إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
القسم الثاني طهارة الأحداث .

ومنها الوضوء والغسل والتيمم ويتقدمها الاستنجاء .

فلنورد كيفيتها على الترتيب مع آدابها وسننها مبتدئين بسبب الوضوء وآداب قضاء الحاجة إن شاء الله تعالى .

باب آداب قضاء الحاجة .

ينبغي أن يبعد عن أعين الناظرين في الصحراء وأن يستتر بشيء إن وجده وأن لا يكشف عورته قبل الانتهاء إلى موضع الجلوس وأن لا يستقبل الشمس والقمر وأن لا يستقبل القبلة ولا يستدبرها إلا إذا كان في بناء والعدول أيضا عنها في البناء أحب وإن استتر في الصحراء براحلته جاز . وكذلك بذيله وأن يتقي الجلوس في متحدث الناس وأن لا يبول في الماء الراكد ولا تحت الشجرة المثمرة ولا في الجحر وأن يتقي الموضع الصلب ومهاب الرياح في البول استنزاها من رشاشه وأن يتكئ في جلوسه على الرجل اليسرى وإن كان في بنيان يقدم الرجل اليسرى في الدخول واليمنى في الخروج ولا يبول قائما .

قالت عائشة رضي الله عنها : من حدثكم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبول قائما فلا تصدقوه وقال عمر رضي الله عنه : رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أبول قائما فقال : يا عمر لا تبل قائما قال عمر فما بلت قائما بعد وفيه رخصة إذ روى حذيفة رضي الله عنه أنه عليه الصلاة والسلام بال قائما فأتيته بوضوء فتوضأ ومسح على خفيه ولا يبول في المغتسل قال صلى الله عليه وسلم : عامة الوسواس منه وقال ابن المبارك قد وسع في البول في المغتسل إذا جرى الماء عليه ذكره الترمذي وقال عليه الصلاة والسلام لا يبولن أحدكم في مستحمه ثم يتوضأ فيه فإن عامة الوسواس منه وقال ابن المبارك إن كان الماء جاريا فلا بأس به ولا يستصحب شيئا عليه اسم الله تعالى أو رسوله صلى الله عليه وسلم ولا يدخل بيت الماء حاسر الرأس .

وأن يقول عند الدخول بسم الله أعوذ بالله من الرجس النجس الخبيث المخبث الشيطان الرجيم وعند الخروج الحمد لله الذي أذهب عني ما يؤذيني وأبقى علي ما ينفعني ، ويكون ذلك خارجا عن بيت الماء وأن يعد النبل قبل الجلوس وأن لا يستنجي بالماء في موضع الحاجة .


