الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      معلومات الكتاب

                                                                                                                                                                                                                                      التحصيل لفوائد كتاب التفصيل الجامع لعلوم التنزيل

                                                                                                                                                                                                                                      المهدوي - أبو العباس أحمد بن عمار المهدوي

                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة [يعني : في العدة ، لا تخرج من المسكن الذي طلقت فيه حتى تنقضي عدتها ، إلا أن تأتي بفاحشة مبينة] ، وهي في قول ابن عباس ، والحسن ، والشعبي ، وغيرهم :

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 420 ] الزنا ، فتخرج ، ويقام عليها الحد .

                                                                                                                                                                                                                                      وعن ابن عباس أيضا : (الفاحشة) : كل معصية؛ كالزنا ، والسرقة ، والبذاء على الأهل ، وهو اختيار الطبري .

                                                                                                                                                                                                                                      ابن عمر ، والسدي : (الفاحشة) : خروجها من بيتها في العدة .

                                                                                                                                                                                                                                      قتادة : (الفاحشة) : النشوز ، وذلك أن يطلقها على النشوز ، فتتحول من بيته .

                                                                                                                                                                                                                                      وهذا عند بعض العلماء لمن طلقت عليه طلقة واحدة أو اثنتين؛ لقوله تعالى : لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا ، وقال بعضهم : هو لكل مطلقة ثلاثا فما دونها؛ لأن السكنى على الزوج ، وقال قوم : هو لمن لم تطلق ، وللمطلقة أقل من ثلاث .

                                                                                                                                                                                                                                      ولا خلاف في وجوب السكنى والنفقة للمطلقة واحدة أو اثنتين ، واختلف في المطلقة ثلاثا؛ فمذهب مالك ، والشافعي : أن لها السكنى ، ولا نفقة لها ، ومذهب أبي حنيفة وأصحابه : أن لها السكنى والنفقة ، ومذهب ابن حنبل ، وإسحاق ، وأبي ثور : أن لا نفقة لها ، ولا سكنى .

                                                                                                                                                                                                                                      وليس للمطلقة التي يملك الزوج عليها الرجعة الخروج من الموضع الذي طلقت فيه حتى تنقضي عدتها بإجماع ، فإن كان الطلاق لا يملك فيه الرجعة؛ فمذهب مالك ، وأبي حنيفة ، وأصحابه : أنها لا تخرج ، وقال ابن عباس ، والحسن ، وطاووس ، [ ص: 421 ] وغيرهم : تعتد حيث شاءت .

                                                                                                                                                                                                                                      وليس لها أن تحج في عدتها في قول الشافعي ، وأبي حنيفة ، وأصحابه ، وقال مالك : ترد ما لم تحرم ، وقال ابن حنبل ، وإسحاق ، وغيرهما : لها أن تحج في العدة .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : وأشهدوا ذوي عدل منكم يعني : على الرجعة ، وهو عند أكثر العلماء ندب .

                                                                                                                                                                                                                                      وإذا جامع ، أو قبل ، أو باشر ، يريد بذلك الرجعة ، [أو تكلم بالرجعة ، يريد به الرجعة؛ فهو مراجع عند مالك ، فإن لم يرد بذلك الرجعة]؛ فليس بمراجع ، وقال أبو حنيفة وأصحابه : إذا قبل ، أو باشر ، أو لمس لشهوة؛ فهو رجعة ، قالوا : والنظر إلى الفرج رجعة .

                                                                                                                                                                                                                                      الشافعي ، وأبو ثور : إذا تكلم بالرجعة؛ فهو رجعة .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : واللائي يئسن من المحيض من نسائكم الآية : هذه الآية مخصصة للتي في (البقرة) [228] ، وقد تقدم ذكر ذلك .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : إن ارتبتم : قال عثمان رضي الله عنه : هذا في المطلقة تعتد حيضة أو حيضتين ، ثم ينقطع الحيض عنها بغير علة تعرف ، فتستراب بها ، فتنتظر تسعة [ ص: 422 ] أشهر ، فإن يئست من المحيض فيهن؛ اعتدت ثلاثة أشهر ، وقاله مالك .

