التحصيل لفوائد كتاب التفصيل الجامع لعلوم التنزيل

المهدوي - أبو العباس أحمد بن عمار المهدوي

صفحة جزء
التفسير:

قوله تعالى: الله نور السماوات والأرض أي: هاديهن، عن ابن عباس، وعنه أيضا: مدبرهما، ومدبر ما فيهما; وتقديره: الله ذو نور السماوات والأرض.

وقوله: مثل نوره كمشكاة فيها مصباح : قال أبي بن كعب: بدأ الله ـ عز وجل ـ بنوره، ثم ذكر نور المؤمنين.

وقيل: المعنى: مثل ما أنار الله من الحق بهذا التنزيل كمشكاة، فالهاء لله عز وجل; بالتقدير: الله هادي السماوات والأرض، مثل هداه في قلوب المؤمنين كمشكاة، روي ذلك عن ابن عباس، وكذلك قال زيد بن أسلم والحسن: إن الهاء لله عز وجل، ونوره القرآن.

كعب الأحبار، وابن جبير: (النور) ههنا: محمد صلى الله عليه وسلم، فالهاء في {نوره} له صلى الله عليه وسلم، وهذا على أن قوله: مثل نوره مستأنف; كأنه قال: مثل نور محمد - إذ كان [ ص: 544 ] مستودعا في الأصلاب - كمشكاة، و (الشجرة) على هذا: إبراهيم عليه السلام، [ و {المصباح} ، و {الزجاجة} : تمثيل لقلب النبي عليه الصلاة والسلام].

الضحاك: الهاء في {نوره} للمؤمن; والمعنى: مثل نور المؤمن كمشكاة.

و (المشكاة) : الكوة، عن ابن عباس، وابن جريج، وقاله الضحاك ، وقال: هي التي ليست بنافذة.

وقيل: (المشكاة) : الحدائد التي تعلق بها القناديل.

وقيل: هو القائم في وسط القنديل، الذي تدخل فيه الفتيلة.

قال أبي بن كعب: (المشكاة) : مثل لصدر المؤمن، و {الزجاجة} : قلبه، و {المصباح} : الإيمان والقرآن.

وقوله: الزجاجة كأنها كوكب دري : نسب إلى الدر في صفاته، و {دري} :(فعيل) من (درأ) ; أي: دفع; لأن الكواكب تدفع الشياطين.

وقال الضحاك: (الكوكب) ههنا: الزهرة.

وقوله: يوقد من شجرة مباركة يعني: بزيتها.

لا شرقية ولا غربية : قال ابن عباس: أي: ليست شرقية بغير غرب، ولا غربية بغير شرق، وذلك أصفى لزيتها، وقاله قتادة.

وقيل: إن معنى هذا القول: أنها ليست بارزة للشمس لا يصيبها الظل; [ ص: 545 ] فتكون [شرقية، ولا بارزة للظل لا تصيبها الشمس; فتكون] [غربية أبومالك: المعنى: لا تصيبها الشمس وقت الشروق، ولا وقت الغروب]، لكنها في فجوة بين شجر.

وقوله: يكاد زيتها يضيء يعني: أن حجج الله لمن فكر فيها تكاد تضيء; لبيانها ووضوحها.

و ولو لم تمسسه نار يعني: أن هذا الزيت من شدة صفائه يكاد يضئ بغير نار.

نور على نور : قال أبي بن كعب: يعني: المؤمن كلامه نور، وعمله نور، ومصيره يوم القيامة إلى النور.

السدي: يعني: نور النار، ونور الزيت، [لا يغني واحد منهما بغير صاحبه]; فكذلك نور الإيمان، ونور القرآن.

الضحاك: يعني: نور الإيمان، ونور العمل.

الطبري: يعني: أن هذا القرآن نور، أنزله الله ـ عز وجل ـ على عباده يستضيئون به، وقوله: على نور يعني: الحجج التي نصبها لهم دلالة على وحدانيته قبل نزول القرآن.

[ ص: 546 ] ابن زيد: (النور) : القرآن; يعني: أنه يضيء بعضه بعضا.

ومن جعل الهاء في {نوره} لله عز وجل; لم يقف على {الأرض} ، ومن جعلها للمؤمن; وقف على {الأرض} .

وقوله: في بيوت أذن الله أن ترفع : قال ابن زيد: هو متعلق بقوله: فيها مصباح .

وقال الطبري: هو متعلق بقوله: يوقد من شجرة .

وقال أحمد بن يحيى: هو حال مما قبله.

فلا يوقف على هذه الأقوال على {عليم} ، ويوقف عليه إذا قدر في بيوت أذن الله أن ترفع متعلقا بـ {يسبح} .

و (البيوت) : المساجد، عن ابن عباس، وغيره، قال ابن عباس: نهي عن اللغو فيها.

الحسن: يعني: بيت المقدس، مجاهد: هي بيوت النبي صلي الله عليه وسلم، عكرمة: هي البيوت كلها.

وقيل: المعنى: صلوا في بيوت أذن الله أن ترفع.

ومعنى {ترفع} في قول مجاهد: تبنى، الحسن: معناه: تصان، وتعظم.

وقوله: لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله : قال عطاء: يعني: حضور الصلاة، وقاله ابن عباس، وقال: المكتوبة.

[ ص: 547 ] أبو هريرة عن النبي ـ صلي الله عليه وسلم ـ قال: "هم الذين يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله".

ابن عمر: نزلت في أهل الأسواق.

و {الزكاة} عند ابن عباس ههنا: الطاعة، والإخلاص، وقال غيره: الزكاة المفروضة.

وقوله: يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والأبصار : قيل: معناه: تتقلب فيه قلوب الشاكين عما كانت عليه من الشك، وكذلك أبصارهم; لرؤيتهم اليقين.

وقيل: تتقلب القلوب بين الطمع في النجاة والخوف من الهلاك، والأبصار تنظر من أي ناحية يعطون كتبهم؟ وإلى أي ناحية يؤخذ بهم؟ وقيل: هو كقوله: يوم تقلب وجوههم في النار [الأحزاب:66]، ونقلب أفئدتهم وأبصارهم [الأنعام:110]، في قول من جعل المعنى: نقلبها على لهب النار.

وقوله: والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة : (السراب) : ما لصق بالأرض، ويكون نصف النهار، و (الآل) : الذي يرفع كل شيء، يرى أول النهار وآخره.

[ ص: 548 ] و (القيعة) : جمع (قاع) ; كـ (جار وجيرة) ، عن الفراء.

أبو عبيدة: (القيعة) و (القاع) : سواء; وهو ما انبسط من الأرض، ولم يكن فيه نبت.

و {الظمآن} : العطشان.

وقوله: حتى إذا جاءه لم يجده شيئا : [يعني: إذا جاء موضع السراب; لم يجد فيه شيئا]، فالهاء في {جاءه} : لموضع السراب، والضمير المرفوع فيه لـ {الظمآن} ، وكذلك الضمير في {وجد} المراد به: الكافر; ومعنى ووجد الله عنده : وجد وعده بالجزاء على عمله.

وقوله: أو كظلمات في بحر لجي : {أو} : للإباحة، حسب ما تقدم من القول في أو كصيب [البقرة:19].

قال أبي بن كعب: الكافر يتقلب في خمس ظلمات: كلامه، وعمله، ومخرجه، ومدخله، ومصيره إلى الظلمات يوم القيامة.

وقوله: إذا أخرج يده لم يكد يراها : قيل: المعنى: لم يقارب رؤيتها، وقيل: المعنى: لم يكد يراها إلا بعد وتعب.

أبوعبيدة: المعنى: لم يرها، ولم يكد.

[ ص: 549 ] وقوله: ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور : قال الزجاج: ذلك في الدنيا; والمعنى: من لم يهده الله لم يهتد.

غيره: هو في الآخرة; والمعنى: من لم يجعل الله له في الآخرة نورا; لم يهتد إلى الجنة.

وهذا المثل للكافر; فـ (الظلمات) : أعماله، و (البحر) : قلبه، و (اللجي) : العميق الكثير الماء، و (الموج) : الضلالة والحيرة، وكذلك (السحاب) ، روي معناه عن ابن عباس.

والوقف لمن رفع {ظلمات} على {سحاب} ، ولا يوقف [عليه لمن أضاف أو نون وجر {ظلمات} ، ولا يقف] على يغشاه موج ، ولا على من فوقه موج ; لأن ما بعدهما نعت لهما.

التالي السابق


الخدمات العلمية