ثم شرع في طهارة الأحداث فقال: (القسم الثاني) في بيان (طهارة الأحداث) هو جمع حدث تقدم بيانه (وفيها) أي يدخل في طهارة الأحداث (الوضوء والغسل والتيمم ويتقدمها) أي تلك الثلاثة (الاستنجاء) وما يتبعه (فنورد) هنا (كيفيتها) أي الأربعة (على الترتيب) المناسب مقدما الأهم فالأهم (مع آدابها وسننها) ولواحق كل من ذلك (مبتدئين بسبب الوضوء وهو قضاء الحاجة إن شاء الله تعالى) وأصل الحاجة الفقر إلى الشيء مع محبته والجمع حاج بحذف الفاء وحاجات وحوائج والمراد بقضائها هنا بلوغها ونيلها، وهو كناية عن إخراج الفضلات الباطنية، ومثله البراز والغائط والخلاء وأشباهها، وظاهر كلام المصنف يقتضي أن الوضوء هو الحدث وذلك; لأنه يتكرر بتكرر الحدث، وهذا قد رده أصحابنا قال الجلال الخبازي في حواشي الهداية: السبب ما يكون مفضيا إلى المسبب، والحدث رافع للوضوء فكيف يكون سببا للوضوء؟ وكذا قول أهل الظاهر إن سبب الوضوء القيام إلى الصلاة لظاهر النص، وهو أيضا فاسد; لأنه صلى الله عليه وسلم صلى خمس صلوات بوضوء واحد، والصحيح عندنا سببه الصلاة، وفي قوله تعالى: إذا قمتم إلى الصلاة الآية تنصيص عليه; لأن الطهارة تضاف إلى الصلاة، والإضافة دليل السببية، ولأن الطهارة شرط الصلاة فوجب أن يكون سبب وجوبها الصلاة لا غير قياسا على سائر الشروط، وهذا لأن شرط الشيء تبع له، وإنما يصير تبعا له إن لو وجب بسببه فلو وجب بسبب آخر يصير تبعا لسببه لا لمشروطه، ولا نسلم بأن الطهارة تتكرر بتكرر الحدث بل بتكرر الصلاة إلا أن تجديد الوضوء لم يجب، وإن تكرر سببه وهو الصلاة; لأن تجديد الوضوء غير مقصود بنفسه، وإنما المقصود حكمه، وهو إباحة الصلاة، فمهما كان المقصود حاصلا كان مستغنيا عن تجديد فعل التوضؤ، كما في استقبال القبلة وستر العورة وتطهير الثوب إذا وجدت هذه الأحوال عند الشروع في الصلاة لا يشترط تجديد هذه الأفعال عند شروعها فكذا هذا فثبت بما ذكرنا أن سبب وجوب الوضوء الصلاة، والحدث شرطه بدلالة النص وصيغته، أما الصيغة فلأنه ذكر الحدث في التيمم الذي هو بدل عن الوضوء، والبدل إنما يجب بما يجب به الأصل، فكان ذكر الحدث في البدل ذكرا في المبدل، وأما الدلالة فقوله تعالى: إذا قمتم أي من مضاجعكم، وهو كناية عن النوم وأنه حدث، وإنما صرح بذكر الحدث في باب الغسل، والتيمم دون الوضوء، والله أعلم، فيعلم أن الوضوء سنة وفرض والحدث شرط لكونه فرضا لا لكونه سنة، فيكون الوضوء على الوضوء نورا على نور، والغسل على الغسل والتيمم على التيمم يكون عبثا، والله الموفق .

(باب آداب قضاء الحاجة)

