إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
آفات النكاح .

أما آفات النكاح فثلاث .

الأولى : وهي أقواها العجز عن طلب الحلال فإن ذلك لا يتيسر لكل أحد لا سيما في هذه الأوقات مع اضطراب المعايش فيكون النكاح سببا في التوسع للطلب والإطعام من الحرام وفيه هلاكه وهلاك أهله والمتعزب في أمن من ذلك وأما المتزوج ففي الأكثر يدخل في مداخل السوء فيتبع هوى زوجته ويبيع آخرته بدنياه .

وفي الخبر : " إن العبد ليوقف عند الميزان وله من الحسنات أمثال الجبال فيسأل عن رعاية عائلته والقيام بهم وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه حتى يستغرق بتلك المطالبات كل أعماله فلا تبقى له حسنة فتنادي الملائكة هذا الذي أكل عياله حسناته في الدنيا وارتهن اليوم بأعماله .

ويقال : إن أول ما يتعلق بالرجل في القيامة أهله وولده فيوقفونه بين يدي الله تعالى ويقولون يا : ربنا خذ لنا بحقنا منه فإنه ما علمنا ما نجهل وكان يطعمنا الحرام ونحن لا نعلم فيقتص لهم منه .

وقال بعض السلف إذا أراد الله بعبد شرا سلط عليه في الدنيا أنيابا تنهشه يعني العيال .

وقال صلى الله عليه وسلم : " لا يلقى الله أحد بذنب أعظم من جهالة أهله .

فهذه آفة عامة قل من يتخلص منها إلا من له مال موروث أو مكتسب من حلال يفي به وبأهله وكان له من القناعة ما يمنعه من الزيادة فإن ذاك يتخلص من هذه الآفة أو من هو محترف ومقتد على كسب حلال من المباحات باحتطاب أو اصطياد أو كان في صناعة لا تتعلق بالسلاطين ويقدر على أن يعامل به أهل الخير ومن ظاهره السلامة وغالب ماله الحلال وقال ابن سالم رحمه الله وقد سئل عن التزويج فقال : هو أفضل في زماننا هذا لمن أدركه شبق غالب مثل الحمار يرى الأتان فلا ينتهي عنها بالضرب ولا يملك نفسه فإن ملك نفسه فتركه أولى .


أما آفات النكاح فثلاث:

الآفة ( الأولى: وهي أقواها العجز عن طلب الحلال) من مظانه، ( فإن ذلك لا يتيسر لكل أحد لا سيما في هذه الأوقات) يشير بذلك إلى زمانه الذي ألف فيه كتابه هذا ، وهو سنة 495. ( مع اضطراب المعاش) وفساد أحواله ( فيكون سببا) قويا ( للتوسع في طلب) من هنا ومن هنا ( و) يلزم منه ( الإطعام من الحرام) أو شبهة الحرام ( وفيه هلاكه) الأبدي ( وهلاك أهله) أي: أهلك نفسه وأهلك غيره، ( والمتعزب) المنفرد ( في أمن من ذلك) ، فإنه ليس وراءه من يكلفه لذلك ( وأما المتزوج ففي الأكثر) والأغلب ( يدخل في مداخل السوء) ومواضع الشر ( فيتبع هوى زوجته) في جميع ما تطالبه من ملبس ومطعم زيادة على الحد ( ويبيع) لأجل ذلك ( آخرته بدنياه) بالثمن القليل ، فحاله كما قال القائل ، وهو ابن المبارك وقد قيل له: كيف أنت ؟ فقال:


نرفع دنيانا بتمزيق ديننا فلا ديننا يبقى ولا ما نرفع



( وفي الخبر: "إن العبد ليتوقف عند الميزان وله من الحسنات أمثال الجبال) في الكثرة ( فيسأل عن رعاية عياله والقيام بهن و) يسأل أيضا ( عن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه حتى يستغرق بتلك المطالبات كل أعماله فلا تبقى حسنة فتنادي الملائكة) على رؤوس الخلائق ( هذا الذي أكل عياله حسناته في الدنيا وارتهن اليوم بأعماله) نقله صاحب "القوت " ، قال العراقي : لم أقف له على أصل. اهـ .

قلت: أما السؤال عن المال من أين اكتسبه وفيما أنفقه وارد في الأخبار .

( ويقال: إن أول من يتعلق بالرجل في القيامة أهله وولده فيوقفونه بين يدي الله تعالى ويقولون: ربنا خذ لنا بحقنا منه ما علمنا ما نجهل) أي: من الأمور الدينية الضرورية، ( وكان يطعمنا الحرام ونحن لا نعلم فيقتص لهم منه) كذا في "القوت ". ( وقال بعض السلف إذا أراد الله بعبد شرا سلط عليه في الدنيا أنيابا) جمع الناب وهو الذي يلي الرباعيات من الأسنان ( تنهشه) أي: تعضه ( يعني العيال) كذا في "القوت " .

( وقال -صلى الله عليه وسلم- : " لا يلقى الله تعالى أحد بذنب أعظم من جهالة أهله) قال العراقي : ذكره صاحب الفردوس من حديث أبي سعيد ولم يجده ولده أبو منصور في مسنده .

( فهذه آفة قل من يتخلص منها إلا من له مال موروث) من جهة مورثيه ( أو كسب) معلوم ( من حلال بقي به وبأهله) دخلا وخرجا ( وكان له من القناعة ما يمنعه عن الزيادة) في المصاريف ( فإن [ ص: 318 ] ذاك يتخلص من هذه الآفة أو من هو محترف) أي: صاحب حرفة (ومقتدر) أي: ذو قدرة (على كسب حلال من المباحات باصطياد واحتطاب) واحتشاش ونحو ذلك، (أو كان في صناعة لا تتعلق بالسلاطين) ، ومن في حكمهم (ويقدر على أن يعامل أهل الخير) والصلاح، (ومن ظاهره السلامة وغالب ماله الحلال) .

قال صاحب "القوت ": (وقال) شيخنا أبو الحسن علي (بن سالم) هو البصري صاحب سهل بن عبد الله التستري رحمهما الله تعالى (وقد سئل في التزويج) في زماننا هذا فذكر ضيق المكاسب وقلة الحلال وكثرة فساد النساء فكرهه لأهل الورع وأمر بالمدافعة فأعيد القول في ذلك ، فقال: أخاف أنه يدخل العبد في المعاصي من دخول الآفات عليه في المكاسب المحرمة ومن الأكل بالدين والتصنع للخلق فلا يصلح التزويج ، ثم أعيد القول في ذلك (فقال: هو أفضل في زماننا هذا) أي: لا يصلح إلا (لمن أدركه شبق) أي: انتشار شهوة (مثل) ما يدرك (الحمار يرى الأتان) أي أمثاله لم يملك نفسه أن يثب عليها حتى يضرب رأسه فلا ينتهي عنها بالضرب ولا يملك نفسه، (فإن الإنسان إذا) كان على مثل هذا الوصف كان التزويج له أفضل ، وأما (من ملك نفسه فتركه أولى) وأروح .

التالي السابق


الخدمات العلمية