                                                                                                                                                                                                                                      مجاهد : قوله : إن ارتبتم : للمخاطبين؛ يعني : إن لم تعلموا كم عدة اليائسة ، والتي لم تحض؛ فالعدة هذه .

                                                                                                                                                                                                                                      إسماعيل بن أبي خالد : لما نزلت والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء [البقرة : 228]؛ قالوا : فالصغيرة التي لم تحض؟ والكبيرة؟ فاختلفوا ، فنزلت هذه الآية .

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل : المعنى : إن ارتبتم أن الدم الذي يظهر منها من أجل كبر أو من الحيض المعهود ، أو من الاستحاضة؛ فالعدة ثلاثة أشهر .

                                                                                                                                                                                                                                      ابن زيد : معنى إن ارتبتم : إن خفتم أن تكون حيضتها ارتفعت .

                                                                                                                                                                                                                                      عكرمة ، وقتادة : من الريبة : المرأة المستحاضة التي لا يستقيم لها الحيض ، [ ص: 423 ] تحيض في أول الشهر مرارا ، وفي الأشهر مرة؛ فعدتها ثلاثة أشهر .

                                                                                                                                                                                                                                      واختار الطبري أن يكون المعنى : إن شككتم ، فلم تدروا ما الحكم فيهن؟

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل : إنه متصل بأول السورة؛ والمعنى : لا تخرجوهن من بيوتهن إن ارتبتم في انقضاء العدة .

                                                                                                                                                                                                                                      فأما المرأة التي يرتفع عنها الدم لكبرها ، ولا ينقطع ، لكنه يختلف؛ فمذهب مالك فيها ما قدمناه من أنها إن حاضت حيضة ، أو حيضتين ، ثم ارتفع عنها؛ انتظرت تسعة أشهر ، ثم ثلاثة ، ثم حلت للأزواج ، وقاله الشافعي بالعراق ، وروي عن الشافعي أيضا : أن أقراءها على ما كانت حتى تبلغ سن اليائسات ، وهو قول النخعي ، والثوري ، وغيرهما ، وحكاه أبو عبيد عن أهل العراق .

                                                                                                                                                                                                                                      وقال عكرمة : إذا حاضت حيضا مختلفا؛ اعتدت بثلاثة أشهر؛ لأنها ريبة .

                                                                                                                                                                                                                                      وقال ابن المسيب : إذا كانت تحيض مرة في الأشهر اعتدت سنة .

                                                                                                                                                                                                                                      ويطلق الحامل زوجها متى شاء في قول مالك ، والشافعي ، وأبي حنيفة ، وقال الأوزاعي : يطلقها للأهلة؛ لئلا يطول عليها ، وقال الشعبي وقتادة :

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 424 ] يطلقها للأهلة ، وكره الحسن طلاقه إياها وهي حامل .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن : لا خلاف بين العلماء في وجوب النفقة والسكنى للحامل المطلقة ثلاثا ، أو أقل منهن ، حتى تضع حملها .

                                                                                                                                                                                                                                      ولا نفقة للحامل المتوفى عنها زوجها عند مالك وغيره من العلماء ، وحكاه أبو عبيد عن أبي حنيفة وأصحابه ، وأوجب لها شريح والشعبي والثوري وغيرهم النفقة ، وروي ذلك عن علي وابن مسعود .

                                                                                                                                                                                                                                      وتقدم القول في أحكام الرضاع .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : لينفق ذو سعة من سعته الآية : اختلف العلماء في العاجز عن نفقة امرأته؛ فمذهب مالك ، والشافعي ، وغيرهما : التفريق بينهما ، ولا يفرق بينهما عند أبي حنيفة وأصحابه .

                                                                                                                                                                                                                                      وروي : أن حكم الرجعة المذكورة في هذه السورة نزل بسبب حفصة بنت عمر زوج النبي صلى الله عليه وسلم ، كان النبي صلى الله عليه وسلم طلقها واحدة ، فأمر الله تعالى بمراجعتها ، وقيل له : "إنها صوامة قوامة ، وإنها من نسائك في الجنة" .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 425 ] وقد تقدم في (البقرة) [234] ذكر ما لم أذكره ههنا من حكم المتوفى عنها زوجها وغيرها .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية