صفحة جزء
والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم كتاب الله عليكم وأحل لكم ما وراء ذلكم أن تبتغوا بأموالكم محصنين غير [ ص: 110 ] مسافحين فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة إن الله كان عليما حكيما .

[24] ونزل في نساء كن يهاجرن إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولهن أزواج، فيتزوجهن بعض المسلمين، ثم يقدم أزواجهن مهاجرين: والمحصنات من النساء عطف على وأمهاتكم يعني: الحرائر المزوجات; لأن الزوج قد أحصنهن، لا يحل للغير نكاحهن قبل مفارقة الأزواج، ثم استثنى فقال:

إلا ما ملكت أيمانكم يعني: السبايا اللواتي سبين ولهن أزواج في دار الحرب، فيحل لمالكهن وطؤهن بعد الاستبراء; لأن بالسبي يرتفع النكاح بينها وبين زوجها، بالاتفاق، وتقدم التنبيه على اختلاف القراء في قوله: النساء إلا عند قوله: ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف [النساء: 22].

كتاب الله عليكم مصدر مؤكد; أي: كتب الله ما حرم عليكم كتابا، وفرضه فرضا.

وأحل لكم قرأ أبو جعفر، وحمزة، والكسائي، وحفص، وخلف: (وأحل) بضم الألف وكسر الحاء; لقوله: حرمت عليكم ، وقرأ الباقون: بالنصب; يعني: أحل الله لكم. [ ص: 111 ]

ما وراء ذلكم أي: ما سوى ذلكم الذي ذكرت من المحرمات.

أن تبتغوا أي: تطلبوا النساء.

بأموالكم أي: تنكحوا بصداقكم، أو تشتروا بثمن.

محصنين متزوجين، وأصل الإحصان: الحفظ، والمراد هنا: العفة عن الوقوع في الحرام.

غير مسافحين أي: زانين، مأخوذ من سفح الماء وصبه، وهو المني.

فما استمتعتم به منهن أي: فالذي انتفعتم به من النساء بالنكاح الصحيح.

فآتوهن أجورهن أي: مهورهن على الاستمتاع.

فريضة نصب على المصدر في موضع الحال.

ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به بأن تهب المرأة جميع مهرها أو بعضه لزوجها، أو يزيدها الزوج على أكثر منه.

من بعد الفريضة المفروضة للزوجة.

واختلف الأئمة في الزيادة على الصداق المسمى بعد العقد، فقال أحمد: حكمها حكم الأصل، تلحق به فيما يقرره وينصفه، وتملك من حينها، واستدل بهذه الآية، وقال أبو حنيفة: هي ثابتة إن دخل بها، أو مات عنها، فإن طلقها قبل الدخول، أو ماتت هي قبل الدخول والقبض، سقطت، وخالفه أبو يوسف، فقال كقول أحمد، وقال مالك: تستقر بالدخول، وتتشطر بالطلاق قبله، فإن مات أحدهما قبل القبض، سقطت; [ ص: 112 ] لأنها هبة لم تقبض حتى مات الواهب أو الموهوب له، وقال الشافعي: هي هبة مستأنفة، إن قبضتها، لم تسقط بالطلاق قبل الدخول، ولا بعده، ولا بالموت، وإن لم تقبض، فلا شيء لها مطلقا.

إن الله كان عليما حكيما فيما شرع من الأحكام. وأما تقدير الصداق فلا حد لأكثره; لقوله تعالى: وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا [النساء: 20] ، وكان صداق أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم- خمس مئة درهم، وبناته أربع مئة، فيسن أن يكون من أربع مئة إلى خمس مئة، وإن زاده، فلا بأس، وإن النجاشي أصدق أم حبيبة بنت أبي سفيان عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أربع مئة دينار.

واختلف الأئمة في أقله، فقال الشافعي وأحمد: لا حد لأقله، فكل ما جاز أن يكون ثمنا جاز أن يكون صداقا، وقال أبو حنيفة ومالك: يتقدر بنصاب السرقة، واختلفا في قدره، فعند أبي حنيفة: عشرة دراهم، أو ما قيمته عشرة دراهم، وعند مالك: ربع دينار من الذهب، أو ثلاثة دراهم من الورق، أو عرض يساوي أحدهما.

واختلفوا في تعليم القرآن هل يجوز أن يكون صداقا؟ فقال أبو حنيفة وأحمد: لا يجوز، وقال مالك والشافعي: يجوز.

واختلفوا في منافع الحر، فقال أبو حنيفة: لا يجوز أن تكون صداقا، وقال الثلاثة: يجوز، إلا أن مالكا يكرهه.

التالي السابق


الخدمات العلمية