الآداب جمع أدب، وهو ما فيه زيادة احترام ولا بأس بتركه والآداب مكملة للسنن، كما أن السنن مكملة للواجب، وقضاء الحاجة يعم لما يخرج من القبل والدبر، وقد ذكر المصنف هنا نحوا من اثنين وعشرين أدبا وكلها ماشية على قانون الاتباع قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله فقال: (ينبغي) ، وفي المصباح يقال: ينبغي أن يكون كذا معناه يندب ندبا مؤكدا لا يحسن تركه واستعمال ماضيه مهجور، وقد عدوا ينبغي [ ص: 337 ] من الأفعال التي لا تتصرف فلا يقال: انبغى، وأجازه بعضهم، وحكي عن الكسائي أنه سمع من العرب وما ينبغي أن يكون كذا أي ما يستقيم أو يحسن، فقول المصنف: ينبغي للذاهب إلى قضاء الحاجة صغرى كانت أو كبرى أي يندب ويحسن (أن يبعد عن أعين الناظرين) إليه إذا كان (في الصحراء) وعلم من هذا القيد أنه في البيوت والمنازل لا يشترط ذلك، وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا ذهب المذهب أبعد، كما عند الأربعة في السنن وفسروه بمعنيين أحدهما أبعد نفسه عن الناس لئلا ينظر إليه الناظر فيكون متعديا، والثاني أبعد أي صار بعيدا عن الناس فيكون لازما ومآلها إلى واحد، وفائدة الإبعاد أن لا يرى له شخص ولا يسمع له صوت (و) الثاني (أن يستتر بشيء عند التبرز إن وجده) ; لأن كشف العورة حرام، وهذا أيضا في الصحراء فقد أخرج أبو داود والنسائي من حديث أبي هريرة رفعه: ومن أتى الغائط فليستتر، فإن لم يجد إلا أن يجمع كثيبا من رمل فليستدبره، فإن الشيطان يلعب بمقاعد بني آدم، من فعل فقد أحسن ومن لا فلا حرج (و) الثالث (أن لا يكشف عورته) وهي السرة إلى الركبة على خلاف فيه الأئمة (قبل الانتهاء إلى موضع الجلوس) سواء كان في الصحراء أو في البنيان، ولكن ينبغي أن يشمر ثيابه قبل ذلك ما عدا إزاره، وقد روى أبو داود من طريق الأعمش عن رجل عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد حاجته لا يرفع ثوبه حتى يدنو من الأرض. أخرجه الترمذي أيضا، وقال هو مرسل (و) الرابع (أن لا يستقبل الشمس والقمر) بعورته، فإنه قد ورد أنهما يلعنانه ويشترك فيه الصحراء والبنيان. قاله المحاملي (و) الخامس (أن لا يستقبل القبلة ولا يستدبرها) بعورته لما روي عنه صلى الله عليه وسلم قال: لا تستقبلوا القبلة ولا تستدبروها، ولكن شرقوا أو غربوا (إلا إذا كان في بناء) أي المنازل المبنية، فإنه يجوز عند الشافعي ومالك (والعدول عنهما أيضا في البناء أحب) ، وهو مذهب أبي حنيفة، وفي المدخل لابن الحاج: ما لم يكن في سطح فأجيز، وكره على الاختلاف في التعليل هل النهي إكراما للقبلة فيكره أو إكراما للملائكة فيجوز، وكذلك الجماع إن كان في البيت فيجوز، وإن كان في السطح فيختلف فيه على مقتضى التعليل (وإن استتر في الصحراء براحلة) أي ناقة أو برحلها جاز (وكذلك بذيله) وذلك أن يرخيه على الأرض بأطرافه (و) السادس (أن يتقي الجلوس في متحدث الناس) أي الموضع الذي يجتمع إليه الناس عادة فيتحدثون، فإن ذلك سبب لأذاهم وربما يلعنون من فعل ذلك (و) السابع (أن لا يبول في الماء الراكد) أي الذي لا يجري، وفي معناه التغوط، وإنما خص بلفظ البول موافقة للحديث وذلك لتنجيسه إذا كان دون عشر في عشر عند أبي حنيفة أو دون القلتين، كما عند الشافعي وأحمد، وحمل مالك هذا النهي على التنزيه لا على التحريم; لأن الماء لا ينجس عنده بوصول النجاسة إليه إلا بالتغير كثيرا كان أو قليلا جاريا كان أو راكدا، ولكن ربما تغير الراكد بالبول فيه فيكون الاغتسال به محرما بالإجماع، قال ابن دقيق العيد: وهذا يلتفت إلى حمل اللفظ على معنيين مختلفين وهي مسألة أصولية، وقال المهلب بن أبي صفرة: النهي عن البول في الماء الراكد مردود إلى الأصول، فإن كان كثيرا فالنهي عنه على وجه التنزيه، وإن كان قليلا فعلى الوجوب .

وهل يلحق بالنهي عن البول في الراكد الاستنجاء فيه، لما فيه من تقذيره أولا قال النووي: إن كان قليلا فهو حرام، وإن كان كثيرا فلا; لأنه ليس في معنى البول ولا يقاربه، ولو اجتنب الإنسان هذا كله كان أحسن .

قال العراقي: إن كان أراد الاستنجاء من البول فواضح، وإن أراد من الغائط فعلى عدم الكراهة نظر، خصوصا لمن لم يجففه بالحجر، وقال ابن بطال: لم يأخذ أحد من الفقهاء بظاهر هذا الحديث إلا داود الظاهري، فإنه زعم أن من بال في إناء وصبه فيه كان له ولغيره الوضوء به; لأنه إنما نهي عن البول فيه فقط وصبه للبول من الإناء ليس ببول فيه، وقال ما هو أشنع من هذا: إنه إذا تغوط فيه كان له ولغيره الوضوء به; لأن النهي إنما جاء من البول فيه، وهذا في غاية السقوط، وقد صرح به ابن حزم أيضا، قال صاحب المفهم: ومن التزم هذه الفضائح وجمد هذا الجمود فحقيق أن لا يعد من العلماء بل ولا في الوجود (و) الثامن أن لا يبول [ ص: 338 ] (تحت الشجرة المثمرة) أولا لاجتماع الناس تحت ظلال الأشجار لا سيما في الصيف، وكلما كانت الشجرة قريبة من الطرق المسلوكة كان النهي آكد، وثانيا الأشجار يقصدها الناس لجني ثمارها والانتفاع بها فيكون سببا للأذى بل هو من الملاعن، وفي معنى البول الغائط، وهو أشد (و) التاسع أن لا يبول (في الحجرة) بضم الجيم وسكون الحاء وهي الكوة من الأرض إذا لاقاه برأس الذكر، واختلف إذا بعد عنه فوصل بوله إليه فكره خيفة من حشرات تنبعث عليه منه، وقيل: يباح لبعده عن الحشرات إن كانت فيها وقيل: إنما نهي عن البول في الحجرة لكونها مساكن للجن لما أخرجه أبو داود والنسائي من حديث عبد الله بن سرجس أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يبال في الجحر، قال: قالوا لقتادة: ما يكره من البول في الجحر؟ قال: كان يقال: إنها مساكن الجن، وقد ثبت أن سعد بن معاذ رضي الله عنه أو غيره كان في سفر فبال في كوة فقتله الجني، وأنشد:

نحن قتلنا سيد الخزرج.

والقصة مشهورة (و) العاشر (أن يتقي) في بوله (الموضع الصلب) لئلا يرد عليه (و) الحادي عشر أن يتقي (مهاب الرياح في البول) خاصة (استنزاها من رشاشه) ولما روي أنه صلى الله عليه وسلم قال: استنزهوا من البول، فإن عامة عذاب القبر منه. قال ابن الحاج في المدخل: ويلحق به النهي عن البول في المراحيض التي تبنى في الربوعات بالديار المصرية; لأنهم يعملون السراب متسعا والمراحيض كلها منفذة إليه فيتسع فيه الهواء; لأنه يدخل إليه من بعض المراحيض ويخرج من الأخرى، فالذي يخرج منها هو موضع مهاب الرياح، من يبول فيه يرجع إلى بدنه وثوبه فينبغي أن يمنع، ومن اضطر إلى ذلك ينبغي أن يبول في وعاء، ثم يفرغه في المرحاض فيسلم من النجاسة، وهذا بين (و) الثاني عشر (أن يتكئ في جلوسه على الرجل اليسرى) ويقيم عرقوب رجله اليمنى مع التوكؤ على ركبته اليسرى، فإن هذه الصفات أسرع لخروج الحدث، وقد روى سراقة بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: علمنا إذا أتينا الخلاء أن نتوكأ على اليسرى (و) الثالث عشر (إن كان في بنيان يقدم الرجل اليسرى في الدخول واليمنى في الخروج) على العكس من دخول المسجد والخروج منه ولا يعتبر ذلك في الصحراء. قال الرافعي: اختلف فيه كلام الأصحاب والذي في الوسيط يقتضي الاختصاص بالبنيان، لكن الأكثرون على أنه لا يختص (و) الرابع عشر (أن لا يبول قائما، كما قالت عائشة رضي الله عنها: من حدثكم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يبول قائما فلا تصدقوه) قال العراقي: أخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجه، قال الترمذي: هو أحسن شيء في هذا الباب وأصح ; أي لم يكن مواظبا على ذلك بل كان يتفق منه أحيانا فلم تطلع عليه عائشة رضي الله عنها ولذا أنكرت .

(وقال عمر رضي الله عنه: رآني النبي صلى الله عليه وسلم وأنا أبول قائما فقال: يا عمر لا تبل قائما) قال العراقي: أخرجه ابن ماجه بإسناد ضعيف، ورواه ابن حبان من حديث ابن عمر ليس فيه ذكر لعمر .

(وفيه) أي في البول قائما (رخصة) وجواز على المشهور إذا كان في موضع لا يمكن الاطلاع عليه، وكان الموضع رخوا، فإنه يتشفى به من وجع الصلب (إذ روى حذيفة) بن اليمان رضي الله عنه (أنه صلى الله عليه وسلم بال قائما فأتيته بوضوء فتوضأ ومسح على خفيه) قال العراقي: متفق عليه . قلت: أخرجه الستة بلفظ: أتى سباطة قوم فبال قائما، ثم دعا بماء فمسح على خفيه، قال أبو داود: قال مسدد: قال فذهبت أتباعد فدعاني حتى كنت عند عقبه (و) الخامس عشر أن (لا يبول في المغتسل) ، وهو الموضع الذي يغتسل فيه (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: عامة الوسواس منه) قال العراقي: أخرجه أصحاب السنن من حديث عبد الله بن مغفل قال الترمذي: غريب، قلت: وإسناده صحيح . قلت: ولفظهم: لا يبولن أحدكم في مستحمه، ثم يغتسل فيه، فإن عامة الوسواس منه، وأخرجه أحمد إلا أنه قال: ثم يتوضأ فيه، وأخرج أبو داود والنسائي من حديث حميد بن عبد الرحمن الحميري، قال: لقيت رجلا صحب النبي صلى الله عليه وسلم قال: نهى رسول الله صلى الله لعيه وسلم أن يتمشط أحدنا كل يوم أو يبول في مغتسله (قال ابن المبارك) هو الإمام عبد الله بن المبارك بن واضح الحنظلي [ ص: 339 ] تقدمت ترجمته (إن كان الماء جاريا فلا بأس به) ، وبه قال أبو حنيفة، ونص العوارف يوسع في البول في المستحم إذا جرى فيه الماء . أي فهو مقيد في المستحم، كما يظهر ذلك بالتأمل (و) السادس عشر (أن لا يستصحب) معه عند توجهه إلى الغائط أو البول (شيئا) كالخاتم والدراهم (عليه اسم الله عز وجل و) اسم (رسوله صلى الله عليه وسلم) احتراما، وإن كان خاتمه عليه شيء من ذلك ولم يجد بدا من نزعه قلب فصه إلى باطن الكف ويقبض عليه، وكذلك التمائم والرقى إذا كان عليها غلاف ثقيل من حديد أو نحاس أو غير ذلك فلا بأس به، ثم رأيت الرافعي قال: ومنها أن لا يستصحب شيئا عليه اسم الله تعالى كالخاتم والدراهم التي عليها اسم الله تعالى، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل الخلاء وضع خاتمه; لأنه كان عليه محمد رسول الله. وألحق باسم الله تعالى اسم رسوله صلى الله عليه وسلم تعظيما وتوقيرا له. قال: وكذلك يحترز من استصحاب ما عليه شيء من القرآن، وهل يختص هذا الأدب بالبنيان أم يعم البنيان والصحاري؟ فيه اختلاف للأصحاب ورأيت للصيمري أنه إذا كان على فص الخاتم ذكر الله تعالى قلعه قبل دخول الخلاء أو ضم كفه عليه فيخير بينهما، وكلام غيره يشعر بأنه لا بد من النزع نعم قيل: إنه لو غفل عن النوع حتى اشتغل بقضاء الحاجة ضم كفه عليه حتى لا يظهر (و) السابع عشر أن (لا يدخل بيت الماء) أي المستحم أو المرحاض (حاسر الرأس) أي كاشفه فلا يدخل إلا مغطيا رأسه، وكذلك عند الجماع (و) الثامن عشر (أن يقول) بالتعوذ الوارد (عند الدخول) أي عند إرادته (بسم الله أعوذ بالله من الخبيث المخبث الشيطان الرجيم) ، وفي المدخل لابن الحاج أعوذ بالله من الخبث والخبائث النجس الرجس الشيطان الرجيم، وأخرج الجماعة من حديث أنس: كان إذا دخل الخلاء قال: اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث. هذا لفظ حماد بن زيد، ولفظ عبد الوارث بن سعيد: أعوذ بالله والباقي سواء، وأخرج أصحاب السنن الأربعة من حديث زيد بن أرقم رفعه: إن هذه الحشوش محتضرة، فإذا أتى أحدكم الخلاء فليقل: أعوذ بالله من الخبث والخبائث، وقال الترمذي: حديث أنس أصح وحديث زيد بن أرقم في إسناده اضطراب، قلت: قول المصنف عند الدخول: لم أر العندية في واحد من الصحيحين، وإنما علق البخاري للإرادة والذي اتفقا عليه بلفظ كان إذا دخل، وفي رواية هشيم عند مسلم: الكنيف بدل الخلاء، وأخرجه البيهقي من طريق مسدد بلفظ: إذا أراد دخول الخلاء، وأما قوله: بسم الله فأخرجه الطبراني في الدعاء من حديث قتادة عن أنس رفعه: إن هذه الحشوش محتضرة، فإذا دخل أحدكم الخلاء فليقل: بسم الله اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث، وأخرجه الدارقطني في الأفراد، وقال: تفرد به عدي بن أبي عمارة عن قتادة، وقال الطبراني: لم يقل فيه: بسم الله إلا عدي عن قتادة، وأخرج ابن ماجه من حديث علي رفعه: ستر ما بين الجن وعورات بني آدم أن يقول إذا دخل الكنيف: بسم الله، وأما بقية الزيادات التي في سياق المصنف فأخرج الطبراني في الدعاء من حديث ابن عمر وأنس رفعاه: كان إذا دخل الخلاء قال: اللهم إني أعوذ بك من الرجس النجس الخبيث المخبث الشيطان الرجيم، وأخرج ابن السني حديث أنس مثله، وأخرجه أبو نعيم كذلك إلا أنه زاد في أوله بسم الله وهذه الرواية أقرب ما يكون إلى سياق المصنف، وكذلك ما رواه الطبراني في الدعاء من حديث أبي أمامة رفعه: لا يعجزن أحدكم إذا دخل مرفقه أن يقول: اللهم إني أعوذ بك من الرجس النجس الخبيث المخبث الشيطان الرجيم، وقد أخرجه ابن ماجه أيضا (و) التاسع عشر أن يقول (عند الخروج) من قضاء الحاجة (الحمد لله الذي أذهب عني ما يؤذيني وأبقى علي ما ينفعني، ويكون ذلك خارجا عن بيت الماء في موضع الحاجة) وهذه الزيادة وجدت في بعض النسخ وسقطت من أكثرها، والدعاء المذكور أخرجه الطبراني في الدعاء من طريق سلمة بن وهرام عن طاوس رفعه، فذكر حديثا في أدب الخلاء وفيه، ثم ليقل إذا خرج: الحمد لله الذي إلخ مثل سياق المصنف، قال الطبراني: لم نجد من وصل هذا الحديث، قال الحافظ: وفيه مع إرساله ضعف، وأخرج الأربعة من حديث عائشة رفعه: كان إذا خرج من الغائط قال: غفرانك. [ ص: 340 ] وقال الترمذي: غريب حسن ، وفي الباب حديث أبي ذر: كان صلى الله عليه وسلم إذا خرج من الخلاء قال: الحمد لله الذي أذهب عني الأذى وعافاني. وحديث أنس بن مالك مثله، وفي لفظ: الحمد لله الذي أحسن إلي، في أوله وآخره، وحديث ابن عمر رفعه: كان إذا خرج قال: الحمد لله الذي أذاقني لذته وأبقى في قوته، وأذهب عني أذاه، وأخرج ابن أبي الدنيا في كتاب الشكر والخرائطي في باب فضيلة الشكر من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن نوحا عليه السلام لم يقم عن خلاء قط إلا قال: الحمد لله الذي أذاقني لذته وأبقى منفعته في جسدي، وأخرج عني أذاه (و) العشرون (أن يعد الحجر) أي يهيئه للاستنجاء (قبل الجلوس) في المرحاض، وكذلك الماء لمن جمع بينهما، وقد ورد: اتقوا الملاعن الثلاث وأعدوا النبل وهي أحجار الاستنجاء، والمعنى من خوف الانتشار لو طلبها بعد قضاء الحاجة (و) الحادي والعشرون (أن لا يستنجي بالماء في موضع) قضاء (الحاجة) لئلا يتطاير إليه شيء من النجاسة، وهذا إذا كان الموضع المعد للغائط قريبا ولا مسلك له فأما المراحيض التي تبنى الآن بالديار المصرية وغيرها فيباح ذلك; لأن فيه حرجا ومشقة، ثم رأيت النووي نبه على ذلك في تحقيق المنهاج فقال: هذا في غير الأخلية المتخذة لذلك، أما الأخلية فلا ينتقل فيها للماء; لأنه لا يناله رشاش .

التالي السابق


الخدمات العلمية