إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
وقد قال صلى الله عليه وسلم : بر الوالدين أفضل من الصلاة والصدقة والصوم والحج والعمرة والجهاد في سبيل الله .

وقد قال صلى الله عليه وسلم : من أصبح مرضيا لأبويه أصبح له بابان مفتوحان إلى الجنة ومن أمسى فمثل ذلك وإن كان واحدا فواحدا وإن ظلما وإن ظلما وإن ظلما .

ومن أصبح مسخطا لأبويه أصبح له بابان مفتوحان إلى النار ومن أمسى مثل ذلك وإن كان واحدا فواحدا وإن ظلما ، وإن ظلما ، وإن ظلما
.

وقال صلى الله عليه وسلم : إن الجنة يوجد ريحها من مسيرة خمسمائة عام ولا يجد ريحها عاق ولا قاطع رحم .

وقال صلى الله عليه وسلم : بر أمك وأباك وأختك وأخاك ثم أدناك فأدناك .

ويروى أن الله تعالى قال لموسى عليه السلام : يا موسى إنه من بر والديه وعقني كتبته بارا ، ومن برني وعق والديه كتبته عاقا .

وقيل : لما دخل يعقوب على يوسف عليهما السلام لم يقم له فأوحى الله إليه : أتتعاظم أن تقوم لأبيك ؟! وعزتي وجلالي لا أخرجت من صلبك نبيا .

وقال صلى الله عليه وسلم : ما على أحد إذا أراد أن يتصدق بصدقة أن يجعلها لوالديه إذا كانا مسلمين فيكون لوالديه أجرها ويكون له مثل أجورهما من غير أن ينقص من أجورهما شيء .

وقال مالك بن ربيعة بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاءه رجل من بني سلمة فقال : يا رسول الله ، هل بقي علي من بر أبوي شيء أبرهما به بعد وفاتهما ؟ قال : نعم ؛ الصلاة عليهما والاستغفار لهما وإنفاذ عهدهما وإكرام صديقهما وصلة الرحم التي لا توصل إلا بهما .

وقال صلى الله عليه وسلم : إن من أبر البر أن يصل الرجل أهل ود أبيه بعد أن يولي الأب .


(وقال -صلى الله عليه وسلم-: بر الوالدين أفضل من الصلاة والصوم والحج والعمرة والجهاد في سبيل الله تعالى) .

قال العراقي: لم أجده هكذا، وروى أبو يعلى والطبراني في الصغير والأوسط من حديث أنس: أتى رجل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: إني أشتهي الجهاد ولا أقدر عليه، قال: هل بقي من والديك أحد؟ قال: أمي، قال: قابل الله في برها، فإذا فعلت ذلك فأنت حاج ومعتمر ومجاهد" وإسناده حسن اهـ .

قلت: ولفظ الطبراني في الأوسط "هل بقي أحد من والديك؟ قال: أمي، قال: قابل الله في برها فإذا فعلت ذلك فأنت حاج ومعتمر ومجاهد، وإذا رضيت عليك أمك فاتق الله وبرها" وفي المصنف لابن شيبة عن الحسن مرسلا "بر الوالدين يجزي عن الجهاد .

(وقال -صلى الله عليه وسلم-: من أصبح مرضيا لأبويه أصبح له بابان مفتوحان إلى الجنة) وفي رواية من الجنة (ومن أمسى مثل ذلك وإن كان واحدا فواحد) وفي رواية: فواحدا؛ أي: فكان الباب المفتوح واحدا (ومن أصبح مسخطا لأبويه أصبح له بابان مفتوحان إلى النار) وفي رواية: من النار (ومن أمسى مثل ذلك وإن كان واحدا فواحد) وفي رواية: فواحدا، قال رجل: وإن ظلما؟ قال: (وإن ظلما، وإن ظلما، وإن ظلما) قال الطيبي: أراد بالظلم ما يتعلق بالأمور الدنيوية لا الأخروية .

قال العراقي: رواه البيهقي في الشعب من حديث ابن عباس ولا يصح اهـ .

قلت: ورواه ابن [ ص: 315 ] عساكر في التاريخ قال في اللسان: رجاله ثقات أثبات غير عبد الله بن يحيى السرخسي فقد اتهمه ابن عدي بالكذب ولفظه: "من أصبح مطيعا لله في والديه أصبح له بابان مفتوحان من الجنة وإن كان واحدا فواحدا، ومن أمسى عاصيا لله في والديه أصبح له بابان مفتوحان من النار وإن كان واحدا فواحدا، قال الرجل: وإن ظلماه؟! قال: وإن ظلماه، وإن ظلماه، وإن ظلماه". ورواه الديلمي أيضا من حديثه وهو في الأفراد للدارقطني من حديث زيد بن أرقم بلفظ: "من أصبح والداه راضيين عنه أصبح وله بابان مفتوحان من الجنة، ومن أمسى ووالداه راضيين عنه أمسى وله بابان مفتوحان من الجنة، ومن أصبح ساخطين عليه أصبح له بابان مفتوحان من النار، ومن أمسيا ساخطين عليه أمسى له بابان مفتوحان من النار وإن كان واحدا فواحد، فقيل: وإن ظلماه؟ قال: وإن ظلماه وإن ظلماه".

(وقال -صلى الله عليه وسلم-: إن الجنة يوجد ريحها من مسيرة خمسمائة عام ولا يجد ريحها عاق) أي: لوالديه (ولا قاطع رحم) .

قال العراقي: رواه الطبراني في الصغير من حديث أبي هريرة دون ذكر القاطع وهي في الأوسط من حديث جابر إلا أنه قال: من مسيرة ألف عام، وإسنادهما ضعيف .

(وقال -صلى الله عليه وسلم-: بر أمك وأباك وأختك وأخاك ثم أدناك فأدناك) .

قال العراقي: رواه النسائي من حديث طارق المحاربي وأحمد والحاكم من حديث أبي رمثة، ولأبي داود نحوه من حديث كليب بن منقعة عن جده، وله وللترمذي والحاكم وصححه من حديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جده: من أبر؟ قال: أمك ثم أمك ثم أمك ثم أباك ثم الأقرب فالأقرب. وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة "قال رجل: من أحق الناس بحسن الصحبة؟ قال: أمك ثم أمك ثم أمك ثم أبوك" لفظ مسلم اهـ .

قلت: ولفظ البخاري "جاء رجل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله، من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أبوك" هكذا رواه من طريق أبي زرعة بن عمرو بن جرير عن أبي هريرة وأخرجه ابن ماجه بنحوه .

وأما حديث كليب بن منقعة فلفظه عند أبي داود "أنه أتى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله، من أبر؟ قال: أمك وأباك وأختك وأخاك ومولاك الذي يلي ذلك حق واجب ورحم موصولة" ذكره البخاري في تاريخه الكبير تعليقا، وقال ابن أبي حاتم: كليب بن منقعة قال: أتى جدي النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: من أبر؟ مرسل، قال بعض العلماء: ينبغي أن يكون للأم ثلاثة أمثال ما للأب لأنه -صلى الله عليه وسلم- كرر الأم ثلاث مرات، وذكر الأب في المرة الرابعة فقط، وإذا تؤمل هذا المعنى شهد له العيان؛ وذلك أن صعوبة الحمل وصعوبة الوضع وصعوبة الرضاع والتربية تنفرد بها الأم وتشقى بها دون الأب فهذه ثلاث منازل يخلو منها الأب، وقيل: للأم ثلثا البر وللأب الثلث ووجهه الحديث الذي ذكر فيه حق الأم مرتين والأب مرة .

وروي هذا عن الليث بن مسعود وذكر المحاسبي أن تفضيل الأم على الأب في البر هو إجماع العلماء، وفيه تنزيل الناس منازلهم وأنه يوفي كل أحد حقه على قدر قرباه وحرمته ورحمه .

(وروي أن الله تعالى أوحى إلى موسى -عليه السلام-: يا موسى إنه من بر والديه وعقني كتبته) عندي (بارا، ومن برني وعق والديه كتبته) عندي (عاقا) وهذا يدل على أن حقوق الله تعالى مبنية على المسامحة (وقيل: لما دخل يعقوب على) ابنه (يوسف عليه السلام) بمصر (لم يقم له) يوسف (فأوحى الله تعالى إليه: أتتعاظم أن تقوم لأبيك؟! وعزتي وجلالي لا أخرجت من صلبك نبيا) لكن أخرج الشيخ عن ثابت البناني قال: لما قدم يعقوب على يوسف تلقاه يوسف على العجل ولبس حلية الملوك وتلقاه فرعون إكراما ليوسف، فقال يوسف لأبيه: إن فرعون قد أكرمنا فقل له، فقال له يعقوب: لقد بوركت يا فرعون .

وأخرج أيضا عن سفيان الثوري قال: لما التقى يوسف ويعقوب عانق كل واحد منهما صاحبه وبكى، فقال يوسف: يا أبت بكيت علي حتى ذهب بصرك، ألم تعلم أن القيامة تجمعنا؟ قال: بلى يا بني ولكن خشيت أن تسلب دينك فيحال بينك وبيني .

