التحصيل لفوائد كتاب التفصيل الجامع لعلوم التنزيل

المهدوي - أبو العباس أحمد بن عمار المهدوي

صفحة جزء
وقوله: قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق : سمى الله تعالى كل واحد من العم والجد أبا، وبدأ بذكر الجد، ثم إسماعيل العم؛ لأنه أكبر من إسحاق.

تلك أمة قد خلت أي: مضت.

ولا تسألون عما كانوا يعملون أي: لا يؤاخذ أحد بذنب أحد.

وقالوا كونوا هودا أو نصارى تهتدوا أي: دعت كل فرقة إلى ما هي عليه.

قل بل ملة إبراهيم حنيفا أي: مائلا إلى الإسلام، و (الملة): الحنيفية؛ لأنها [ ص: 348 ] مائلة عن اليهودية والنصرانية، وهذا من الحنف في الرجل.

وقيل: معنى (الحنيف): المستقيم، سمي بذلك على التفاؤل، كما قيل للديغ: سليم.

ومعنى (بل ملة إبراهيم) فيمن نصب: بل نتبع ملة إبراهيم، أو الزموا ملة إبراهيم.

وقوله: قولوا آمنا بالله وما أنـزل إلينا الآية.

قال ابن عباس : جاء نفر من اليهود إلى النبي عليه الصلاة والسلام، فسألوه عمن يؤمن به من الأنبياء، فنزلت الآية، فلما ذكر عيسى؛ قالوا: لا نؤمن بعيسى، ولا بمن آمن به.

وقوله: {والأسباط}: (الأسباط): ولد يعقوب، وهم اثنا عشر ولدا، ولد لكل واحد منهم أمة من الناس، وأسماؤهم فيما ذكر المفسرون: يوسف، وبنيامين، وثفتاي، وروبيل، ويهوذا، وشمعون، ولاوي، ودان، وقهاث، [ ص: 349 ] ويشجر، وجاد، وآشر.

وسوا (الأسباط) من (السبط) ؛ وهو التتابع، فهم جماعة متتابعون، وقيل: أصله من (السبط) ؛ وهو الشجر، والسبط: الجماعة الراجعون إلى أصل واحد.

لا نفرق بين أحد منهم أي: لا نؤمن ببعضهم ونكفر ببعضهم.

فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به : قال ابن عباس : المعنى: بما آمنتم به، فـ (مثل) على قوله زائدة، ومثله: ليس كمثله شيء [الشورى: 11]، المعنى: ليس كربنا تعالى شيء.

وقيل: الباء زائدة، والمعنى: فإن آمنوا مثل إيمانكم.

وقيل: هي بمعنى (على)، المعنى: فإن آمنوا مثل إيمانكم].

وقيل: المعنى: فإن أتوا بتصديق مثل تصديقكم.

وإن تولوا فإنما هم في شقاق : (الشقاق): التعادي، وأصله من الشق، [ ص: 350 ] فكل واحد من الفريقين في شق غير شق صاحبه.

وقيل: هو من (المشقة) ؛ لأن كل واحد منهما يحرص على ما يشق على صاحبه.

فسيكفيكهم الله : هذا من إعلام النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه أخبره بأنه كافيه إياهم، فكان كذلك.

صبغة الله أي: دين الله، عن الحسن، ومجاهد، وغيرهما.

وأصل ذلك: أن النصارى كانوا يصبغون أولادهم في الماء، وهو الذي يسمونه المعمودية، فأعلم الله أن صبغته أحسن صبغة؛ وهي الإسلام، وقيل: الختان، وذكر الصبغ ههنا اتساعا ومجازا.

ونحن له عابدون أي: صبغة الله الذي نحن له عابدون أولى بأن تتبع.

قل أتحاجوننا في الله : قال الحسن : كانت المحاجة أن قالوا: نحن أولى بالله منكم؛ لأننا أبناء الله وأحباؤه.

غيره: لتقدم الكتاب والنبوة فينا، ولأننا لم نعبد الأوثان.

[ ص: 351 ] ونحن له مخلصون أي مخلصون العبادة.

أم تقولون إن إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب الآية: ألزمهم الله تعالى الحجة حين قالوا: لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى [البقرة: 111]؛ بإخباره أن هؤلاء الأنبياء كانوا على الملة الحنيفية، ووبخهم على ادعائهم عليهم غير ذلك، فقال: قل أأنتم أعلم أم الله ، و (أم) ههنا متصلة على قراءة من قرأ بالتاء في (يقولون) كأن المعنى: أتحاجوننا في الله، أم تقولون: إن الأنبياء كانوا على دينكم؟ وهي على قراءة من قرأ بالياء منقطعة.

ومن أظلم ممن كتم شهادة عنده من الله يعني: علمهم بأن الأنبياء كانوا على الإسلام، وقيل: هو ما عندهم من صفة النبي عليه الصلاة والسلام.

التالي السابق


الخدمات العلمية