السياسة الشرعية في إصلاح الراعي والرعية

ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

صفحة جزء
[ ص: 128 ] الفصل الرابع حد السرقة

وأما السارق فيجب قطع يده اليمنى بالكتاب والسنة والإجماع قال تعالى : { والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالا من الله والله عزيز حكيم فمن تاب من بعد ظلمه وأصلح فإن الله يتوب عليه إن الله غفور رحيم } ولا يجوز بعد ثبوت الحد بالبينة ، أو الإقرار ، تأخيره ، ولا مال يفتدى به ولا غيره ، بل تقطع يده في الأوقات المعظمة وغيرها ، فإن إقامة الحد من العبادات ، كالجهاد في سبيل الله فينبغي أن يعرف أن إقامة الحدود رحمة من الله بعباده فيكون الوالي شديدا في إقامة الحد ، لا تأخذه رأفة في دين الله فيعطله ، ويكون قصده رحمة الخلق ، بكف الناس عن المنكرات ; لإشفاء غيظه ، وإرادة العلو على الخلق ، به بمنزلة الوالد إذا أدب ولده ، فإنه لو كف عن تأديب ولده ، كما تشير به الأم رقة ورأفة لفسد الولد ، وإنما يؤدبه رحمة به وإصلاحا لحاله ، مع أنه يود ويؤثر أن لا يحوجه إلى تأديب ، وبمنزلة الطبيب الذي يسقي المريض الدواء الكريه ، وبمنزلة قطع العضو المتآكل والحجم ، وقطع العروق بالفصاد ونحو ذلك ، بل بمنزلة شرب الإنسان الدواء الكريه ، وما يدخله على نفسه من المشقة لينال به الراحة .

[ ص: 129 ] فهكذا شرعت الحدود وهكذا ينبغي أن تكون نية الوالي في إقامتها متى كان قصده صلاح الرعية والنهي عن المنكرات بجلب المنفعة لهم ، ودفع المضرة عنهم ، وابتغى بذلك وجه الله تعالى ، وطاعة أمره ألان الله له القلوب ، وتيسرت له أسباب الخير ، وكفاه العقوبة البشرية ، وقد يرضي المحدود ، إذا أقام عليه الحد .

وأما إذا كان غرضه العلو عليهم ، وإقامة رياسته ; ليعظموه أو ليبذلوا له ما يريد من الأموال ، انعكس عليه مقصوده ويروى أن عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه قبل أن يلي الخلافة ، كان نائبا للوليد بن عبد الملك على مدينة النبي صلى الله عليه وسلم وكان قد ساسهم سياسة صالحة ، فقدم الحجاج من العراق وقد سامهم سوء العذاب ، فسأل أهل المدينة عن عمر كيف هيبته فيكم ؟ قالوا : ما نستطيع أن ننظر إليه . قال : كيف محبتكم له ؟ قالوا : هو أحب إلينا من أهلنا قال : فكيف أدبه فيكم ؟ قالوا : ما بين الثلاثة الأسواط إلى العشرة قال : هذه هيبته ، وهذه محبته ، وهذا أدبه ، هذا أمر من السماء .

وإذا قطعت يده حسمت واستحب أن تعلق في عنقه .

التالي السابق


الخدمات العلمية