التحصيل لفوائد كتاب التفصيل الجامع لعلوم التنزيل

المهدوي - أبو العباس أحمد بن عمار المهدوي

صفحة جزء
وقوله : لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة [يعني : في العدة ، لا تخرج من المسكن الذي طلقت فيه حتى تنقضي عدتها ، إلا أن تأتي بفاحشة مبينة] ، وهي في قول ابن عباس ، والحسن ، والشعبي ، وغيرهم :

[ ص: 420 ] الزنا ، فتخرج ، ويقام عليها الحد .

وعن ابن عباس أيضا : (الفاحشة) : كل معصية؛ كالزنا ، والسرقة ، والبذاء على الأهل ، وهو اختيار الطبري .

ابن عمر ، والسدي : (الفاحشة) : خروجها من بيتها في العدة .

قتادة : (الفاحشة) : النشوز ، وذلك أن يطلقها على النشوز ، فتتحول من بيته .

وهذا عند بعض العلماء لمن طلقت عليه طلقة واحدة أو اثنتين؛ لقوله تعالى : لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا ، وقال بعضهم : هو لكل مطلقة ثلاثا فما دونها؛ لأن السكنى على الزوج ، وقال قوم : هو لمن لم تطلق ، وللمطلقة أقل من ثلاث .

ولا خلاف في وجوب السكنى والنفقة للمطلقة واحدة أو اثنتين ، واختلف في المطلقة ثلاثا؛ فمذهب مالك ، والشافعي : أن لها السكنى ، ولا نفقة لها ، ومذهب أبي حنيفة وأصحابه : أن لها السكنى والنفقة ، ومذهب ابن حنبل ، وإسحاق ، وأبي ثور : أن لا نفقة لها ، ولا سكنى .

وليس للمطلقة التي يملك الزوج عليها الرجعة الخروج من الموضع الذي طلقت فيه حتى تنقضي عدتها بإجماع ، فإن كان الطلاق لا يملك فيه الرجعة؛ فمذهب مالك ، وأبي حنيفة ، وأصحابه : أنها لا تخرج ، وقال ابن عباس ، والحسن ، وطاووس ، [ ص: 421 ] وغيرهم : تعتد حيث شاءت .

وليس لها أن تحج في عدتها في قول الشافعي ، وأبي حنيفة ، وأصحابه ، وقال مالك : ترد ما لم تحرم ، وقال ابن حنبل ، وإسحاق ، وغيرهما : لها أن تحج في العدة .

وقوله : وأشهدوا ذوي عدل منكم يعني : على الرجعة ، وهو عند أكثر العلماء ندب .

وإذا جامع ، أو قبل ، أو باشر ، يريد بذلك الرجعة ، [أو تكلم بالرجعة ، يريد به الرجعة؛ فهو مراجع عند مالك ، فإن لم يرد بذلك الرجعة]؛ فليس بمراجع ، وقال أبو حنيفة وأصحابه : إذا قبل ، أو باشر ، أو لمس لشهوة؛ فهو رجعة ، قالوا : والنظر إلى الفرج رجعة .

الشافعي ، وأبو ثور : إذا تكلم بالرجعة؛ فهو رجعة .

وقوله : واللائي يئسن من المحيض من نسائكم الآية : هذه الآية مخصصة للتي في (البقرة) [228] ، وقد تقدم ذكر ذلك .

وقوله : إن ارتبتم : قال عثمان رضي الله عنه : هذا في المطلقة تعتد حيضة أو حيضتين ، ثم ينقطع الحيض عنها بغير علة تعرف ، فتستراب بها ، فتنتظر تسعة [ ص: 422 ] أشهر ، فإن يئست من المحيض فيهن؛ اعتدت ثلاثة أشهر ، وقاله مالك .

مجاهد : قوله : إن ارتبتم : للمخاطبين؛ يعني : إن لم تعلموا كم عدة اليائسة ، والتي لم تحض؛ فالعدة هذه .

إسماعيل بن أبي خالد : لما نزلت والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء [البقرة : 228]؛ قالوا : فالصغيرة التي لم تحض؟ والكبيرة؟ فاختلفوا ، فنزلت هذه الآية .

وقيل : المعنى : إن ارتبتم أن الدم الذي يظهر منها من أجل كبر أو من الحيض المعهود ، أو من الاستحاضة؛ فالعدة ثلاثة أشهر .

ابن زيد : معنى إن ارتبتم : إن خفتم أن تكون حيضتها ارتفعت .

عكرمة ، وقتادة : من الريبة : المرأة المستحاضة التي لا يستقيم لها الحيض ، [ ص: 423 ] تحيض في أول الشهر مرارا ، وفي الأشهر مرة؛ فعدتها ثلاثة أشهر .

واختار الطبري أن يكون المعنى : إن شككتم ، فلم تدروا ما الحكم فيهن؟

وقيل : إنه متصل بأول السورة؛ والمعنى : لا تخرجوهن من بيوتهن إن ارتبتم في انقضاء العدة .

فأما المرأة التي يرتفع عنها الدم لكبرها ، ولا ينقطع ، لكنه يختلف؛ فمذهب مالك فيها ما قدمناه من أنها إن حاضت حيضة ، أو حيضتين ، ثم ارتفع عنها؛ انتظرت تسعة أشهر ، ثم ثلاثة ، ثم حلت للأزواج ، وقاله الشافعي بالعراق ، وروي عن الشافعي أيضا : أن أقراءها على ما كانت حتى تبلغ سن اليائسات ، وهو قول النخعي ، والثوري ، وغيرهما ، وحكاه أبو عبيد عن أهل العراق .

وقال عكرمة : إذا حاضت حيضا مختلفا؛ اعتدت بثلاثة أشهر؛ لأنها ريبة .

وقال ابن المسيب : إذا كانت تحيض مرة في الأشهر اعتدت سنة .

ويطلق الحامل زوجها متى شاء في قول مالك ، والشافعي ، وأبي حنيفة ، وقال الأوزاعي : يطلقها للأهلة؛ لئلا يطول عليها ، وقال الشعبي وقتادة :

[ ص: 424 ] يطلقها للأهلة ، وكره الحسن طلاقه إياها وهي حامل .

وقوله : وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن : لا خلاف بين العلماء في وجوب النفقة والسكنى للحامل المطلقة ثلاثا ، أو أقل منهن ، حتى تضع حملها .

ولا نفقة للحامل المتوفى عنها زوجها عند مالك وغيره من العلماء ، وحكاه أبو عبيد عن أبي حنيفة وأصحابه ، وأوجب لها شريح والشعبي والثوري وغيرهم النفقة ، وروي ذلك عن علي وابن مسعود .

وتقدم القول في أحكام الرضاع .

وقوله : لينفق ذو سعة من سعته الآية : اختلف العلماء في العاجز عن نفقة امرأته؛ فمذهب مالك ، والشافعي ، وغيرهما : التفريق بينهما ، ولا يفرق بينهما عند أبي حنيفة وأصحابه .

وروي : أن حكم الرجعة المذكورة في هذه السورة نزل بسبب حفصة بنت عمر زوج النبي صلى الله عليه وسلم ، كان النبي صلى الله عليه وسلم طلقها واحدة ، فأمر الله تعالى بمراجعتها ، وقيل له : "إنها صوامة قوامة ، وإنها من نسائك في الجنة" .

[ ص: 425 ] وقد تقدم في (البقرة) [234] ذكر ما لم أذكره ههنا من حكم المتوفى عنها زوجها وغيرها .

التالي السابق


الخدمات العلمية