الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      معلومات الكتاب

                                                                                                                                                                                                                                      التحصيل لفوائد كتاب التفصيل الجامع لعلوم التنزيل

                                                                                                                                                                                                                                      المهدوي - أبو العباس أحمد بن عمار المهدوي

                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      التفسير :

                                                                                                                                                                                                                                      اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون يعني : في الدنيا ، رواه الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم .

                                                                                                                                                                                                                                      ابن عباس : المراد بـ (الناس ) ههنا : الكفار ؛ بدليل قوله : إلا استمعوه وهم يلعبون ، إلى قوله : أفتأتون السحر وأنتم تبصرون .

                                                                                                                                                                                                                                      ومعنى ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث : محدث النزول .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 366 ] وقيل : (الذكر ) : ما يذكرهم به النبي صلى الله عليه وسلم ، وقال : من ربهم ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لا ينطق إلا بالوحي .

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل : (الذكر ) : الرسول ؛ كما قال : قد أنـزل الله إليكم ذكرا} رسولا} [الطلاق : 10 ] في قول من جعل (الذكر ) : الرسول .

                                                                                                                                                                                                                                      والواو في وهم معرضون ، وهم يلعبون : واو الحال .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : وأسروا النجوى الذين ظلموا : يجوز أن يكون الذين ظلموا بدلا من الضمير المرفوع في {وأسروا} ، وهو عائد على (الناس ) المتقدم ذكرهم ، وأجاز الفراء كون {الذين} نعتا لـ (الناس ) ، فيكون جرا ، فلا يوقف على هذين الوجهين على {النجوى} .

                                                                                                                                                                                                                                      ويجوز أن يكون {الذين} خبر مبتدأ محذوف ، أو يكون في موضع نصب بإضمار (أعني ) ، أو يضمر قبله القول ، فيجوز الوقف على {النجوى} على هذه الوجوه .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : هل هذا إلا بشر مثلكم ، إلى : {تبصرون} : تفسير لـ {النجوى} ؛ أي : قالوا هذا القول سرا .

                                                                                                                                                                                                                                      أبو عبيدة : {وأسروا} ههنا من الأضداد .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 367 ] وقوله : بل افتراه : دخلت {بل} وليس في الكلام جحد ؛ لأنه خبر عن أهل الجحود ، فأخبر تعالى بتناقض قولهم .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : فليأتنا بآية يعني : مما اقترحوه .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : ما آمنت قبلهم من قرية أهلكناها أي : ما قدرنا على أمة الإهلاك فآمنت ؛ لتقدم القضاء عليهم بالهلاك .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : أفهم يؤمنون أي : فكيف يؤمن هؤلاء وقد سبق القضاء بأنهم لا يؤمنون ؟ وقوله : وما جعلناهم جسدا لا يأكلون الطعام : [وحد {جسدا} ؛ لأنه في معنى المصدر ؛ والمعنى : وما جعلناهم خلقا لا يأكلون الطعام ] ؛ والتقدير : ذوي جسد .

                                                                                                                                                                                                                                      قتادة : المعنى : وما جعلناهم جسدا إلا ليأكلوا الطعام .

                                                                                                                                                                                                                                      والضمير في {جعلناهم} للأنبياء الذين كانوا قبل النبي عليه الصلاة والسلام .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : لقد أنـزلنا إليكم كتابا فيه ذكركم أي : حديثكم ، عن مجاهد ؛ يعني : يذكرهم ما يوعدون من ثواب أو عقاب ، وقيل : المعنى : شرفكم ، وقيل : المعنى : فيه ذكرنا لكم أمر دينكم .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : وكم قصمنا من قرية أي : أهلكنا ، وأصل (القصم ) : الكسر .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 368 ] وقوله : إذا هم منها يركضون : (الركض ) : العدو بشدة الوطء .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : لا تركضوا وارجعوا إلى ما أترفتم فيه أي : نعمتم فيه .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : لعلكم تسألون أي : لعلكم تسألون شيئا من دنياكم ؛ استهزاء بهم ، وقيل : المعنى : لعلكم تسألون عما نزل بكم من العقوبة ، فتخبرون به .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : قالوا يا ويلنا إنا كنا ظالمين : تقدم ذكر (الويل ) ومعناه .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : فما زالت تلك دعواهم يعني : كلمة الويل ، حتى جعلناهم حصيدا خامدين أي : حصدناهم بالعذاب كما يحصد الزرع ، قاله الحسن ، وقال مجاهد : بالسيف .

                                                                                                                                                                                                                                      ابن وهب عن رجاله : أنه كان باليمن قريتان ، بطر أهلهما ، وأترفوا ، حتى كانوا ما يغلقون أبوابهم ؛ فبعث الله إليهم نبيا من الأنبياء ، فقتلوه ، فغزاهم بختنصر ، فهزمهم ، فخرجوا يركضون ، فسمعوا مناديا ينادي : لا تركضوا وارجعوا إلى ما أترفتم فيه ، فرجعوا ، فسمعوا صوتا يقول : يا لثارات النبي ؛ فقتلوا كلهم ، فهم الذين ذكر الله تعالى في هذه الآية .

                                                                                                                                                                                                                                      وفي نظم هذه الآية تقديم وتأخير ؛ فقوله : فلما أحسوا بأسنا متصل [ ص: 369 ] بقوله : وكم قصمنا ؛ ومعنى وكم قصمنا : وكم أردنا ، حسب ما تقدم في قوله : وكم من قرية أهلكناها فجاءها بأسنا [الأعراف : 4 ] ، ثم جاءت الفاء بعد على ذلك ، وقوله : وأنشأنا بعدها قوما آخرين : مقدم يراد به التأخير ، وموضعه بعد قوله : جعلناهم حصيدا خامدين ، يدل عليه قوله : يا ويلنا إنا كنا ظالمين ، فأخبروا عن أنفسهم بما أخبر الله به عنهم من الظلم ، والقول منهم إنما كان بعد إرادة الإهلاك ، وقبل الإهلاك ، والقوم الذين أنشئوا بعد المهلكين لم يخبر عنهم بإهلاك ولا غيره .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : لو أردنا أن نتخذ لهوا لاتخذناه من لدنا : (اللهو ) في قول مجاهد وغيره : المرأة ، وقاله قتادة ، وقال : هو لغة أهل اليمن .

                                                                                                                                                                                                                                      ابن عباس : (اللهو ) ههنا : الولد ؛ والتقدير في القولين : ذا لهو .

                                                                                                                                                                                                                                      ومعنى لاتخذناه من لدنا : من عندنا ، ولم نخلق جنة ، ولا نارا ، ولا [ ص: 370 ] موتا ، ولا بعثا ، ولا حسابا ، قاله مجاهد .

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل : المعنى : لو كان ذلك جائزا في صفة الله عز وجل ؛ لم يتخذه ؛ بحيث يظهر لكم أو لغيركم من خلقه .

                                                                                                                                                                                                                                      إن كنا فاعلين : قال الحسن وقتادة : المعنى : ما كنا فاعلين ، وقيل : المعنى : إن كنا فاعلين ذلك ، ولسنا بفاعليه .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : بل نقذف بالحق على الباطل أي : بالقرآن على الشيطان ، عن مجاهد .

                                                                                                                                                                                                                                      {فيدمغه} أي : يهلكه .

                                                                                                                                                                                                                                      فإذا هو زاهق أي : هالك تالف ، عن قتادة .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : ولكم الويل مما تصفون أي : مما تكذبون ، عن قتادة ، وقيل : من وصفهم الله عز وجل بغير صفاته من الولد وغيره .

                                                                                                                                                                                                                                      وله من في السماوات والأرض ومن عنده يعني : من عنده من الملائكة الذين ادعوا أنهم بنات الله تعالى ؛ فالمعنى : كيف يتخذ صاحبة وولدا من له جميع ذلك ؟ ومعنى {عنده} : الإخبار عن قرب المنزلة .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : ولا يستحسرون أي : لا يعيون ، عن قتادة ، ابن زيد : لا يملون .

                                                                                                                                                                                                                                      يسبحون الليل والنهار لا يفترون : قال كعب الأحبار : التسبيح لهم بمنزلة النفس لبني آدم .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 371 ] وقوله : أم اتخذوا آلهة من الأرض هم ينشرون أي : يحيون ، عن مجاهد وغيره ؛ والمعنى : هل اتخذ هؤلاء المشركون آلهة من الأرض يحيون الموتى ؟ وكذلك : أم اتخذوا من دونه آلهة ، أي : صفتهم كما تقدم ؛ فليأتوا بالبرهان على ذلك .

                                                                                                                                                                                                                                      ولا يكون معنى {أم} ههنا : (بل ) ؛ لأن ذلك يوجب لهم إنشار الموتى ، إلا أن تقدر (بل ) مع الاستفهام ؛ فيصح المعنى .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا يعني : لما يقع بين الشركاء من الاختلاف والتنازع .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : لا يسأل عما يفعل وهم يسألون يعني : يوم القيامة .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : هذا ذكر من معي وذكر من قبلي أي : هذا الذي أتلوه عليكم أن الله لم يتخذ ولدا قول من معي في عصري ، و من قبلي من أهل الكتاب .

                                                                                                                                                                                                                                      قال قتادة : الإشارة إلى القرآن فيه الحلال والحرام ، وذكر من قبلي يعني : من الأمم السالفة ، وما صنع الله بهم .

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل : ذكر من معي : بما لهم من الثواب على الإيمان ، والعقاب على الكفر ، و وذكر من قبلي : من الأمم السالفة ؛ فيما يفعل بهم [في الدنيا ، وما يفعل بهم ] في الآخرة .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : لا يسبقونه بالقول أي : لا يقولون حتى يقول .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 372 ] وقوله : ولا يشفعون إلا لمن ارتضى أي : لمن رضي عمله ، عن مجاهد ، ابن عباس : الذين ارتضى لهم شهادة أن لا إله إلا الله .

                                                                                                                                                                                                                                      وهم من خشيته مشفقون أي : خائفون .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : ومن يقل منهم إني إله من دونه} الآية : يعني : إبليس ؛ لأنه كان من الملائكة ، قاله الضحاك ، وغيره .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : كانتا رتقا أي : ملتزقتين ، ففصل بينهما ، عن الحسن .

                                                                                                                                                                                                                                      ابن عباس ، وابن زيد ، وغيرهما : فتق السماء بالمطر ، والأرض بالنبات ، واختاره الطبري ؛ لأن بعده : وجعلنا من الماء كل شيء حي .

                                                                                                                                                                                                                                      ووحد {رتقا} ؛ لأنه مصدر .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : وجعلنا فيها فجاجا سبلا يعني : في الرواسي ، عن ابن عباس .

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل : في الأرض ، وهو اختيار الطبري ؛ لقوله : لعلهم يهتدون أي : يهتدون إلى السير في الأرض .

                                                                                                                                                                                                                                      و (الفجاج ) في اللغة : الطرق الواسعة بين الجبال .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية