الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
وقال صلى الله عليه وسلم : كل غلام رهين أو رهينة بعقيقته تذبح عنه يوم السابع ويحلق رأسه .

التالي السابق


(وقال -صلى الله عليه وسلم-: كل غلام) أي: مولود ذكرا كان أو أنثى (رهين أو رهينة بعقيقته) أي: هي لازمة له فشبهه في عدم انفكاكه منها بالرهن في يد مرتهنه، يعني إذا لم يعق عنه فمات طفلا لا يشفع في أبويه، كذا نقله الخطابي عن أحمد واستجوده، وذكره ابن الجوزي في الكشف عن مشكل الصحيحين، وتعقب بأنه لا يقال لمن يشفع في غيره مرهون، فالأولى أن يقال: إن العقيقة سبب لفكاكه من الشيطان الذي طعنه حال خروجه فهي تخليص له من حبس الشيطان له في أمره ومنعه له من سعيه في مصالح آخرته فهي سنة مؤكدة عند الشافعي ومالك، بل أخذ بظاهره الليث وجمع فأوجبوها، وقال أبو حنيفة: هي على الاختيار وهي شاتان للذكر وشاة للأنثى عند الشافعي وعند مالك شاة للذكر كالأنثى .

(يذبح) عنه بالبناء للمفعول فأفاد أنه لا يتعين الذابح وعند الشافعية يتعين من تلزمه نفقة المولود، وعن الحنابلة يتعين الأب إلا إن تعذر (يوم السابع) من يوم ولادته، وهل يحسب يوم الولادة؟ وجهان: رجح الرافعي الحسبان، واختلف ترجيع النووي، وتمسك به من قال بتأقيتها به، وإن ذبح قبله لم يقع الموقع وإنها تفوت بعده وهو قول مالك، وعند الشافعية: إن ذكر السابع للاختيار لا للتعيين، ونقل الترمذي عن العلماء أنهم يستحبون أن يذبح يوم السابع فإن لم يتهيأ فالرابع عشر فالحادي والعشرين .

قال الحافظ: ولم أره صريحا إلا للبوشنجي.

(ويحلق رأسه) أي: كله؛ لأنه أنفع للرأس مع ما فيه من فتح المسام ليخرج البخار بسهولة، وفيه تقوية حواسه، وإطلاقه يقتضي أن يشمل الأنثى، وبه قال أحمد في رواية عنه، وحكى الماوردي كراهة حلق رأسها، قال العراقي: رواه أصحاب السنن من حديث سمرة، وقال الترمذي: حسن صحيح. اهـ .

قلت: وكذلك رواه أحمد والحاكم والبيهقي وأعله بعضهم أنه من رواية الحسن عن سمرة ولم يثبت سماعه منه، قال عبد الحق في الأحكام: سماع الحسن عن سمرة لا يصح إلا في حديث العقيقة، وقال غيره: إن حديث الحسن عن سمرة كله كتاب إلا حديث العقيقة .

قال التقي السبكي في "النظر المصيب": قد صحح الترمذي عدة أحاديث من رواية الحسن عن سمرة، ولا ينازع فيها، ولكن سماعه منه لحديث العقيقة وغيره مختلف فيه، علي بن المديني يثبته ويحتج بحديث العقيقة، وأحمد بن حنبل ويحيى بن معين ينكر أنه وهؤلاء كبار أحمد ويحيى في طرف الإنكار وعلي في طرف الإثبات، والبخاري إنما قال في كتابه: حدثنا عبد الله بن أبي الأسود، حدثنا قريش بن أنس عن حبيب بن الشهيد قال: أمرني ابن سيرين أن أسأل الحسن ممن سمع حديث العقيقة، فسألته فقال عن سمرة بن جندب، وهذا مجرد تاريخ نقله البخاري فلا يلزم أن يكون له ما شرطه على نفسه من شرط الصحيح في كتابه من الحديث، وإن كان أصحاب الأطراف ذكروه في الأحاديث، وقال الترمذي: أخبرني محمد بن إسماعيل عن علي بن عبد الله عن قريش بن أنس بهذا الحديث، وقال محمد: قال علي: وسماع الحسن من سمرة صحيح، واحتج بهذا الحديث وهذا الكلام من البخاري الآخر مجرد تاريخ وتحديثه للترمذي بالحديث في خارج الصحيح ولم يخرجه في الصحيح، فتركه إخراجه في كتابه يدل على أنه ليس من شرطه فرجع الحال إلى أن [ ص: 319 ] المثبت لسماع الحسن من سمرة هو علي بن المديني، وناهيك به نبلا وجلالة وحفظا وإتقانا وعلما وكل شيء، وفي مقابلته أحمد وابن معين فرأيت في العلل للأثرم أنه ذكر لأبي عبد الله عن علي أنه يصح سماع الحسن من سمرة، ويحتج بحديث حبيب بن الشهيد، فقال: ذاك إنما هو عن ذاك الشيخ قريش، يقول هذا كالمستضعف لحديثه، وقال: ما أرى ذاك بشيء، وأما يحيى فروى له أبو قلابة، سمعت يحيى يقول: لم يسمع الحسن من سمرة فقلت ... من ... على قريش بن أنس أو على حبيب بن الشهيد فسكت، وسكوت يحيى عن جوابه لا يدل على شيء ولو كان أبو قلابة انفرد عن قريش لقلنا إنه كان عنده اختلاط قريش صغيرا، ومثله لا يضبط لكن علي بن المديني قد سمع من قريش، وكذلك أبو موسى الزمن وهارون، والحمل في ذلك على قريش وإن كان ثقة متفقا عليه، لكنه تغير واختلط قبل موته بست سنين فلا يجوز الاحتجاج بحديثه فيما انفرد، فأما ما وافق فيه الثقات فهو المعتبر، فهذا ما وقفنا عليه من الاختلاف في سماع الحسن من سمرة، فما وجدنا الأقدمين قد صححوه منه، وليس ذلك إلا في الترمذي علمنا على أنهم اطلعوا على موافقة غيره له وما لا فليس كذلك فيتوقف فيه، وبما ذكرناه ظهر أنه ليس لنا أن نحكم بكل حديث ورد لنا عن الحسن عن سمرة بالصحة، وظهر أن البخاري لم يصحح حديث العقيقة ولم يوجد منه ما يدل على أن قريش بن أنس من شرطه، والله أعلم .




الخدمات العلمية