(وقال -صلى الله عليه وسلم-: ما على أحد) وفي رواية: "ما على أحدكم يقال لمن أمهل شيئا أي: غفل عنه وقصر فيه: ما عليه لو فعل كذا ولو كان كذا؛ أي: أي شيء يلحقه من الضرر أو العيب أو العار ونحو ذلك لو فعل كذا؟ فكأنه استفهام يتضمن [ ص: 316 ] تنبيها وتوبيخا (إذا أراد أن يتصدق بصدقة) وفي رواية: أن يتصدق لله صدقة تطوعا (أن يجعلها لوالديه) أي: أصليه وإن عليا، وفي رواية عن والديه (إذا كانا مسلمين) خرج الكافران (فيكون لوالديه أجرها ويكون له مثل أجورهما من غير أن ينقص من أجورهما شيء) وفي رواية بعد أن لا ينقص من أجورهما شيئا .

قال العراقي: رواه الطبراني في الأوسط من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده بسند ضعيف دون قوله "إذا كانا مسلمين" اهـ .

قلت: وقد أخرجه ابن عساكر وابن النجار في تاريخهما بلفظ المصنف .

(قال مالك بن ربيعة) بن البدري وأبو أسيد الساعدي مشهور بكنيته شهد بدرا وغيرها قال المدائني: وهو آخر البدريين موتا، قيل: سنة ثلاثين، وقيل: تأخر بعدها (بينما نحن عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذ جاءه رجل من بني سلمة) بفتح السين وكسر اللام، قبيلة من الأنصار (فقال: يا رسول الله، هل بقي من بر والدي) أي: أبي وأمي (شيء أبرهما به بعد وفاتهما؟ قال: نعم؛ الصلاة عليهما) أي: الدعاء لهما (والاستغفار لهما وإنفاذ عهدهما) من بعدهما هو أن يكون بينهما وبين أحد عهد في معونة وبر ولم يتمكنا من ذلك حتى ماتا فيقوم الولد به بعدهما (وإكرام صديقهما وصلة الرحم التي لا توصل إلا بهما) .

قال العراقي: رواه أبو داود وابن ماجه والحاكم وقال: صحيح الإسناد اهـ .

قلت: لكن في سياق أبي داود وتأخير قوله وإكرام صديقهما بعد قوله: "ولا توصل إلا بهما" .

(وقال -صلى الله عليه وسلم-: إن أبر البر) وفي رواية: "إن من أبر البر" أي: الإحسان؛ أي: جعل البر بارا؛ فبناء أفعل التفضيل منه، وإضافته إلى مجاز وإن المراد منه: أفضل البر؛ فأفعل التفضيل للزيادة المطلقة، وقال الأكمل: أبر البر من قبيل "جل جلاله وجد جده" يجعل الجد جادا وإسناد الفعل إليه (أن يصل الرجل أهل ود أبيه) بضم الواو وبمعنى المودة (بعد أن يولي الأب) أي: يدبر بموت أو سفر، قال التوربشتي: وقد تخبط الناس في ضبط يولي، والذي أعرفه أن الفعل مسند إلى الأب؛ أي: بعد أن يغيب أبوه أي: يموت، والمعنى أن من جملة المبرات الفضلى مبرة الرجل أحباء أبيه؛ فإن مودة الآباء قرابة الأبناء؛ أي: إذا غاب أبوه أو مات يحفظ أهل وده ويحسن إليهم؛ فإنه من تمام الإحسان إلى الأب .

وفي شرح الترمذي للعراقي: إنما جعله أبر البر أو من أبر البر؛ لأن الوفاء بحقوق الوالدين والأصحاب بعد موتهم أبلغ؛ لأن الحي يجامل والميت لا يستحيا منه ولا يجامل إلا محسن العهد، ويحتمل أن أصدقاء أبيه كانوا مكفيين في حياته بإحسانه إليهم وانقطع بعد موته فأمر بصلته، قال العراقي: رواه مسلم من حديث ابن عمر اهـ .

قلت: لفظ أبي داود "أبر البر صلة المرء أهل ود أبيه بعد أن يولي" وأخرجه كذلك أحمد والترمذي قالوا: مر بابن عمر أعرابي وهو راكب حمارا فقال: ألست ابن فلان؟ قال: بلى، فأعطاه حماره وعمامته، فقيل له فيه فقال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: .. فذكره. وفي رواية لمسلم عنه "أعطاه حمارا كان يركبه وعمامة كانت على رأسه، فقالوا له: أصلحك الله؛ إنهم الأعراب وإنهم يرضون باليسير، فقال: إن أبا هذا كان ودا لعمر، وإني سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول. فذكره .

وأخرج الطبراني في الأوسط من حديث أنس في البر أن تصل صديق أبيك .

التالي السابق


الخدمات العلمية