السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

صفحة جزء
4617 باب : ما ذكر في كذاب ثقيف ، ومبيرها

ولفظ النووي : (باب ذكر كذاب ثقيف ، ومبيرها) .

(حديث الباب)

وهو بصحيح مسلم النووي ، ص98 - 100 ج16 ، المطبعة المصرية

(عن أبي نوفل ؛ رأيت عبد الله بن الزبير ، على عقبة المدينة . قال : فجعلت قريش تمر عليه ، والناس ، حتى مر عليه : عبد الله بن عمر . فوقف عليه ، فقال : السلام عليك ، أبا خبيب ! السلام عليك ، أبا خبيب ! السلام عليك ، أبا خبيب ! أما والله ! لقد كنت أنهاك عن هذا . أما والله ! لقد كنت أنهاك عن هذا . أما والله ! لقد كنت أنهاك عن هذا . أما والله ! إن كنت -ما علمت- : صواما ، قواما ، وصولا للرحم . أما والله ! لأمة أنت أشرها : لأمة خير .

ثم نفذ عبد الله بن عمر . فبلغ الحجاج : موقف عبد الله ، وقوله ، فأرسل إليه ، فأنزل عن جذعه ، فألقي في قبور اليهود . ثم أرسل إلى أمه : [ ص: 39 ] أسماء بنت أبي بكر ، فأبت أن تأتيه ، فأعاد عليها الرسول : لتأتيني ، أو لأبعثن إليك : من يسحبك بقرونك . قال : فأبت ، وقالت : والله ! لا آتيك ، حتى تبعث إلي : من يسحبني بقروني . قال : فقال : أروني سبتي . فأخذ نعليه ، ثم انطلق يتوذف ، حتى دخل عليها . فقال : كيف رأيتني صنعت بعدو الله ؟ قالت رأيتك أفسدت عليه دنياه ، وأفسد عليك آخرتك . بلغني : أنك تقول له : يا ابن ذات النطاقين ! أنا ، والله ذات النطاقين ؛ أما أحدهما : فكنت أرفع به طعام رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وطعام أبي بكر : من الدواب . وأما الآخر : فنطاق المرأة ، التي لا تستغني عنه .

أما إن رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ حدثنا : "أن في ثقيف كذابا ، ومبيرا" ؛ فأما الكذاب ؛ فرأيناه ، وأما المبير ؛ فلا إخالك إلا إياه . قال فقام عنها ، ولم يراجعها ) .


(الشرح)

(عن أبي نوفل ، قال : رأيت عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما ، على عقبة المدينة) هي عقبة بمكة .

(قال : فجعلت قريش تمر عليه ، والناس ، حتى مر عليه : عبد الله بن عمر رضي الله عنهما . فوقف عليه ، فقال : السلام عليك ، أبا خبيب !) بضم الخاء المعجمة : "كنية ابن الزبير" ، كني بابنه [ ص: 40 ] "خبيب" . وكان أكبر أولاده . وله ثلاث كنى ، ذكرها البخاري "في التاريخ" ، وآخرون ؟ : أبو خبيب ، وأبو بكر ، وأبو بكير .

(السلام عليك ، أبا خبيب ! السلام عليك ، أبا خبيب !)

فيه : استحباب السلام على الميت في قبره ، وغيره ، وتكرير السلام ثلاثا . كما كرر ابن عمر رضي الله عنه .

(أما والله ! لقد كنت أنهاك عن هذا . أما والله ! لقد كنت أنهاك عن هذا . أما والله ! لقد كنت أنهاك عن هذا) أي : عن المنازعة الطويلة .

وفيه : خطاب الحي للميت . وهذا يدل على سماع الموتى ، وشعورهم ، وإدراكهم بزائرهم وكلامه . ولولا ذلك ، لكان الخطاب عبثا ضائعا .

(أما والله ! إن كنت -ما علمت- لصواما ، قواما ، وصولا للرحم) .

فيه الثناء على الموتى : بجميل صفاتهم المعروفة .

قال عياض : وصفه "بصلة الرحم" : أصح من قول بعض الإخباريين : ووصفه بالإمساك . وقد عده صاحب "كتاب الأجواد" : فيهم . وهو المعروف من أحواله .

