السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

صفحة جزء
2960 باب تحريم بيع الميتة ، والأصنام ، والخنازير

وقال النووي : (باب تحريم بيع الخمر ، والميتة ، والخنزير ، والأصنام) .

حديث الباب وهو بصحيح مسلم النووي ص 5-6 ج 11 المطبعة المصرية

[عن جابر بن عبد الله ، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول- عام الفتح، وهو بمكة -: "إن الله ورسوله، حرم بيع الخمر، والميتة، والخنزير، والأصنام". فقيل: يا رسول الله! أرأيت شحوم الميتة؟ فإنه يطلى بها السفن، ويدهن بها الجلود، ويستصبح بها الناس. فقال: "لا. هو حرام". ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك: "قاتل الله [ ص: 628 ] اليهود. إن الله عز وجل، لما حرم عليهم شحومها، أجملوه، ثم باعوه فأكلوا ثمنه".].


(الشرح)

(عن جابر بن عبد الله " رضي الله عنهما" ، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، يقول - عام الفتح ، وهو بمكة - : "إن الله ورسوله ، حرم بيع الخمر " .) وهو كل ما خامر العقل .

(والميتة) بفتح الميم . وهي مازالت عنه الحياة ، لا بذكاة شرعية .

ونقل ابن المنذر أيضا : الإجماع ، على تحريم بيع الميتة . والظاهر :أنه يحرم بيعها ، بجميع أجزائها .

قيل : ويستثنى من ذلك : السمك ، والجراد ، وما لا تحله الحياة .

والتنصيص على تحريم بيع الميتة ، ههنا : مخصص لعموم مفهوم قوله صلى الله عليه وآله وسلم: " إنما حرم من الميتة أكلها " . والله أعلم . (والخنزير) . فيه : دليل على تحريم بيعه ، بجميع أجزائه . وحكى الحافظ ابن حجر "رحمه الله " : الإجماع على ذلك .

وحكى ابن المنذر عن الأوزاعي ، وأبي يوسف ، وبعض المالكية :الترخيص ، في القليل من شعره .

[ ص: 629 ] والعلة في تحريم بيعها ، وبيع الخنزير : هي النجاسة ، عند جمهور العلماء . فيتعدى ذلك إلى كل نجاسة .

ولكن المشهور عن مالك : طهارة الخنزير . ولا ملازمة بين التحريم والنجاسة . نعم ، كل نجاسة حرام . ولا عكس .

(والأصنام) : جمع صنم . قال الجوهري : هو الوثن .

وقال غيره : " الوثن " : ما له جثة . "والصنم" : ما كان مصورا .

فبينهما على هذا : عموم وخصوص من وجه .

ومادة اجتماعهما : إذا كان الوثن مصورا .

والعلة في تحريم بيعها : عدم المنفعة المباحة . فإن كان ينتفع بها بعد الكسر : جاز بيعها عند البعض . ومنعه الأكثر .

وترك الاستفصال في مقام الاحتمال : ينزل منزلة العموم في المقال .

فالحق : المنع مطلقا . والله أعلم .

(فقيل : يا رسول الله ! أرأيت شحوم الميتة ؟ فإنه يطلى بها السفن ، ويدهن بها الجلود ، ويستصبح بها الناس) .

أي : فهل بيعها لما ذكر من المنافع جائز ؟ فإنها مقتضية لصحة البيع .

كذا في "الفتح" .

"والاستصباح" : استفعال من " المصباح"، وهو السراج الذي يشتعل منه الضوء . كذا في "النيل" .

[ ص: 630 ] (فقال : "لا . هو حرام " .) أي : لا تبيعوها . فإن بيعها حرام .

والضمير في "هو" : يعود إلى البيع ، وعليه الأكثر . لا إلى الانتفاع ، وهو قول بعض العلماء .

قال النووي : هذا هو الصحيح ، عند الشافعي ، وأصحابه : أنه يجوز الانتفاع بشحم الميتة ، في طلي السفن والاستصباح بها ، وغير ذلك مما ليس بأكل . ولا في بدن الآدمي . وبهذا قال عطاء ، ومحمد بن جرير الطبري .

وقال الجمهور : لا يجوز الانتفاع به ، في شيء أصلا ، لعموم النهي عن الانتفاع بالميتة . إلا ما خص ، وهو الجلد المدبوغ . انتهى .

أقول : الظاهر : أن مرجع الضمير : " البيع " ، لأنه المذكور صريحا .

والكلام فيه .

ويؤيد ذلك : قوله في آخر الحديث : "ثم باعوه".

وتحريم الانتفاع : يؤخذ من دليل آخر . كحديث : " لا تنتفعوا من الميتة بشيء". والمعنى : لا تظنوا ، أن هذه المنافع :: مقتضية لجواز بيع الميتة ، فإن بيعها حرام .

قال النووي : وأما الزيت ، والسمن ، ونحوهما من الأدهان التي أصابتها نجاسة ; فهل يجوز الاستصباح بها ، ونحوه من الاستعمال في غير الأكل ، وغير البدن ؟ أو يجعل من الزيت صابون ؟ أو يطعم [ ص: 631 ] العسل المتنجس للنحل ؟ أو يطعم الميتة لكلابه ؟ أو يطعم الطعام النجس لدوابه ؟

فيه خلاف بين السلف . انتهى .

(ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، عند ذلك : " قاتل الله اليهود . إن الله لما حرم عليهم شحومها ، أجملوه ، ثم باعوه ، فأكلوا ثمنه ".) .

قال النووي : اعترض بعض اليهود ، والملاحدة : بأن الابن إذا ورث من أبيه جارية ، " كان الأب وطئها " : فإنها تحرم على الابن. ويحل له بيعها بالإجماع ، وأكل ثمنها .

قال القاضي : وهذا تمويه على من لا علم عنده . لأن جارية الأب ، لم يحرم على الابن منها : غير الاستمتاع على هذا الولد ، دون غيره من الناس . ويحل لهذا الابن : الانتفاع بها في جميع الأشياء ، سوى الاستمتاع . ويحل لغيره : الاستمتاع وغيره . بخلاف الشحوم ، فإنها محرمة المقصود منها ، " وهو الأكل منها " : على جميع اليهود . وكذلك شحوم الميتة ، محرمة الأكل على كل أحد . وكان ما عدا الأكل تابعا له ، بخلاف موطوءة الأب . والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية