صفحة جزء
يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن الله أعلم بإيمانهن فإن علمتموهن مؤمنات فلا ترجعوهن إلى الكفار لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن وآتوهم ما أنفقوا ولا جناح عليكم أن تنكحوهن إذا آتيتموهن أجورهن ولا تمسكوا بعصم الكوافر واسألوا ما أنفقتم وليسألوا ما أنفقوا ذلكم حكم الله يحكم بينكم والله عليم حكيم .

[10] يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات من دار الكفر إلى دار الإسلام.

فامتحنوهن فاختبروهن بالحلف إنهن ما خرجن إلا حبا لله ورسوله، فكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحلف المهاجرة بالله إنها ما خرجت بغضا لزوج، [ ص: 32 ] ولا عشقا لرجل، ولا رغبة عن أرض إلى أرض، ولا لحدث أحدثته، ولا لالتماس الدنيا، ولا خرجت إلا رغبة في الإسلام، وحبا لله ورسوله، فإذا حلفت، لم يردها، وأعطى زوجها مهرها وما أنفق عليها، وحكم بإيمانها.

الله أعلم بإيمانهن فإنه المطلع على ما في قلوبهن.

فإن علمتموهن مؤمنات أي: غلب على ظنكم إيمانهن بالحلف؛ لأن غلبة الظن تسمى: علما فلا ترجعوهن تردوهن إلى الكفار بعدما أسلمن، وإن كانوا أزواجهن.

لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن أي: لا يحل أحدهما لصاحبه.

وآتوهم يعني: أزواجهن ما أنفقوا من المهر.

ولا جناح عليكم أيها المؤمنون أن تنكحوهن وإن كان لهن أزواج كفار؛ لأن الإسلام فرق بينهن وبين أزواجهن الكفار.

إذا آتيتموهن أجورهن مهورهن.

ولا تمسكوا قرأ أبو عمرو، ويعقوب: بفتح الميم وتشديد السين، وقرأ الباقون: بإسكان الميم وتخفيف السين، ومعناهما الإمساك.

بعصم جمع عصمة، وهو ما يعتمد عليه.

الكوافر جمع كافرة، المعنى: من كانت له زوجة كافرة، فلا يعتدن [ ص: 33 ] بها؛ لانقطاع الزوجية بينهما، فلما نزلت هذه الآية، طلق عمر بن الخطاب امرأتين كانتا له بمكة مشركتين: قريبة بنت أبي أمية بن المغيرة، فتزوجها معاوية بن أبي سفيان، وهما على الشرك في مكة، والأخرى: أم كلثوم بنت عمرو بن جرول الخزاعية أم عبد الله بن عمر، فتزوجها أبو جهم بن حذافة بن عاصم، وهما على الشرك، وكانت أروى بنت ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب تحت طلحة بن عبيد الله، فهاجر طلحة وهي بمكة على دين قومها، ففرق الإسلام بينهما، فتزوجها في الإسلام خالد بن سعيد بن العاص بن أمية، وكانت زينب بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - امرأة أبي العاص بن الربيع، ولحقت بالنبي - صلى الله عليه وسلم، وأقام أبو العاص بمكة مشركا، ثم أتى المدينة، فأسلم، فردها عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم.

وأما حكم الشرع إذا أسلم الزوجان معا، أو أسلم زوج الكتابية، فهما على نكاحهما بالاتفاق، وإذا أسلمت المرأة، فإن كانت مدخولا بها، فأسلم في عدتها، فهي امرأته بالاتفاق، وإن كانت غير مدخول بها، وقعت الفرقة بينهما، وكانت فسخا عند الثلاثة، وقال أبو حنيفة: يعرض عليه الإسلام، فإن أسلم، فهي امرأته، وإلا فرق القاضي بينهما بإبائه عن الإسلام، وتكون هذه الفرقة طلاقا عند أبي حنيفة ومحمد، وفسخا عند أبي يوسف، ولها المهر إن كانت مدخولا بها، وإلا فلا، بالاتفاق.

وأما إذا ارتد أحد الزوجين المسلمين، فقال أبو حنيفة ومالك: تقع الفرقة حال الردة بلا تأخير، قبل الدخول وبعده، وقال الشافعي وأحمد: إن [ ص: 34 ] كانت الردة من أحدهما قبل الدخول، انفسخ النكاح، وإن كانت بعدها، وقعت الفرقة على انقضاء العدة، فإن أسلم المرتد منهما في العدة، ثبت النكاح، وإلا انفسخ بانقضائها، ثم إن كان المرتد الزوجة بعد الدخول، فلها المهر، وقبله لا شيء لها، وإن كان الزوج، فلها الكل بعده، والنصف قبله بالاتفاق.

واسألوا أيها المؤمنون ما أنفقتم أي: واسألوا أهل مكة أن يردوا عليكم مهور النساء اللواتي يخرجن إليهن مرتدات ممن يتزوجهن. قرأ ابن كثير، والكسائي، وخلف: (سلوا) بنقل حركة الهمز إلى ساكن قبله وهو السين، وقرأ الباقون: بإسكان السين والهمز.

وليسألوا أي: المشركون ما أنفقوا من المهر على زوجاتهم المهاجرات ممن تزوجوهن.

ذلكم الحكم المذكور.

حكم الله يحكم بينكم والله عليم حكيم يحكم ما تقتضيه حكمته، ثم نسخ هذا الحكم بعد ذلك.

التالي السابق


الخدمات العلمية