التحصيل لفوائد كتاب التفصيل الجامع لعلوم التنزيل

المهدوي - أبو العباس أحمد بن عمار المهدوي

صفحة جزء
التفسير :

قوله تعالى : إنا جعلناه قرآنا عربيا أي : سميناه ، وصيرناه ، وقد تقدم ذلك .

وإنه في أم الكتاب يعني : اللوح المحفوظ .

لعلي حكيم أي : رفيع محكم .

وقوله : أفنضرب عنكم الذكر صفحا يعني : القرآن ، عن الضحاك .

مجاهد : المعنى : أتكذبون بالقرآن ولا تعاقبون ؟ فـ {الذكر} على هذا يراد به : ذكر العذاب ، وكذلك قال أبو صالح : {الذكر} : العذاب .

قتادة : المعنى : أفنهلككم ولا نأمركم ، ولا ننهاكم ؟

وقيل : يعني : التذكير ؛ فكأنه قال : أفنترك تذكيركم ؛ لأن كنتم قوما مسرفين ؟ في قراءة من فتح {إن} ، ومن كسرها ؛ جعلها للشرط ، وما قبلها جوابا لها ؛ لأنها لم تعمل في اللفظ ، ويجوز أن يكون الجواب محذوفا دل عليه ما تقدم ؛ كما تقول : (أنت ظالم إن فعلت كذا ) ، ومعنى الكسر عند الزجاج الحال ؛ لأن في الكلام [ ص: 58 ] معنى التقرير والتوبيخ .

سيبويه : سألت الخليل عن قول الفرزدق : [من الطويل ]


أتغضب إن أذنا قتيبة حزتا .....................

فقال : هي مكسورة ؛ لأنه قبيح أن يفصل بين (أن ) والفعل ؛ يريد : (أن ) المفتوحة ، وذلك في المكسورة جائز على إضمار فعل آخر ؛ نحو قوله تعالى : وإن أحد من المشركين استجارك فأجره [التوبة : 6 ] .

ومعنى قوله : {صفحا} : إعراضا ، وقيل : التقدير : أفنضرب عنكم الذكر صافحين ؟ كما يقال : (جاء فلان مشيا ) .

ومعنى {مسرفين} : مشركين .

وقوله : فأهلكنا أشد منهم بطشا أي : قوما أشد منهم بطشا .

ومضى مثل الأولين أي : عقوبتهم ، عن قتادة ، وقيل : معناه : صفة الأولين ؛ بأنهم أهلكوا على كفرهم .

[ ص: 59 ] وقوله : لتستووا على ظهوره أي : على ظهور هذا الجنس .

وقيل : جاء التذكير على لفظ {ما} ، وجمعت (الظهور ) على معناها ، فقدم الحمل على المعنى على الحمل على اللفظ ، والأكثر أن يقدم الحمل على اللفظ على الحمل على المعنى .

وقوله : ثم تذكروا نعمة ربكم إذا استويتم عليه : قيل : هو (الحمد لله ) ، وقال مجاهد : هو سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين .

ومعنى {مقرنين} في قول ابن عباس : مطيقين .

أبو عبيدة : {مقرنين} : ضابطين .

قال أهل اللغة : يقال : (أقرن له ) ؛ إذا أطاقه ؛ كأنه صار له قرنا .

وقوله : وإنا إلى ربنا لمنقلبون أي : مبعوثون .

وقوله : وجعلوا له من عباده جزءا أي : عدلا ، عن قتادة ؛ يعني : ما عبد من دون الله عز وجل .

الزجاج والمبرد : (الجزء ) ههنا : البنات .

إن الإنسان لكفور مبين يعني : الكافر .

وقوله : أم اتخذ مما يخلق بنات : لفظه لفظ الاستفهام ، ومعناه : التوبيخ .

[ ص: 60 ] وقوله : أومن ينشأ في الحلية وهو في الخصام غير مبين : قال ابن عباس وغيره : يعني : النساء ، زيهن غير زي الرجال .

