (الذكر ) : الرسول .

والواو في وهم معرضون ، وهم يلعبون : واو الحال .

وقوله : وأسروا النجوى الذين ظلموا : يجوز أن يكون الذين ظلموا بدلا من الضمير المرفوع في {وأسروا} ، وهو عائد على (الناس ) المتقدم ذكرهم ، وأجاز الفراء كون {الذين} نعتا لـ (الناس ) ، فيكون جرا ، فلا يوقف على هذين الوجهين على {النجوى} .

ويجوز أن يكون {الذين} خبر مبتدأ محذوف ، أو يكون في موضع نصب بإضمار (أعني ) ، أو يضمر قبله القول ، فيجوز الوقف على {النجوى} على هذه الوجوه .

وقوله : هل هذا إلا بشر مثلكم ، إلى : {تبصرون} : تفسير لـ {النجوى} ؛ أي : قالوا هذا القول سرا .

أبو عبيدة : {وأسروا} ههنا من الأضداد .

[ ص: 367 ] وقوله : بل افتراه : دخلت {بل} وليس في الكلام جحد ؛ لأنه خبر عن أهل الجحود ، فأخبر تعالى بتناقض قولهم .

وقوله : فليأتنا بآية يعني : مما اقترحوه .

وقوله : ما آمنت قبلهم من قرية أهلكناها أي : ما قدرنا على أمة الإهلاك فآمنت ؛ لتقدم القضاء عليهم بالهلاك .

وقوله : أفهم يؤمنون أي : فكيف يؤمن هؤلاء وقد سبق القضاء بأنهم لا يؤمنون ؟ وقوله : وما جعلناهم جسدا لا يأكلون الطعام : [وحد {جسدا} ؛ لأنه في معنى المصدر ؛ والمعنى : وما جعلناهم خلقا لا يأكلون الطعام ] ؛ والتقدير : ذوي جسد .

قتادة : المعنى : وما جعلناهم جسدا إلا ليأكلوا الطعام .

والضمير في {جعلناهم} للأنبياء الذين كانوا قبل النبي عليه الصلاة والسلام .

وقوله : لقد أنـزلنا إليكم كتابا فيه ذكركم أي : حديثكم ، عن مجاهد ؛ يعني : يذكرهم ما يوعدون من ثواب أو عقاب ، وقيل : المعنى : شرفكم ، وقيل : المعنى : فيه ذكرنا لكم أمر دينكم .

وقوله : وكم قصمنا من قرية أي : أهلكنا ، وأصل (القصم ) : الكسر .

[ ص: 368 ] وقوله : إذا هم منها يركضون : (الركض ) : العدو بشدة الوطء .

وقوله : لا تركضوا وارجعوا إلى ما أترفتم فيه أي : نعمتم فيه .

وقوله : لعلكم تسألون أي : لعلكم تسألون شيئا من دنياكم ؛ استهزاء بهم ، وقيل : المعنى : لعلكم تسألون عما نزل بكم من العقوبة ، فتخبرون به .

وقوله : قالوا يا ويلنا إنا كنا ظالمين : تقدم ذكر (الويل ) ومعناه .

وقوله : فما زالت تلك دعواهم يعني : كلمة الويل ، حتى جعلناهم حصيدا خامدين أي : حصدناهم بالعذاب كما يحصد الزرع ، قاله الحسن ، وقال مجاهد : بالسيف .

ابن وهب عن رجاله : أنه كان باليمن قريتان ، بطر أهلهما ، وأترفوا ، حتى كانوا ما يغلقون أبوابهم ؛ فبعث الله إليهم نبيا من الأنبياء ، فقتلوه ، فغزاهم بختنصر ، فهزمهم ، فخرجوا يركضون ، فسمعوا مناديا ينادي : لا تركضوا وارجعوا إلى ما أترفتم فيه ، فرجعوا ، فسمعوا صوتا يقول : يا لثارات النبي ؛ فقتلوا كلهم ، فهم الذين ذكر الله تعالى في هذه الآية .

وفي نظم هذه الآية تقديم وتأخير ؛ فقوله : فلما أحسوا بأسنا متصل [ ص: 369 ] بقوله : وكم قصمنا ؛ ومعنى وكم قصمنا : وكم أردنا ، حسب ما تقدم في قوله : وكم من قرية أهلكناها فجاءها بأسنا [الأعراف : 4 ] ، ثم جاءت الفاء بعد على ذلك ، وقوله : وأنشأنا بعدها قوما آخرين : مقدم يراد به التأخير ، وموضعه بعد قوله : جعلناهم حصيدا خامدين ، يدل عليه قوله : يا ويلنا إنا كنا ظالمين ، فأخبروا عن أنفسهم بما أخبر الله به عنهم من الظلم ، والقول منهم إنما كان بعد إرادة الإهلاك ، وقبل الإهلاك ، والقوم الذين أنشئوا بعد المهلكين لم يخبر عنهم بإهلاك ولا غيره .

وقوله : لو أردنا أن نتخذ لهوا لاتخذناه من لدنا : (اللهو ) في قول مجاهد وغيره : المرأة ، وقاله قتادة ، وقال : هو لغة أهل اليمن .

ابن عباس : (اللهو ) ههنا : الولد ؛ والتقدير في القولين : ذا لهو .

ومعنى لاتخذناه من لدنا : من عندنا ، ولم نخلق جنة ، ولا نارا ، ولا [ ص: 370 ] موتا ، ولا بعثا ، ولا حسابا ، قاله مجاهد .

وقيل : المعنى : لو كان ذلك جائزا في صفة الله عز وجل ؛ لم يتخذه ؛ بحيث يظهر لكم أو لغيركم من خلقه .

إن كنا فاعلين : قال الحسن وقتادة : المعنى : ما كنا فاعلين ، وقيل : المعنى : إن كنا فاعلين ذلك ، ولسنا بفاعليه .

وقوله : بل نقذف بالحق على الباطل أي : بالقرآن على الشيطان ، عن مجاهد .

{فيدمغه} أي : يهلكه .

فإذا هو زاهق أي : هالك تالف ، عن قتادة .

وقوله : ولكم الويل مما تصفون أي : مما تكذبون ، عن قتادة ، وقيل : من وصفهم الله عز وجل بغير صفاته من الولد وغيره .

وله من في السماوات والأرض ومن عنده يعني : من عنده من الملائكة الذين ادعوا أنهم بنات الله تعالى ؛ فالمعنى : كيف يتخذ صاحبة وولدا من له جميع ذلك ؟ ومعنى {عنده} : الإخبار عن قرب المنزلة .

وقوله : ولا يستحسرون أي : لا يعيون ، عن قتادة ، ابن زيد : لا يملون .

يسبحون الليل والنهار لا يفترون : قال كعب الأحبار : التسبيح لهم بمنزلة النفس لبني آدم .

[ ص: 371 ] وقوله : أم اتخذوا آلهة من الأرض هم ينشرون أي : يحيون ، عن مجاهد وغيره ؛ والمعنى : هل اتخذ هؤلاء المشركون آلهة من الأرض يحيون الموتى ؟ وكذلك : أم اتخذوا من دونه آلهة ، أي : صفتهم كما تقدم ؛ فليأتوا بالبرهان على ذلك .

ولا يكون معنى {أم} ههنا : (بل ) ؛ لأن ذلك يوجب لهم إنشار الموتى ، إلا أن تقدر (بل ) مع الاستفهام ؛ فيصح المعنى .

وقوله : لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا يعني : لما يقع بين الشركاء من الاختلاف والتنازع .

وقوله : لا يسأل عما يفعل وهم يسألون يعني : يوم القيامة .

وقوله : هذا ذكر من معي وذكر من قبلي أي : هذا الذي أتلوه عليكم أن الله لم يتخذ ولدا قول من معي في عصري ، و من قبلي من أهل الكتاب .

قال قتادة : الإشارة إلى القرآن فيه الحلال والحرام ، وذكر من قبلي يعني : من الأمم السالفة ، وما صنع الله بهم .

وقيل : ذكر من معي : بما لهم من الثواب على الإيمان ، والعقاب على الكفر ، و وذكر من قبلي : من الأمم السالفة ؛ فيما يفعل بهم [في الدنيا ، وما يفعل بهم ] في الآخرة .

وقوله : لا يسبقونه بالقول أي : لا يقولون حتى يقول .

[ ص: 372 ] وقوله : ولا يشفعون إلا لمن ارتضى أي : لمن رضي عمله ، عن مجاهد ، ابن عباس : الذين ارتضى لهم شهادة أن لا إله إلا الله .

وهم من خشيته مشفقون أي : خائفون .

وقوله : ومن يقل منهم إني إله من دونه} الآية : يعني : إبليس ؛ لأنه كان من الملائكة ، قاله الضحاك ، وغيره .

وقوله : كانتا رتقا أي : ملتزقتين ، ففصل بينهما ، عن الحسن .

ابن عباس ، وابن زيد ، وغيرهما : فتق السماء بالمطر ، والأرض بالنبات ، واختاره الطبري ؛ لأن بعده : وجعلنا من الماء كل شيء حي .

ووحد {رتقا} ؛ لأنه مصدر .

وقوله : وجعلنا فيها فجاجا سبلا يعني : في الرواسي ، عن ابن عباس .

وقيل : في الأرض ، وهو اختيار الطبري ؛ لقوله : لعلهم يهتدون أي : يهتدون إلى السير في الأرض .

و (الفجاج ) في اللغة : الطرق الواسعة بين الجبال .

التالي السابق


الخدمات العلمية