(أما والله ! لأمة أنت شرها : لأمة خير) هكذا في كثير من نسخنا : [ ص: 41 ] "لأمة خير" . وكذا نقله عياض ، عن جمهور رواة صحيح مسلم .

وفي أكثر النسخ : "لأمة سوء" . ونقله عياض عن رواية السمرقندي . قال : وهو خطأ وتصحيف . (ثم نفذ عبد الله بن عمر) رضي الله عنهما . أي انصرف (فبلغ الحجاج : موقف عبد الله ، وقوله . فأرسل إليه ، فأنزل عن جذعه ، فألقي في قبور اليهود) .

فيه : منقبة لابن عمر ، لقوله في الملأ بالحق ، وعدم اكتراثه بالحجاج . لأنه يعلم : أنه يبلغه مقامه عليه ، وقوله وثناؤه عليه . فلم يمنعه ذلك : أن يقول الحق ، ويشهد لابن الزبير بما يعلمه فيه : من الخير ، وبطلان ما شاع عند الحجاج من قوله : إنه عدو الله ، وظالم ، ونحوه . فأراد ابن عمر : براءة ابن الزبير ، من ذلك الذي نسبه إليه الحجاج . وأعلم الناس بمحاسنه . ضد ما قاله الحجاج .

قال النووي : ومذهب أهل الحق : أن ابن الزبير ، كان مظلوما ، وأن الحجاج ورفقته : كانوا خوارج عليه .

(ثم أرسل إلى أمه : أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهم . فأبت أن تأتيه . فأعاد عليها الرسول : لتأتيني ، أو لأبعثن إليك : من يسحبك بقرونك) . أي : يجرك بضفائر شعرك .

(قال : فأبت ، وقالت : والله ! لا آتيك ، حتى تبعث إلي : من يسحبني بقروني . قال : فقال : أروني سبتي) بكسر السين ، وإسكان الباء ، وتشديد آخره . وهي "النعل" ، التي لا شعر عليها .

[ ص: 42 ] (فأخذ نعليه ، ثم انطلق يتوذف) : بالواو ، والذال ، والفاء . قال أبو عبيد : معناه : يسرع . وقال أبو عمرو : معناه : يتبختر .

(حتى دخل عليها ، فقال : كيف رأيتني صنعت بعدو الله ؟ قالت : رأيتك أفسدت عليه دنياه ، وأفسد عليك آخرتك . بلغني : أنك تقول له : يا ابن ذات النطاقين !) بكسر النون .

قال العلماء : "النطاق ، أن تلبس المرأة ثوبها ، ثم تشد وسطها بشيء ، وترفع وسط ثوبها ، وترسله على الأسفل . تفعل ذلك عند معاناة الأشغال ، لئلا تتعثر في ذيلها .

قيل : سميت أسماء : "ذات النطاقين" ؛ لأنها كانت تطارف نطاقا فوق نطاق .

والأصح : أنها سميت بذلك ؛ لأنها شقت نطاقها الواحد : نصفين ؛ فجعلت أحدهما : نطاقا صغيرة ، واكتفت به . والآخر : لسفرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وأبي بكر رضي الله عنه . كما صرحت به ، في هذا الحديث هنا ، وفي البخاري . ولفظ البخاري : أوضح من لفظ مسلم .

(أنا والله ! ذات النطاقين ؛ أما أحدهما . فكنت أرفع به طعام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وطعامأبي بكر) الصديق رضي الله عنه : (من الدواب . وأما الآخر : فنطاق المرأة ، التي لا تستغني عنه . أما إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ؛ حدثنا : "أن في ثقيف كذابا ، ومبيرا" . فأما الكذاب ؛ فرأيناه . وأما المبير ؛ فلا إخالك إلا إياه . [ ص: 43 ] قال : فقام عنها ، ولم يراجعها) .

"إخالك" بفتح الهمزة ، وكسرها وهو الأشهر . ومعناه : أظنك . و"المبير" : المهلك .

وعنت بالكذاب : "المختار بن عبيد الثقفي" ، كان شديد الكذب . ومن أقبحه : أنه ادعى أن جبريل عليه السلام ، يأتيه .

واتفق العلماء على أن المراد بالكذاب هنا : "المختار المذكور" . و"بالمبير" : الحجاج بن يوسف . والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية