السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

صفحة جزء
4782 (باب منه)

وهو في النووي في (الباب المتقدم) .

(حديث الباب)

وهو بصحيح مسلم \ النووي، ص 193 ج16، المطبعة المصرية

(عن حذيفة بن أسيد - يبلغ به النبي، صلى الله عليه وسلم- قال: «يدخل الملك على النطفة، بعدما تستقر في الرحم بأربعين -أو خمسة وأربعين- ليلة، فيقول: يا رب أشقي أو سعيد؟ فيكتبان.

[ ص: 385 ] فيقول: أي رب! أذكر أو أنثى؟ فيكتبان. ويكتب عمله، وأثره، وأجله، ورزقه. ثم تطوى الصحف، فلا يزاد فيها ولا ينقص») .



(الشرح)

(عن حذيفة بن أسيد) : بفتح الهمزة (يبلغ به النبي، صلى الله عليه) وآله (وسلم، قال: يدخل الملك على النطفة، بعدما تستقر في الرحم بأربعين -أو خمسة وأربعين- ليلة) .

تقدم: أن الجنين يتقلب في مائة وعشرين يوما، في ثلاثة أطوار، كل طور منها في أربعين، ثم بعد تكملتها: ينفخ فيه الروح. وقد ذكر الله تعالى هذه الأطوار الثلاثة، من غير تقييد بمدة، في سورة الحج. وزاد -في سورة المؤمنين- بعد المضغة: ( فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام لحما ) .

ويؤخذ منها، ومن أحاديث الباب: أن تصيير المضغة «عظاما» بعد نفخ الروح. والله أعلم.

(فيقول: يا رب! أشقي أو سعيد؟ فيكتبان) المذكور من الشقاوة [ ص: 386 ] والسعادة. ومن الرزق، والأجل: على جبهته أو رأسه مثلا. وهو في بطن أمه. وكذلك: «ذكر أو أنثى» كما قال.

(فيقول: أي رب! أذكر أو أنثى؟ فيكتبان) بضم الأول في الموضعين. ومعناه: يكتب أحدهما.

(ويكتب عمله، وأثره، وأجله، ورزقه. ثم تطوى الصحف. فلا يزاد فيها ولا ينقص) .

وفي حديث أنس، عند البخاري، يرفعه؛ قال: «وكل الله بالرحم ملكا، فيقول»، أي: عند نزول النطفة في الرحم؛ التماسا لإتمام الخلقة: «أي رب! نطفة. أي رب! علقة. أي رب! مضغة. فإذا أراد الله أن يقضي خلقها» أي: يأذن فيها أو يتمها «قال: أي رب! ذكر أم أنثى؟ أشقي أم سعيد؟ فما الرزق؟ فما الأجل؟ فيكتب كذلك في بطن أمه».

وعند الفريابي، من حديث حذيفة بن أسيد : « إذا وقعت النطفة في الرحم، ثم استقرت أربعين ليلة، فيجيء ملك الرحم، فيدخل: فيصور له عظمه، ولحمه، وشعره، وبشره، وسمعه، وبصره. ثم يقول: أي [ ص: 387 ] رب! ذكر أو أنثى؟ » الحديث.

وهذا كما تقدم عن عياض ليس على ظاهره؛ لأن «التصوير» إنما يقع في آخر الأربعين الثالثة. فمعنى «صورها»: كتب الله ذلك، ثم يفعله.

وفي حديث آخر: « أن خلق السمع والبصر يقع والجنين في بطن أمه ». قال القسطلاني : وهو محمول جزما على الأعضاء، ثم على القوة الباصرة والسامعة؛ لأنها مودعة فيهما. وأما الإدراك فالذي يترجح أنه يتوقف على زوال الحجاب المانع. قال المظهري: إن الله تعالى يحول الإنسان في بطن أمه حالة بعد حالة، مع أنه تعالى قادر على أن يخلقه في لمحة؛ وذلك أن في التحويل فوائد وعبرا:

منها: أنه لو خلقه دفعة لشق على الأم؛ لأنها لم تكن معتادة لذلك، فجعل أولا «نطفة» لتعتاد بها مدة، ثم «علقة» مدة. وهلم جرا، إلى الولادة.

ومنها: إظهار قدرة الله تعالى ونعمته؛ ليعبدوه ويشكروا له، حيث قلبهم من تلك الأطوار إلى كونهم إنسانا حسن الصورة، متحليا بالعقل والشهامة، متزينا بالفهم والفطانة.

ومنها: إرشاد الناس، وتنبيههم على كمال قدرته على الحشر [ ص: 388 ] والنشر؛ لأن من قدر على خلق الإنسان (من ماء مهين، ثم من علقة، ومضغة مهيأة لنفخ الروح فيه) يقدر على صيرورته ترابا، ونفخ الروح فيه وحشره في المحشر، للحساب والجزاء. انتهى.

التالي السابق


الخدمات العلمية