قتادة : ما تكلمت امرأة ولها حجة إلا جعلتها على نفسها .

ابن زيد : يعني : أصنامهم ، يصوغونها من ذهب وفضة ؛ وهو إنشاؤها .

وقوله : وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا أي : وصفوهم بذلك ، وسموهم ، وهو قولهم : الملائكة بنات الله ، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا .

والقول في قوله تعالى : وقالوا لو شاء الرحمن ما عبدناهم كالقول في قوله : سيقول الذين أشركوا لو شاء الله ما أشركنا [الأنعام : 148 ] .

وقوله : ما لهم بذلك من علم مردود إلى قوله : وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا ؛ أي : ما لهم بقولهم : (الملائكة بنات الله ) من علم .

وقيل : إن الرد عليهم محمول على المعنى ؛ ومعناه : ما لهم من قولهم : لو شاء الرحمن ما عبدناهم من عذر .

أم آتيناهم كتابا من قبله فهم به مستمسكون : هذا معادل لقوله : أشهدوا خلقهم ؛ والمعنى : أأحضروا خلقهم ، أم آتيناهم كتابا من قبل القرآن بما ادعوه ؟

بل قالوا إنا وجدنا آباءنا على أمة أي : على طريقة ومذهب ، وإنا على آثارهم مهتدون أي : وإنا مهتدون على آثارهم ، ويجوز أن يكونا خبرين .

وقوله : قال أولو جئتكم بأهدى مما وجدتم عليه آباءكم أي : أولو جئتكم بذلك ؛ [ ص: 61 ] تقيمون على ما كنتم عليه من كفركم ؟

وقوله : قالوا إنا بما أرسلتم به كافرون : الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم ، ولفظه لفظ جمع ؛ لأن تكذيبه تكذيب لمن سواه .

وقوله : وإذ قال إبراهيم لأبيه وقومه إنني براء مما تعبدون : (البراء ) : يستعمل للواحد فما فوقه ، ومعناه في التثنية والجمع : ذوا براء ، وذوو براء .

إلا الذي فطرني فإنه سيهدين : استثناء متصل ؛ لأنهم عبدوا الله مع آلهتهم ، ويجوز أن يكون منقطعا .

وجعلها كلمة باقية في عقبه : الضمير في {جعلها} عائد على قوله : إلا الذي فطرني ، وضمير الفاعل في {جعلها} لله عز وجل .

و (العقب ) : من يأتي بعده ، السدي : هم آل محمد صلى الله عليه وسلم ، وفي الكلام تقديم وتأخير ؛ والمعنى : فإنه سيهديني ؛ لعلهم يرجعون ، وجعلها كلمة باقية في عقبه ؛ أي : قال لهم ذلك ؛ لعلهم يتوبون عن عبادة غير الله عز وجل .

مجاهد : (الكلمة الباقية ) : لا إله إلا الله .

قتادة : لا يزال من عقبه من يعبد الله إلى يوم القيامة .

وقوله : وقالوا لولا نـزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم أي : على رجل من [ ص: 62 ] رجلي القريتين عظيم .

ابن عباس : يعنون : الوليد بن المغيرة من مكة ، وحبيب بن عمرو الثقفي من الطائف .

[قتادة : الرجلان : أبو مسعود عروة بن مسعود الثقفي من الطائف ] ، [والوليد بن المغيرة من مكة ] .

السدي : الوليد بن المغيرة ، [وكنانة بن عبد بن عمير من الطائف .

وروي : أن الوليد بن المغيرة ] كان يقول : لو كان ما يقول محمد حقا ؛ لنزل علي ، أو على أبي مسعود ، فقال الله عز وجل : أهم يقسمون رحمت ربك ؟ يعني : أنه يصطفي من يشاء ، ويفعل ما يشاء .

التالي السابق


الخدمات العلمية