صفحة جزء
باب في السهو في الصلاة

وقال مالك في إمام سلم من ركعتين فسبحوا به فلم يفقه، فقال له رجل ممن معه في الصلاة: لم تتم. فالتفت إلى القوم فقال: أحق ما يقول هذا؟ قالوا: نعم. قال: يصلي بهم ما بقي من صلاتهم، ويصلي معه بقية صلاتهم الذين تكلموا والذين لم يتكلموا، ويفعلون في ذلك مثل ما فعل النبي -صلى الله عليه وسلم- يوم ذي اليدين.

وقد اختلف في هذه المسألة في ثلاثة مواضع:

أحدها: هل تفسد صلاة من كلم الإمام؟

والثاني: إذا كان الإمام على يقين أنه أتم، هل يرجع إلى قولهم أو ينصرف؟

والثالث: إذا شك، هل يجوز له أن يسألهم، أو يتم ولا يسألهم؟

فقال مالك: تصح صلاة من كلم الإمام; للحديث، كان ذلك في الركعة الثانية أو غيرها.

وقيل: إن تكلم في الثانية صحت، وإن كان ذلك في الأولى أو الثالثة لم تصح; لأن الحديث كان في اثنتين.

وقال ابن كنانة: تبطل صلاة من تكلم في أي ركعة تكلم. قال: وإنما كان ذلك لمن خلف النبي -صلى الله عليه وسلم- خاصة; لأن الفرائض كانت تنسخ والوحي ينزل. [ ص: 499 ]

وهذا يفسد من نفس الحديث; لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- أخبر أنه لم ينسخ؛ لقوله: "ما قصرت" ثم سأل فقال: "أحق ما يقول هذا"؟ فقالوا: نعم. ثم أتم هو ومن معه، فلم تبطل صلاته ولا صلاتهم، ولا فرق بين الثانية وغيرها; لأن كل ذلك مما تدعو إليه الضرورة لإصلاح الصلاة. وفي كتاب مسلم أنه -صلى الله عليه وسلم- تكلم في الثالثة وأتم.

فالإمام بعد إخبارهم على ثلاثة أوجه: إما أن يذكر أنه لم يتم، أو يبقى على يقينه، أو يشك.

فإن تذكر أنه صلى ركعتين أتم ولم يكلمهم. واختلف إذا بقي على يقينه: هل يتم بهم أو ينصرف؟ فذكر ابن القصار عن مالك في ذلك قولين.

وقال محمد بن مسلمة: إن كثر من خلفه صدقهم وأتم بهم، وإن كان الاثنان والثلاثة لم يصدقهم وانصرف وأتموا هم. وهذا أحسنها; لأن الغالب في العدد الكثير أن السهو مع الإمام.

وأما إذا شك الإمام عند قولهم، فالمعروف من المذهب أنه يبني على ما تيقن، ولا يسألهم.

وقال أصبغ في كتاب ابن حبيب: يسألهم، وليس ذلك عنده بمنزلة من شك قبل السلام.

وأجاز محمد بن عبد الحكم أن يسألهم وإن لم يكن سلم، ورأى أن ذلك كله لإصلاح الصلاة، وخارج عن الكلام المنهي عنه، فلا فرق بين أن يكون [ ص: 500 ] قبل السلام أو بعده، ولا تفسد عليه ولا على من كلمه.

وعكسه أن يرى الإمام أنه في ركعتين ويقوم للإتمام، ويرى من خلفه أنه أتم فسبحوا به وأشاروا إليه فلم يفقه، فإنه يكلمه واحد من الجماعة، فإن تذكر أو شك رجع إليهم وسلم. وإن بقي على يقينه وكان معه النفر اليسير أتم صلاته ولم يرجع إلى قولهم.

ويختلف إذا كان معه العدد الكثير، فعلى قول محمد بن مسلمة يرجع إليهم; لأن الغالب أن الوهم معه، وإذا كان له أن يتمادى لقلة من خلفه فإنه يختلف فيمن خلفه: هل يسلمون الآن أو ينتظرونه حتى يتم ثم يسلم بهم ويسجد من خلفه سجود السهو؟ لأنهم على يقين أن الإمام قد سها فزاد الركعتين.

وعلى القول أن الصلاة تبطل إذا زيد فيها مثل نصفها- ينتظرونه ما لم يدخل في السادسة; فيسلمون ولا ينتظرونه.

التالي السابق


الخدمات العلمية