الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      معلومات الكتاب

                                                                                                                                                                                                                                      التحصيل لفوائد كتاب التفصيل الجامع لعلوم التنزيل

                                                                                                                                                                                                                                      المهدوي - أبو العباس أحمد بن عمار المهدوي

                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      التفسير:

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: الله نور السماوات والأرض أي: هاديهن، عن ابن عباس، وعنه أيضا: مدبرهما، ومدبر ما فيهما; وتقديره: الله ذو نور السماوات والأرض.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: مثل نوره كمشكاة فيها مصباح : قال أبي بن كعب: بدأ الله ـ عز وجل ـ بنوره، ثم ذكر نور المؤمنين.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: المعنى: مثل ما أنار الله من الحق بهذا التنزيل كمشكاة، فالهاء لله عز وجل; بالتقدير: الله هادي السماوات والأرض، مثل هداه في قلوب المؤمنين كمشكاة، روي ذلك عن ابن عباس، وكذلك قال زيد بن أسلم والحسن: إن الهاء لله عز وجل، ونوره القرآن.

                                                                                                                                                                                                                                      كعب الأحبار، وابن جبير: (النور) ههنا: محمد صلى الله عليه وسلم، فالهاء في {نوره} له صلى الله عليه وسلم، وهذا على أن قوله: مثل نوره مستأنف; كأنه قال: مثل نور محمد - إذ كان [ ص: 544 ] مستودعا في الأصلاب - كمشكاة، و (الشجرة) على هذا: إبراهيم عليه السلام، [ و {المصباح} ، و {الزجاجة} : تمثيل لقلب النبي عليه الصلاة والسلام].

                                                                                                                                                                                                                                      الضحاك: الهاء في {نوره} للمؤمن; والمعنى: مثل نور المؤمن كمشكاة.

                                                                                                                                                                                                                                      و (المشكاة) : الكوة، عن ابن عباس، وابن جريج، وقاله الضحاك ، وقال: هي التي ليست بنافذة.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: (المشكاة) : الحدائد التي تعلق بها القناديل.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: هو القائم في وسط القنديل، الذي تدخل فيه الفتيلة.

                                                                                                                                                                                                                                      قال أبي بن كعب: (المشكاة) : مثل لصدر المؤمن، و {الزجاجة} : قلبه، و {المصباح} : الإيمان والقرآن.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: الزجاجة كأنها كوكب دري : نسب إلى الدر في صفاته، و {دري} :(فعيل) من (درأ) ; أي: دفع; لأن الكواكب تدفع الشياطين.

                                                                                                                                                                                                                                      وقال الضحاك: (الكوكب) ههنا: الزهرة.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: يوقد من شجرة مباركة يعني: بزيتها.

                                                                                                                                                                                                                                      لا شرقية ولا غربية : قال ابن عباس: أي: ليست شرقية بغير غرب، ولا غربية بغير شرق، وذلك أصفى لزيتها، وقاله قتادة.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: إن معنى هذا القول: أنها ليست بارزة للشمس لا يصيبها الظل; [ ص: 545 ] فتكون [شرقية، ولا بارزة للظل لا تصيبها الشمس; فتكون] [غربية أبومالك: المعنى: لا تصيبها الشمس وقت الشروق، ولا وقت الغروب]، لكنها في فجوة بين شجر.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: يكاد زيتها يضيء يعني: أن حجج الله لمن فكر فيها تكاد تضيء; لبيانها ووضوحها.

                                                                                                                                                                                                                                      و ولو لم تمسسه نار يعني: أن هذا الزيت من شدة صفائه يكاد يضئ بغير نار.

                                                                                                                                                                                                                                      نور على نور : قال أبي بن كعب: يعني: المؤمن كلامه نور، وعمله نور، ومصيره يوم القيامة إلى النور.

                                                                                                                                                                                                                                      السدي: يعني: نور النار، ونور الزيت، [لا يغني واحد منهما بغير صاحبه]; فكذلك نور الإيمان، ونور القرآن.

                                                                                                                                                                                                                                      الضحاك: يعني: نور الإيمان، ونور العمل.

                                                                                                                                                                                                                                      الطبري: يعني: أن هذا القرآن نور، أنزله الله ـ عز وجل ـ على عباده يستضيئون به، وقوله: على نور يعني: الحجج التي نصبها لهم دلالة على وحدانيته قبل نزول القرآن.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 546 ] ابن زيد: (النور) : القرآن; يعني: أنه يضيء بعضه بعضا.

                                                                                                                                                                                                                                      ومن جعل الهاء في {نوره} لله عز وجل; لم يقف على {الأرض} ، ومن جعلها للمؤمن; وقف على {الأرض} .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: في بيوت أذن الله أن ترفع : قال ابن زيد: هو متعلق بقوله: فيها مصباح .

                                                                                                                                                                                                                                      وقال الطبري: هو متعلق بقوله: يوقد من شجرة .

                                                                                                                                                                                                                                      وقال أحمد بن يحيى: هو حال مما قبله.

                                                                                                                                                                                                                                      فلا يوقف على هذه الأقوال على {عليم} ، ويوقف عليه إذا قدر في بيوت أذن الله أن ترفع متعلقا بـ {يسبح} .

                                                                                                                                                                                                                                      و (البيوت) : المساجد، عن ابن عباس، وغيره، قال ابن عباس: نهي عن اللغو فيها.

                                                                                                                                                                                                                                      الحسن: يعني: بيت المقدس، مجاهد: هي بيوت النبي صلي الله عليه وسلم، عكرمة: هي البيوت كلها.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: المعنى: صلوا في بيوت أذن الله أن ترفع.

                                                                                                                                                                                                                                      ومعنى {ترفع} في قول مجاهد: تبنى، الحسن: معناه: تصان، وتعظم.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله : قال عطاء: يعني: حضور الصلاة، وقاله ابن عباس، وقال: المكتوبة.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 547 ] أبو هريرة عن النبي ـ صلي الله عليه وسلم ـ قال: "هم الذين يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله".

                                                                                                                                                                                                                                      ابن عمر: نزلت في أهل الأسواق.

                                                                                                                                                                                                                                      و {الزكاة} عند ابن عباس ههنا: الطاعة، والإخلاص، وقال غيره: الزكاة المفروضة.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والأبصار : قيل: معناه: تتقلب فيه قلوب الشاكين عما كانت عليه من الشك، وكذلك أبصارهم; لرؤيتهم اليقين.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: تتقلب القلوب بين الطمع في النجاة والخوف من الهلاك، والأبصار تنظر من أي ناحية يعطون كتبهم؟ وإلى أي ناحية يؤخذ بهم؟ وقيل: هو كقوله: يوم تقلب وجوههم في النار [الأحزاب:66]، ونقلب أفئدتهم وأبصارهم [الأنعام:110]، في قول من جعل المعنى: نقلبها على لهب النار.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة : (السراب) : ما لصق بالأرض، ويكون نصف النهار، و (الآل) : الذي يرفع كل شيء، يرى أول النهار وآخره.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 548 ] و (القيعة) : جمع (قاع) ; كـ (جار وجيرة) ، عن الفراء.

                                                                                                                                                                                                                                      أبو عبيدة: (القيعة) و (القاع) : سواء; وهو ما انبسط من الأرض، ولم يكن فيه نبت.

                                                                                                                                                                                                                                      و {الظمآن} : العطشان.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: حتى إذا جاءه لم يجده شيئا : [يعني: إذا جاء موضع السراب; لم يجد فيه شيئا]، فالهاء في {جاءه} : لموضع السراب، والضمير المرفوع فيه لـ {الظمآن} ، وكذلك الضمير في {وجد} المراد به: الكافر; ومعنى ووجد الله عنده : وجد وعده بالجزاء على عمله.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: أو كظلمات في بحر لجي : {أو} : للإباحة، حسب ما تقدم من القول في أو كصيب [البقرة:19].

                                                                                                                                                                                                                                      قال أبي بن كعب: الكافر يتقلب في خمس ظلمات: كلامه، وعمله، ومخرجه، ومدخله، ومصيره إلى الظلمات يوم القيامة.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: إذا أخرج يده لم يكد يراها : قيل: المعنى: لم يقارب رؤيتها، وقيل: المعنى: لم يكد يراها إلا بعد وتعب.

                                                                                                                                                                                                                                      أبوعبيدة: المعنى: لم يرها، ولم يكد.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 549 ] وقوله: ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور : قال الزجاج: ذلك في الدنيا; والمعنى: من لم يهده الله لم يهتد.

                                                                                                                                                                                                                                      غيره: هو في الآخرة; والمعنى: من لم يجعل الله له في الآخرة نورا; لم يهتد إلى الجنة.

                                                                                                                                                                                                                                      وهذا المثل للكافر; فـ (الظلمات) : أعماله، و (البحر) : قلبه، و (اللجي) : العميق الكثير الماء، و (الموج) : الضلالة والحيرة، وكذلك (السحاب) ، روي معناه عن ابن عباس.

                                                                                                                                                                                                                                      والوقف لمن رفع {ظلمات} على {سحاب} ، ولا يوقف [عليه لمن أضاف أو نون وجر {ظلمات} ، ولا يقف] على يغشاه موج ، ولا على من فوقه موج ; لأن ما بعدهما نعت لهما.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية