السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

صفحة جزء
4802 باب: كتب على ابن آدم نصيبه من الزنا

وقال النووي : (باب: قدر على ابن آدم حظه من الزنا وغيره) .

(حديث الباب)

وهو بصحيح مسلم، النووي، ص 206 ج 16 المطبعة المصرية

(عن أبي هريرة ، عن النبي، صلى الله عليه) وآله (وسلم، قال: «كتب على ابن آدم نصيبه من الزنا، مدرك ذلك لا محالة. فالعينان زناهما النظر، والأذنان زناهما الاستماع. واللسان زناه الكلام. واليد زناها البطش. والرجل زناها الخطى. والقلب يهوى ويتمنى، ويصدق ذلك الفرج ويكذبه») .


(الشرح)

قال النووي : معنى الحديث: أن ابن آدم قدر عليه نصيب من الزنا.

فمنهم: من يكون زناه حقيقيا، بإدخال الفرج في الفرج الحرام.

[ ص: 394 ] ومنهم: من يكون زناه مجازا: بالنظر الحرام، أو الاستماع إلى الزنا، وما يتعلق بتحصيله. أو بالمس باليد، بأن يمس أجنبية بيده، أو يقبلها، أو بالمشي بالرجل إلى الزنا أو النظر أو اللمس، أو الحديث الحرام مع أجنبية، ونحو ذلك، أو بالفكر بالقلب، فكل هذه أنواع الزنا المجازي.

والفرج: يصدق ذلك كله أو يكذب. معناه: أنه قد يحقق الزنا بالفرج، وقد لا يحققه بأن لا يولج الفرج في الفرج، وإن قارب ذلك. انتهى.

قلت: والذي يظهر لي في معنى هذا الحديث أن هذه الأمور كلها مقدمات للزنا، وقد يكون للمبادئ حكم المقاصد، فأطلق على هذه كلها: لفظ «الزنا» لأنها معاص صغيرة، ثم إن أولج صاحب هذه الأفعال فرجه في الفرج الحرام ثبت الإثم التام على كل من زنى من هذه الزنيات، وإن لم يولج، ولم يقع منه إلا هذه المقدمات، فليس عليه إثم الزنا الحقيقي، وإن لم يسلم من مباديه، فإنها تغفر بحسنات وطاعات يعتادها كل مسلم من الوضوء، والصلاة والصيام، والاستغفار، والتوبة والإنابة، مع الندم، والعزم على عدم الإتيان به، في مستقبل الزمان.

[ ص: 395 ] ويؤيده رواية أخرى عند مسلم، عن ابن عباس، بلفظ: (قال: ما رأيت شيئا أشبه باللمم، مما قال أبو هريرة أن النبي، صلى الله عليه وآله وسلم، قال: «إن الله كتب على ابن آدم حظه من الزنا، أدرك ذلك لا محالة، فزنا العينين النظر، وزنا اللسان النطق، والنفس تمنى وتشتهي، والفرج يصدق ذلك أو يكذبه») .

وهذا تفسير قوله تعالى: الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم إن ربك واسع المغفرة

ومعنى الآية -والله أعلم- أن الذين يجتنبون المعاصي «غير اللمم»: يغفر لهم اللمم، كما في آية أخرى: إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم .

فحاصل الآيتين: أن اجتناب الكبائر يسقط الصغائر، وهي اللمم. وفسره ابن عباس : بما في هذا الحديث من النظر، واللمس، ونحوهما، وهو كما قال. هذا هو الصحيح في تفسير «اللمم».

وقيل: أن يلم بالشيء ولا يفعله.

وقيل: الميل إلى الذنب، ولا يصر عليه.

وقيل غير ذلك، مما ليس بظاهر.

[ ص: 396 ] وأصل «اللمم، والإلمام»: الميل إلى الشيء وطلبه، من غير مداومة. والله أعلم.

وفيه أيضا: دلالة على أن من قدر في تقديره وقوع الزنا منه في علم الله تعالى فإنه يقع لا بد، ولا يمكن الحذر منه في أي صورة لأحد، إلا أن يعصمه الله بفضله ورحمته.

وقد سئل بعض المشايخ: هل يقع الزنا من عارف بالله تعالى؟ قال: نعم، وتلا هذه الآية: وكان أمر الله قدرا مقدورا .

ثم الزاني: إن جلد في الدنيا وحد فقد طهر، وإن ستر الله عليه في الدنيا فسيستره -إن شاء الله تعالى- في الآخرة، ولا يعذبه (مع [ ص: 397 ] حصول التوبة الصحيحة الماحية للحوبة) .

وقد ورد في هذا أحاديث في مسلم وغيره، وحديث أبي ذر المشهور «وإن سرق، وإن زنى»: يهدي المؤمنين إلى ترك القنوط منه سبحانه، ويبشر بعفو الذنوب، التي وقعت من أمر النفس الأمارة بالسوء، وإضلال إبليس اللعين.

اللهم! يا ربنا! اغفر لنا ذنوبنا، وتب علينا؛ إنك واسع المغفرة. وما أحق العصيان بأن يستجلب الرحمة من حضرة الرحيم الرحمن!!


لك الحمد كم من كربة قد كشفتها بنور من اللطف الخفي فتجلت     لك الحمد فاكشف كربة الحشر إن دجت
بنور من الغفران والرحمة التي



[ ص: 398 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية