إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
بيان أخلاقه وآدابه في الطعام .

كان صلى الله عليه وسلم يأكل ما وجد وكان أحب الطعام إليه ما كان على ضفف والضفف ما كثرت عليه الأيدي وكان إذا وضعت المائدة قال : بسم الله ، اللهم اجعلها نعمة مشكورة تصل بها نعمة الجنة وكان كثيرا إذا جلس يأكل يجمع بين ركبتيه وبين قدميه كما يجلس المصلي إلا أن الركبة تكون فوق الركبة ، والقدم فوق القدم ، ويقول : إنما أنا عبد آكل كما يأكل العبد ، وأجلس كما يجلس العبد وكان لا يأكل الحار ويقول : إنه غير ذي بركة وإن ، الله لم يطعمنا نارا فأبردوه .


(بيان أخلاقه وآدابه في الطعام) *

(كان -صلى الله عليه وسلم- يأكل ما وجد) تقدم قريبا (وكان أحب الطعام إليه ما كان على ضفف والضفف) محركة (ما كثرت عليه الأيدي) قال العراقي : رواه أبو يعلى ، والطبراني في الأوسط ، وابن عدي في الكامل من حديث جابر بإسناد حسن : "أحب الطعام إلى الله ما كثرت عليه الأيدي، ولأبي يعلى من حديث أنس لم يجتمع له غذاء وعشاء خبز ولحم إلا على ضفف، وإسناده جيد اهـ .

قلت: وحديث جابر رواه أيضا ابن حبان والبيهقي والضياء، (وكان) -صلى الله عليه وسلم- (إذا وضعت المائدة قال: بسم الله، اللهم اجعلها نعمة مشكورة تصل بها نعمة الجنة) قال العراقي : أما التسمية فرواها النسائي من رواية من خدم النبي ثمان سنين أنه سمع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ إذا قرب إليه طعام قال :بسم الله ، الحديث ، وإسناده صالح ، وأما بقية الحديث فلم أجده .

(وكان) -صلى الله عليه وسلم- (كثيرا إذا جلس يأكل [ ص: 116 ] يجمع بين ركبتيه وبين قدميه كما يجمع المصلي) في حال صلاته (إلا أن الركبة تكون فوق الركبة ، والقدم فوق القدم ، ويقول: إنما أنا عبد آكل كما يأكل العبد، وأجلس كما يجلس العبد) ، قال العراقي : رواه عبد الرزاق في المصنف من رواية أيوب معضلا ، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان إذا أكل احتفز ، وقال: " آكل كما يأكل العبد"، الحديث ، وروى ابن الضحاك في الشمائل من حديث أنس بسند ضعيف : " كان إذا قعد على الطعام استوفز على ركبته اليسرى ، وأقام اليمنى ، ثم قال: إنما أنا عبد أجلس كما يجلس العبد ، وأفعل كما يفعل العبد" .

وروى أبو الشيخ في الأخلاق بسند جيد من حديث أبي بن كعب أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يجثو على ركبتيه وكان لا يتكئ ، أورده في صفة أكل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وللبزار من حديث ابن عمر : "إنما أنا عبد آكل كما يأكل العبد"، ولأبي يعلى من حديث عائشة آكل كما يأكل العبد ، وأجلس كما يجلس العبد ، وإسنادهما ضعيف اهـ .

قلت: ويروى بسند حسن أهديت للنبي -صلى الله عليه وسلم- شاة فجثا على ركبتيه يأكل ، فقال له أعرابي ما هذه الجلسة؟ فقال: إن الله جعلني كريما ، ولم يجعلني جبارا عنيدا ، وإنما فعل ذلك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تواضعا لله تعالى ، ومن ثم قال: إنما أنا عبد إلخ، وفي خبر مرسل أو معضل عن الزهري "أتى النبي -صلى الله عليه وسلم- ملك لم يأته قبلها ، فقال: إن الله يخيرك بين أن تكون عبدا نبيا أو نبيا ملكا ، فنظر إلى جبريل كالمستشير له ، فأومأ إليه أن تواضع ، فقال: لا بل عبدا نبيا ، قال: فما أكل متكئا"، ووصله النسائي قال: "ما رئي النبي -صلى الله عليه وسلم- يأكل متكئا قط" ، والسنة أن يجلس جاثيا على ركبتيه ، وظهور قدميه أو ينصب رجله اليمنى ، ويجلس على اليسرى ، قال ابن القيم : ويذكر عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه كان يجلس للأكل متوركا على ركبتيه ، ويضع ظهر اليمنى على بطن قدمه اليسرى تواضعا لله عز وجل ، وأدبا بين يديه قال" وهذه الهيئة أنفع الهيئات للأكل وأفضلها; لأن الأعضاء كلها تكون على وضعها الطبيعي الذي خلقها الله تعالى .

(وكان) -صلى الله عليه وسلم- (لا يأكل) الطعام (الحار ويقول: إنه غير ذي بركة ، وأن الله تعالى لم يطعمنا نارا فأبردوه) قال العراقي : روى البيهقي من حديث أبي هريرة بإسناد صحيح أتي النبي -صلى الله عليه وسلم- يوما بطعام سخن ، فقال: "ما دخل بطني طعام سخن منذ كذا وكذا قبل اليوم".

ولأحمد بإسناد جيد ، والطبراني والبيهقي في الشعب من حديث خولة بنت قيس : "وقدمت له حريرة، فوضع يده فيها فوجد حرها فنفضها"، لفظ الطبراني والبيهقي ، وقال أحمد : فأحرقت أصابعه ، فقال حسن وللطبراني في الأوسط من حديث أبي هريرة : " أبردوا الطعام فإن الطعام الحار غير ذي بركة"، وله فيه ، وفي الصغير من حديثه "أتي بصحفة تفور فرفع يده منها، وقال: إن الله لم يطعمنا نارا"، وكلاهما ضعيف اهـ .

قلت :حديث الطبراني في الأوسط رواه من طريق هشام بن عمار، حدثنا عبد الله بن يزيد البكري عن ابن أبي ذئب ، عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة ، وحديثه فيه وفي الصغير معا رواه من طريق هشام عن البكري المذكورين ، قال: حدثنا يعقوب بن محمد بن طحلاء المدني ، حدثنا بلال بن أبي هريرة ، عن أبيه فساقه ، وفي لفظ: فأشرع يده فيها ، ثم رفع يده ، وقال: لم يرو عن بلال إلا يعقوب ، ولا عنه إلا عبد الله ، تفرد به هشام ، وبلال قليل الرواية عن أبيه . اهـ .

والبكري ضعفه أبو حاتم ، ولابن ماجه من طريق علي بن مسهر ، عن الأعمش ، عن أبي صالح عن أبي هريرة بلفظ: "أتي يوما بطعام سخن ، فأكل منه ، فلما فرغ قال: الحمد لله ما دخل" وساقه كسياق البيهقي ، وروى الديلمي من طريق عبد الصمد بن سليمان ، عن قزعة بن سويد ، عن عبد الله بن دينار ، عن ابن عمر مرفوعا : "أبردوا بالطعام فإن الحار لا بركة فيه" .

ولأبي نعيم في الحلية من طريق يوسف بن أسباط عن صفوان بن سليم ، عن أنس قال: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يكره الكي والطعام الحار ، ويقول: عليكم بالبارد; فإنه ذو بركة ، ألا وإن الحار لا بركة له" .

وللطبراني في الكبير بسند فيه من لم يسم عن جويرية "أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يكره الطعام حتى يذهب فوره ودخانه"، أما حديث خولة فرواه كذلك ابن منده في معرفة الصحابة ، كلهم من طريق معاذ بن رفاعة بن رافع عنها ، وفيه بعد قوله: "فقبضها وقال: يا خولة، لا نصبر على حر ولا برد"، الحديث لفظ البيهقي والطبراني .

التالي السابق


الخدمات العلمية