الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وفي الصبر على ذلك رياضة النفس وكسر الغضب .

وتحسين الخلق ، فإن المنفرد بنفسه أو المشارك لمن حسن خلقه لا تترشح منه خبائث النفس الباطنة ولا تنكشف بواطن عيوبه فحق على سالك الطريق الآخرة أن يجرب نفسه بالتعرض لأمثال هذه المحركات واعتياد الصبر عليها لتعتدل أخلاقه وترتاض نفسه ويصفو عن الصفات الذميمة باطنه والصبر على العيال مع أنه رياضة ومجاهدة تكفل لهم وقيام بهم وعبادة في نفسها فهذه أيضا من الفوائد ولكنه لا ينتفع بها إلا أحد رجلين : إما رجل قصد المجاهدة والرياضة وتهذيب الأخلاق لكونه في بداية الطريق فلا يبعد أن يرى هذا طريقا في المجاهدة وترتاض به نفسه .

وإما رجل من العابدين ليس له سير بالباطن وحركة بالفكر والقلب وإنما عمله عمل الجوارح بالصلاة أو حج أو غيره فعمله لأهله وأولاده بكسب الحلال لهم والقيام بتربيتهم أفضل له من العبادات اللازمة لبدنه التي لا يتعدى خيرها إلى غيرها فأما الرجل المهذب الأخلاق إما بكفاية في أصل الخلقة أو بمجاهدة سابقة إذا كان له سير في الباطن وحركة بفكر القلب في العلوم والمكاشفات فلا ينبغي أن يتزوج لهذا الغرض فإن الرياضة هو مكفي فيها .

وأما العبادة في العمل بالكسب لهم فالعلم أفضل من ذلك لأنه أيضا عمل وفائدته أكثر من ذلك وأعم وأشمل لسائر الخلق من فائدة الكسب على العيال فهذه فوائد النكاح في الدين التي بها يحكم له بالفضيلة .

التالي السابق


( وفي الصبر على ذلك رياضة النفس) وتهذيبها ودفع رعونتها ( وكسر) سورة ( الغضب وتحسين الخلق ، فإن المنفرد بنفسه والمشارك لمن حسن خلقه لا تترشح منه خبائث باطنة) فإنها مخبرة ( ولا تنكشف بواطن عيوبه) مع عدم الإثارة والاختيار، ( فحق على سالك طريق الآخرة أن يجرب نفسه بالتعرض لأمثال هذه المحركات) والمثيرات ( واعتياد الصبر عليها) بتمرين النفس ( لتعتدل أخلاقه) بميزان أهل السلوك ، ( وترتاض نفسه) وتتهذب ( ويصفو عن الصفات الذميمة) المكتومة ( باطنة) وهو نافع في السير جدا (والصبر على العيال) واحتمال مؤنهم (مع أنه رياضة ومجاهدة) باطنية ( تكفل لهم وقيام بهم) بالرعاية والولاية ( وعبادة في نفسها فهذه أيضا من الفوائد) المتعلقة بالنكاح، ( ولكنه لا ينتفع بها) أي بهذه الفائدة ( إلا أحد رجلين: إما رجل قصد) في نفسه ( المجاهدة والرياضة وتهذيب الأخلاق لكونه في بداية الطريق) أي: في بداية سلوكه ( فلا يبعد أن يرى هذا طريقا في المجاهدة) [ ص: 317 ] موصلة إلى حال ( وترتاض به نفسه) وتزكو ، ( وإما رجل من العابدين) أي من المشتغلين بالعبادة الظاهرة، ( ليس له سير بالباطن) بالترقيات من حال إلى حال ( و) لا ( حركة بالفكرة والقلب) وذلك بالمراقبة والمرابطة ( وإنما عمله عمل الجوارح بصلاة) أو صوم ( أو حج أو غيره لعمله لأهله) بكسب الحلال لهم من حيث تيسر (والقيام بتربيتهم) وإصلاح شأنهم ( أفضل له من العبادات اللازمة لبدنه التي لا يتعدى خيرها) أي: لا يتجاوز ( إلى غيره) ، والأولى عبادة متعدية، ( فأما الرجل المهذب الأخلاق) الصافي الأسرار ( إما بكفاية) إلهية ( في أصل الخلق) الذي جبل عليه ( أو) حصله ( بالمجاهدة السابقة) قبل التزوج ( إذا كان له سير في الباطن وحركة بفكر القلب في العلوم) الباطنة ( المكاشفات) بإرشاد المرشد الكامل ، ( فلا ينبغي له أن يتزوج لهذا الغرض) وبهذه النية ، ( فإن الرياضة هو مكفي فيها) لا يحتاج إليها ( وأما العبادة بالعمل في الكسب لها فالعلم أفضل من ذلك) أي: الاشتغال به ( لأنه أيضا عمل ففائدته أعم وأشمل) أي: أجمع ( لسائر الخلق من فائدة الكسب على العيال) وهي عامة أيضا إلا أن عموم فائدة العلم أكثر وأقوى .

( فهذه فوائد النكاح في الدين التي يحكم له بالفضيلة) وما عداها مما لم يذكر عائد عليها .




الخدمات العلمية