السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

صفحة جزء
2777 كتاب العتق

قال أهل اللغة : " العتق " : الحرية . يقال منه : " عتق يعتق عتقا " بكسر العين . "وعتقا" ، بفتحها أيضا . حكاه صاحب "المحكم" وغيره .

وعتاقا وعتاقة ، فهو عتيق وعاتق أيضا . حكاه الجوهري .

وهم عتقاء. وأعتقه فهو معتق . وأمة عتيق وعتيقة . وإماء عتائق .

وحلف بالعتاق . أي : الإعتاق .

قال الأزهري : هو مشتق من قولهم : عتق الفرس : إذا سبق ونجا .

[ ص: 518 ] وعتق الفرخ : طار واستقل . لأن العبد يتخلص بالعتق ، ويذهب حيث شاء .

قال الأزهري وغيره : وإنما قيل لمن أعتق نسمة : أنه أعتق رقبة ، وفك رقبة . فخصت الرقبة دون سائر الأعضاء ، مع أن العتق يتناول الجميع : لأن حكم السيد عليه ، وملكه له : كحبل في رقبة العبد . وكالغل المانع له من الخروج . فإذا أعتق : فكأنه أطلقت رقبته من ذلك. والله أعلم . هذا آخر كلام النووي " رحمه الله".

باب فضل من أعتق رقبة مؤمنة

وقال النووي : (باب فضل العتق) .

ولفظ "المنتقى" : (باب الحث عليه) .

حديث الباب

وهو بصحيح مسلم النووي ص 101 ج 10 المطبعة المصرية

[عن أبي هريرة "رضي الله عنه"، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: "من أعتق رقبة مؤمنة، أعتق الله بكل عضو منه عضوا من النار حتى يعتق فرجه بفرجه" .

وفي رواية : " أعتق الله بكل إرب منها إربا منه من النار ".].


[ ص: 519 ] (الشرح)

"والإرب" بكسر الهمزة وإسكان الراء : هو " العضو " ، بضم العين و كسرها .

وفي هذا الحديث : بيان فضل العتق ، وأنه من أفضل الأعمال .

ومما يحصل به : العتق من النار ، ودخول الجنة .

وفيه : استحباب عتق كامل الأعضاء . فلا يكون خصيا . ولا فاقد غيره من الأعضاء . وفي الخصي وغيره أيضا : الفضل العظيم . لكن الكامل أولى . وأفضله : أغلاه ثمنا ، وأنفسه .

وقد روى أبو داود ، والترمذي وصححه . والنسائي ، وأحمد ، وغيرهم : عن سالم بن أبي الجعد عن أبي أمامة ، وغيره من الصحابة ، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، أنه قال : " أيما امرئ مسلم ، أعتق امرأ مسلما ، كان فكاكه من النار : يجزى كل عضو منه عضوا منه . وأيما امرئ مسلم ، أعتق امرأتين مسلمتين ، كانتا فكاكه من النار : يجزى كل عضو منهما عضوا منه ، وأيما امرأة مسلمة أعتقت [ ص: 520 ] امرأة مسلمة ، كانت فكاكها من النار : يجزى كل عضو منها عضوا منها".

قال الترمذي وغيره : وهذا الحديث : دليل على أن عتق العبد ، أفضل من عتق الأمة .

قال عياض : واختلف العلماء أيهما أفضل ؟ عتق الإناث أم الذكور ؟.

فقال بعضهم : الإناث أفضل لأنها إذا عتقت ، كان ولدها حرا .

سواء تزوجها حر أو عبد .

وقال آخرون : عتق الذكور أفضل . لهذا الحديث ، ولما في الذكر من المعاني العامة المنفعة ، التي لا توجد في الإناث : من الشهادة ، والقضاء ، والجهاد ، وغير ذلك . مما يختص بالرجال " إما شرعا ، وإما عادة " . ولأن من الإماء ، من لا ترغب في العتق . وتضيع به . بخلاف العبيد .

قال النووي : وهذا القول ، هو الصحيح . وأما التقييد في الرقبة بكونها : " مؤمنة " : فيدل على أن هذا الفضل الخاص : إنما هو في عتق [ ص: 521 ] المؤمنة . وأما غير المؤمنة ، ففيه أيضا فضل بلا خلاف . ولكن دون فضل المؤمنة . ولهذا ، أجمعوا على أنه يشترط في عتق كفارة القتل :

كونها "مؤمنة".


وحكى عياض عن مالك : أن الأغلى ثمنا : أفضل . وإن كان كافرا . وخالفه غير واحد من أصحابه ، وغيرهم . قال : وهذا أصح . انتهى .

وأقول : قوله : " مؤمنة" ، وفي رواية : " مسلمة " : مقيد لباقي الروايات المطلقة . فلا يستحق الثواب المذكور : إلا من أعتق مؤمنة مسلمة . وقوله : " مؤمنة " : أخص من قيد الإسلام .

قال في "النيل" : ولا خلاف أن معتق الرقبة الكافرة : مثاب على العتق .

ولكنه ليس كثواب الرقبة المؤمنة .

واستشكل ابن العربي : قوله " حتى فرجه بفرجه"، فقال : "الفرج" لا يتعلق به ذنب يوجب النار ، إلا الزنا . فإن حمل على ما يتعاطاه من الصغائر ، كالمفاخذة : لم يشكل عتقه من النار بالعتق . وإلا فالزنا كبيرة لا تكفر إلا بالتوبة . قال : فيحتمل أن يكون المراد : أن العتق يرجح عند الموازاة ، بحيث يكون مرجحا لحسنات المعتق ، ترجيحا يوازي سيئة الزنا . انتهى .

قال الحافظ : ولا اختصاص لذلك بالفرج بل يأتي في غيره من الأعضاء ; كاليد في الغصب مثلا . انتهى .

[ ص: 522 ] وبالجملة ; أحاديث الباب ، فيها دلالة ، على أن العتق : من القرب الموجبة للسلامة من النار .

التالي السابق


الخدمات العلمية