السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

صفحة جزء
4810 [ ص: 407 ] باب ما ذكر في أولاد المشركين

وهو في النووي في (الباب المتقدم) .

(حديث الباب)

وهو بصحيح مسلم \ النووي، ص 212 ج 16، المطبعة المصرية

(عن ابن عباس، رضي الله عنهما، قال: سئل رسول الله صلى الله عليه) وآله (وسلم عن أطفال المشركين، أتدخل الجنة؟ قال: «الله أعلم بما كانوا عاملين إذ خلقهم») .


(الشرح)

قال النووي : وفيه بيان لمذهب أهل الحق؛ أن الله علم ما كان، وما يكون، وما لا يكون لو كان كيف كان.

قال: وقد سبق نظائره من القرآن والحديث.

وفي حديث أبي هريرة عند مسلم، بلفظ: «سئل عن أولاد المشركين من يموت منهم صغيرا» أي: لم يبلغ الحلم. قال [ ص: 408 ] البيضاوي : في هذا الحديث إشارة إلى أن الثواب والعقاب لا لأجل الأعمال، وإلا لزم أن يكون «ذراري المسلمين والكافرين» لا من أهل الجنة، ولا من أهل النار، بل الموجب لهما اللطف الرباني، والخذلان الإلهي المقدر لهما في الأزل، فالأولى فيهما التوقف، وعدم الجزم بشيء؛ فإن أعمالهم موكولة إلى علم الله، فيما يعود إلى أمر الآخرة من الثواب، والعقاب. انتهى.

وقال النووي : إن في أطفال المشركين ثلاثة مذاهب:

قال الأكثرون: هم في النار تبعا لآبائهم.

وتوقفت طائفة فيهم.

والثالث (وهو الصحيح، الذي ذهب إليه المحققون) : أنهم من أهل الجنة، ويستدل له بأشياء:

منها: حديث إبراهيم الخليل، حين رآه النبي، صلى الله عليه وآله وسلم في الجنة، وحوله أولاد الناس، قالوا: يا رسول الله! وأولاد المشركين؟ قال: «وأولاد المشركين» رواه البخاري في صحيحه.

ومنها قوله تعالى: ( وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا ) ولا يتوجه [ ص: 409 ] على المولود التكليف، ويلزمه قول الرسول: «حتى يبلغ» وهذا متفق عليه.

قال: والجواب عن حديث الباب هذا أنه ليس فيه تصريح بأنهم في النار، وحقيقة لفظه: «الله أعلم بما كانوا يعملون» لو بلغوا، ولم يبلغوا؛ إذ التكليف لا يكون إلا بالبلوغ. انتهى.

قلت: وذكر السيوطي في هذه المسألة ثمانية مذاهب، حررتها في بعض مؤلفاتي. وحديث الباب كما ليس فيه صراحة بكونهم في النار ليس فيه صراحة أيضا بكونهم في الجنة، بل ظاهره التوقف، كما ذهب إليه البيضاوي، وغيره.

فإن ثبت تأخر حديث البخاري عن هذا الحديث فذاك، وإلا فالراجح التوقف. والله أعلم.

ويؤيده حديث أبي هريرة عند مسلم بلفظ: (أفرأيت من يموت صغيرا؟ قال: «الله أعلم بما كانوا عاملين») .

وفي لفظ: (فقال رجل: يا رسول الله! أرأيت: لو مات قبل ذلك؟ قال: إلخ) .

وفي هذين الحديثين: ذكر المولود على الفطرة والملة، وليس فيهما ذكر أولاد المشركين، فدل على التوقف في أطفالهم، وأطفال المسلمين أيضا. وسيأتي الكلام على ذراري أهل الإسلام.

[ ص: 410 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية