السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

صفحة جزء
4816 باب في الأمر بالقوة وترك العجز

وقال النووي : (باب الإيمان بالقدر، والإذعان له) .

(حديث الباب)

وهو بصحيح مسلم \ النووي، ص 215 ج 16، المطبعة المصرية

(عن أبي هريرة ، قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: «المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير. احرص على ما ينفعك، واستعن بالله، ولا تعجز. وإن أصابك شيء، فلا تقل: لو أني فعلت كان كذا وكذا، ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل؛ فإن «لو» تفتح عمل الشيطان») .


[ ص: 344 ] (الشرح)

(عن أبي هريرة ، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله، صلى الله عليه) وآله (وسلم: «المؤمن القوي خير وأحب إلى الله عز وجل من المؤمن الضعيف) .

المراد بالقوة هنا: عزيمة النفس، والقريحة في أمور الآخرة، فيكون صاحب هذا الوصف أكثر إقداما على العدو في الجهاد، وأسرع خروجا إليه وذهابا في طلبه، وأشد عزيمة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والصبر على الأذى في كل ذلك، واحتمال المشاق في ذات الله تعالى، وأرغب في الصلاة والصوم والأذكار وسائر العبادات، وأنشط طلبا لها، ومحافظة عليها. ونحو ذلك.

[ ص: 345 ] (وفي كل خير) معناه: في كل من القوي والضعيف خير؛ لاشتراكهما في الإيمان، مع ما يأتي به الضعيف من العبادات.

[ ص: 346 ] (احرص على ما ينفعك) بكسر الراء (واستعن بالله، ولا تعجز) بكسر الجيم، وحكي فتحهما جميعا.

ومعناه: احرص على طاعة الله تعالى، والرغبة فيما عنده، وطلب الإعانة من الله تعالى على ذلك (ولا تعجز) : ولا تكسل عن طلب الطاعة، ولا عن طلب الإعانة.

(وإن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت كان كذا وكذا، ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل) .

قال عياض: قال بعض العلماء: هذا النهي إنما هو لمن قاله معتقدا ذلك حتما، وأنه لو فعل ذلك لم يصبه قطعا، فأما من رد ذلك إلى مشيئة الله تعالى بأنه لن يصيبه إلا ما شاء الله فليس من هذا، واستدل بقول أبي بكر الصديق، رضي الله عنه، في الغار: لو أن أحدهم رفع رأسه لرآنا.

قال: وهذا لا حجة فيه؛ لأنه إنما أخبر عن مستقبل، وليس فيه دعوى لرد قدر بعد وقوعه.

قال: وكذا جميع ما ذكره البخاري في: (باب ما يجوز من «لو») كحديث: «لولا حدثان قومك بالكفر لأتممت البيت على قواعد إبراهيم». «ولو كنت راجما بغير بينة لرجمت هذه». «ولولا أن [ ص: 347 ] أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك» وشبه ذلك، فكله مستقبل، لا اعتراض فيه على قدر، فلا كراهة فيه؛ لأنه إنما أخبر عن اعتقاده فيما كان يفعل لولا المانع. وعما هو في قدرته. فأما ما ذهب فليس في قدرته.

قال: فالذي عندي في معنى الحديث أن النهي على ظاهره وعمومه، لكنه نهي تنزيه، ويدل عليه قوله: (فإن «لو» تفتح عمل الشيطان) أي: يلقي في القلب معارضة القدر، ويوسوس به الشيطان. هذا كلام القاضي.

قال النووي : وقد جاء من استعمال «لو» في الماضي قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدي» وغير ذلك. فالظاهر: أن النهي إنما هو عن إطلاق ذلك فيما لا فائدة فيه، فيكون نهي تنزيه لا تحريم.

فأما من قاله تأسفا على ما فات من طاعة الله تعالى، أو ما هو متعذر عليه من ذلك، ونحو هذا: فلا بأس به. وعليه يحمل أكثر الاستعمال الموجود في الأحاديث. والله أعلم.

التالي السابق


الخدمات العلمية