السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

صفحة جزء
5064 (باب منه)

وهو في النووي، في (كتاب الجنة).

(حديث الباب)

وهو بصحيح مسلم \ النووي، ص 172 ج 17، المطبعة المصرية

(عن أبي هريرة؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أول زمرة تدخل الجنة - من أمتي -: على صورة القمر، ليلة البدر. ثم الذين يلونهم: على أشد نجم في السماء، إضاءة.

[ ص: 148 ] ثم هم - بعد ذلك منازل.

لا يتغوطون، ولا يبولون، ولا يمتخطون، ولا يبزقون.

أمشاطهم: الذهب. ومجامرهم: الألوة. ورشحهم: المسك.

أخلاقهم: على خلق رجل واحد. على طول أبيهم آدم: «ستون ذراعا».


قال «ابن أبي شيبة»: «على خلق رجل». وقال «أبو كريب»: «على خلق رجل».

وقال «ابن أبي شيبة»: «على صورة أبيهم»).


(الشرح)

(عن أبي هريرة) رضي الله عنه ؛ (قال: قال رسول الله صلى الله عليه) وآله (وسلم: أول زمرة) أي: جماعة (تدخل الجنة - من أمتي -: على صورة القمر، ليلة البدر. ثم الذين يلونهم: على) صورة (أشد نجم في السماء، إضاءة.

ثم هم - بعد ذلك - منازل.

لا يتغوطون، ولا يبولون، ولا يمتخطون، ولا يبزقون).

وفي رواية: «لا يبصقون».

وفي أخرى: «لا يتفلون» بكسر الفاء، وضمها.

[ ص: 149 ] حكاهما الجوهري وغيره.. وكلها بمعنى.

(أمشاطهم: الذهب. ومجامرهم: الألوة): بفتح الهمزة وضمها، وضم اللام، وتشديد الواو: «عود يتبخر به».

وهذا بخلاف مجامر الدنيا، فإن وقودها: قطع الحطب. ومجامر الجنة، وقودها: العود الذي يتبخر به.

وقال النووي «الألوة»: العود الهندي.

(ورشحهم: المسك) أي: عرقهم.

(أخلاقهم: على خلق رجل واحد).

قد ذكر مسلم في الكتاب: اختلاف «ابن أبي شيبة»، «وأبي كريب»: في ضبطه ؛ فالأول: يرويه بضم الخاء، واللام. والآخر: بفتح الخاء، وإسكان اللام.

قال النووي: وكلاهما صحيح.

وقد اختلف فيه «رواة صحيح البخاري». ويرجح «الضم» بقوله في الحديث الآخر: «لا اختلاف بينهم ولا تباغض»، قلوبهم: «قلب واحد».

وقد يرجح «الفتح بقوله صلى الله عليه وآله وسلم - في تمام الحديث -: على «صورة أبيهم آدم». أو على طوله. انتهى.

[ ص: 150 ] قال (في المرقاة): بضم الخاء واللام وتسكن.

والمعنى - على فتح الأول -: أنهم أتراب، في سن واحدة. وهي ثلاثون، أو ثلاث وثلاثون سنة. انتهى.

(على طول أبيهم آدم: «ستون ذراعا».

قال «ابن أبي شيبة»: على خلق رجل. وقال «أبو كريب»: على خلق رجل) تقدم الكلام، على هذا الاختلاف.

(وقال «ابن أبي شيبة»: على صورة أبيهم) - موضع «طول أبيهم» - قال في (حادي الأرواح): روى أحمد، عن أبي هريرة، يرفعه: «خلق الله آدم: على صورته. طوله: ستون ذراعا» إلى قوله: «فكل من يدخل الجنة: على صورة آدم، طوله: ستون ذراعا».

قال: متفق على صحته.

وروى أحمد أيضا عنه، مرفوعا. «يدخل أهل الجنة: الجنة» إلى قوله: «أبناء ثلاث وثلاثين: وهم على خلق آدم: ستون ذراعا، في عرض سبعة أذرع». قيل: تفرد به: حماد، عن علي بن زيد.

[ ص: 151 ] وروى الترمذي، - واستغربه - عن «معاذ بن جبل»، مرفوعا، بلفظ: «بني ثلاث وثلاثين». وروى أبو بكر بن داود، عن «أنس بن مالك»، يرفعه: «يبعث أهل الجنة: على صورة آدم، في ميلاد ثلاث وثلاثين». الحديث.

وفي حديث «أبي سعيد الخدري» ؛ يرفعه: «بني ثلاثين سنة، في الجنة. لا يزيدون عليها أبدا. وكذلك أهل النار» رواه الترمذي.

قال: فإن كان هذا محفوظا: لم يناقض ما قبله ؛ فإن العرب: إذا قدرت بعدد له نيف. فإن لهم طريقين ؛ تارة: يذكرون النيف للتحزير. وتارة: يحذفونه. وهذا معروف في كلامهم، وخطاب غيرهم. من الأمم.

وروى «ابن أبي الدنيا» عن أنس، مرفوعا: «يدخل أهل الجنة: الجنة، على طول آدم: ستين ذراعا، بذراع الملك، على حسن يوسف، وعلى ميلاد عيسى: ثلاثا وثلاثين سنة، وعلى لسان محمد».

وأما الأخلاق، فقد قال تعالى: ونـزعنا ما في صدورهم من غل إخوانا على سرر متقابلين

[ ص: 152 ] قال: والأخلاق - كما تكون جمعا: «للخلق» بالضم - فهي جمع: «الخلق» بالفتح.

والمراد: تساويهم (في الطول، والعرض، والسن)، وإن تفاوتوا (في الحسن، والجمال). ولهذا فسره بقوله: «على صورة أبيهم آدم: ستون ذراعا في السماء».

قال: وكذا، وصف سبحانه نساءهم: «بأنهن أتراب» أي: في سن واحدة. ليس فيهن: العجائز، والشواب.

وفي هذا الطول، والعرض، والسن: من الحكمة، ما لا يخفى. فإنه أبلغ وأكمل، في استيفاء اللذة ؛ لأنه أكمل سن القوة، مع عظم آلات اللذة.

وباجتماع الأمرين: يكون اللذة وقوتها، بحيث يصل في اليوم الواحد: إلى مائة عذراء.

قال: ولا يخفى التناسب، الذي بين هذا الطول والعرض. وأنه لو زاد أحدهما على الآخر: لفات الاعتدال، وتناسب الخلقة. ويصير طولا: مع دقة، أو غلظا: مع قصر. وكلاهما غير مناسب. انتهى.

قلت: وورد في أكثر هذه الأحاديث، بلفظ: «يدخل أهل الجنة: الجنة جردا، مردا، بيضا، جعادا، مكحلين، أبناء ثلاث وثلاثين.

[ ص: 153 ] وهم على خلق آدم»
الحديث: رواه أحمد، عن «أبي هريرة»، مرفوعا.

وهذا يدلك، على أن آدم: كان كذلك، في جميع هذه الصفات. أي: لم يكن له شعر: على جسد، ولا لحية. إلى غير ذلك. والله أعلم.

التالي السابق


الخدمات العلمية