إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
ولا يوضع على الخبز قصعة ولا غيرها إلا ما يؤكل به قال صلى الله عليه وسلم : " أكرموا الخبز فإن الله تعالى أنزله من بركات السماء "
(ولا يوضع على الخبز قصعة ولا) غيرها، فإنه إهانة للخبز (إلا ما يؤكل به) من الأدم فإنه لا بأس بذلك، (قال -صلى الله عليه وسلم-: " أكرموا الخبز فإن الله أنزله من بركات السماء ") يعني: المطر، وأخرجه من بركات الأرض يعني: من نباتها، وذلك لأن الخبز غذاء البدن، والغذاء قوام الروح، وقد شرفه الله وجعله من أشرف الأرزاق نعمة منه، فمن تهاون به فوضع عليه غير إدامه فقد سخط النعمة وكفرها، فإذا جفاها نفرت، وإذا نفرت لم تكد ترجع. رواه هكذا الحكيم الترمذي في نوادر الأصول عن الحجاج بن علاط بن [ ص: 220 ] خالد بن نويرة السلمي البهزي، وهو والد نصر الذي نفاه عمر من المدينة لحسنه .

ورواه ابن منده في تاريخ الصحابة، والمخلص والبغوي عن عبد الله بن بريدة، عن أبيه. وكذا رواه أبو نعيم في المعرفة والحلية، ورواه ابن الجوزي في الموضوعات، وتبعه السيوطي. والحق أن طرق هذا الحديث كلها ضعيفة مضطربة، وبعضها أشد في الضعف من بعض، ولكن له شواهد: فالحكم عليه بالوضع غير جيد، فمن تلك الشواهد ما رواه الطبراني في الكبير عن أبي سكينة نزيل حمص: " أكرموا الخبز فإن الله أكرمه، فمن أكرم الخبز أكرمه الله تعالى". وفي بعض نسخ الطبراني: " فمن أكرم الخبز فقد أكرم الله تعالى ". وفيه خلف بن يحيى وهو ضعيف. ومنها ما رواه الطبراني أيضا وعنه أبو نعيم في " الحلية " من طريق إبراهيم بن أبي علية قال: سمعت عبد الله بن أبي حرام يقول: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أكرموا الخبز فإن الله سخر له بركات السماوات والأرض ". وفيه غياث بن إبراهيم وضاع. وفي بعض رواياته: " فإنه من بركات السماء والأرض " ورواه البزار نحو ذلك بزيادة فيه، ومنها ما رواه ابن قتيبة في كتاب تفضيل العرب من طريق ميمون بن مهران عن ابن عباس قال: لا أعلم إلا أنه رفعه قال: " أكرموا الخبز فإن الله سخر له السماوات والأرض ". ومنها ما يروى عن ابن عباس أيضا مما رفع: ما استخف قوم بحق الخبز إلا ابتلاهم الله بالجوع، ومنها ما رواه المخلص وتمام وغيرهما من حديث نمير بن الوليد بن نمير بن أوس الدمشقي عن أبيه عن جده عن أبي موسى الأشعري رفعه: " أكرموا الخبز فإن الله سخر له بركات السماوات والأرض والحديد والبقر وابن آدم". وأعظم الشواهد حديث عائشة : " أكرموا الخبز.. " قد تقدم ذكره، وأنه رواه الحاكم في المستدرك، والبيهقي في السنن، قال الحاكم : صحيح الإسناد عن عائشة . قال الحافظ ابن حجر: فهذا شاهد صالح، وقد علم مما تقدم أن المراد بإكرام الخبز عدم وضع شيء عليه كالقصعة ونحوها .

وأخرج الترمذي عن الثوري أنه كان يكره وضع القصعة على الخبز، وقيل: معناه أن لا يطرح على الأرض تهاونا به، ومنه قول بعضهم: الخبز يباس ولا يداس، وقال آخر: الحنطة إذا ديست اشتكت إلى ربها ومنها يكون القحط، ونقل القطب الشعراني قدس سره عن بعض مشايخ الزوايا بالقرافة أنه كان تدخل له من معلوم الزاوية كل سنة الحنطة، فكان يأمر الصوفية ذلك اليوم أن يلقطوها من الأرض مما يتناثر من التراسين حتى لا تداس ويقول: هو إكرام لها، وإن فعلهم هذا بهذه النية هو عين الذكر، هكذا أو بمعناه. وفي قول المصنف إلا ما يؤكل به فيه رد على من زعم أنه لا يجوز وضع اللحم والإدام فوق الخبز نظرا لظاهر الحديث، فقد ورد أن النبي -صلى الله عليه وسلم- وضع تمرة على كسرة، وقال: هذه إدام هذه لكن قد يقال: إن التمر لا يلوث ولا يغير، وأما اللحم والسمك يلونان الخبز ويغيرانه، فليحذر من ذلك .

التالي السابق


الخدمات العلمية