إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
الآفة الثامنة اللعن .

إما لحيوان ، أو جماد ، أو إنسان وكل ذلك ، مذموم ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : المؤمن ليس بلعان ، وقال صلى الله عليه وسلم: لا تلاعنوا بلعنة الله ، ولا بغضبه، ولا بجهنم ، وقال حذيفة : ما تلاعن قوم قط إلا حق عليهم القول ، وقال عمران بن حصين بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره إذ امرأة من الأنصار على ناقة لها ، فضجرت منها فلعنتها .

فقال صلى الله عليه وسلم : خذوا ما عليها وأعروها فإنها ملعونة .

قال فكأني أنظر إلى تلك الناقة تمشي بين الناس لا يتعرض لها أحد .

وقال أبو الدرداء ما لعن أحد الأرض إلا قالت : لعن الله أعصانا لله وقالت عائشة رضي الله عنها : سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر وهو يلعن بعض رقيقه ، فالتفت إليه وقال : يا أبا بكر أصديقين ولعانين ، ؟! كلا ورب الكعبة مرتين أو ثلاثا ، فأعتق أبو بكر يومئذ رقيقه ، وأتى النبي صلى الله عليه وسلم وقال : لا أعود .

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن اللعانين لا يكونون شفعاء ولا شهداء يوم القيامة .

وقال أنس كان رجل يسير مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على بعير ، فلعن بعيره ، فقال صلى الله عليه وسلم : يا عبد الله ، لا تسر معنا على بعير ملعون وقال ذلك إنكارا عليه .

.


( الآفة الثامنة اللعن )

وهو (إما لحيوان، أو جماد، أو إنسان، وذلك) كله (مذموم، قال صلى الله عليه وسلم: المؤمن ليس بلعان ) قال العراقي : تقدم حديث ابن مسعود : "ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان" . الحديث، قبل هذا بأحد عشر حديثا، وللترمذي وحسنه من حديث ابن عمر : "لا يكون المؤمن لعانا" . اهـ .

قلت: رواه ابن أبي الدنيا عن بندار بن بشار ، حدثنا أبو عامر ، عن كثير بن زيد ، سمعت سالم بن عبد الله بن عمر ، عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يكون المؤمن لعانا" . قال: وحدثنا عمرو الناقد ، حدثنا أبو أحمد الزهري ، حدثنا كثير بن زيد ، عن سالم بن عبد الله بن عمر قال: ما سمعت ابن عمر لعن إنسانا قط; إلا إنسانا واحدا ، وقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا ينبغي للمؤمن أن يكون لعانا" . وقد رواه كذلك الحاكم والبيهقي .

(وقال صلى الله عليه وسلم: لا تلاعنوا) أي: لا يلعن بعضكم بعضا، وأصله: لا تتلاعنوا، فحذف إحدى التاءين تخفيفا، (بلعنة الله، ولا بغضبه، ولا بجهنم) ، وفي رواية: ولا بالنار، بدل: ولا بجهنم. أي: لا يدعو بعضكم على بعض، كأن يقول: عليه لعنة الله، وعليه غضب الله، واجعله من أهل النار، أو أحرقك الله بنار جهنم. قال الطيبي : قوله: لا تلاعنوا ، إلخ.. من عموم المجاز; لأنه في بعض أفراده حقيقة، وفي بعضها مجاز، وهذا مختص بمعين؛ لجواز اللعن بالوصف الأعم، أو الأخص، كالمصورين، قال العراقي : رواه أبو داود والترمذي من حديث سمرة بن جندب ، وقال الترمذي : حسن صحيح. اهـ .

قلت: وكذلك رواه أبو يعلى ، والطبراني والحاكم والضياء في المختارة، (وقال حذيفة) بن اليمان رضي الله عنه: ( ما تلاعن قوم قط إلا حق عليهم القول ) ، أي: العذاب .

أخرجه أبو نعيم في الحلية، فقال: حدثنا أحمد بن إسحاق ، حدثنا أبو يحيى الرازي ، حدثنا أبو يزيد الخراز ، عن عبيدة عن الأعمش ، عن أبي ظبيان قال: قال حذيفة .. فذكره. والظاهر أن المراد بالتلاعن في قوله: هذا هو اللعان بين الرجل وامرأته، ولم يقع بعده صلى الله عليه وسلم إلا مرة بالأندلس في زمان الأمويين ، كما نقله المقري في نفح الطيب، وليس المراد به أن يلعن بعضهم بعضا في محاوراتهم، فتأمل ذلك .

(وقال عمران بن حصين ) رضي الله عنهما: (بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره إذ امرأة من الأنصار على ناقة لها، فضجرت منها) أي: لسوء سيرها، (فلعنتها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خذوا ما عليها) من الأثقال، (وأعروها) بقطع الهمزة؛ (فإنها ملعونة، قال) عمران رضي الله عنه: (فكأني أنظر إلى تلك الناقة تمشي بين الناس ولا يتعرض لها أحد) ، قال العراقي : رواه مسلم ، قلت: قال ابن أبي الدنيا : حدثنا أبو خيثمة ، حدثنا إسماعيل بن إبراهيم ، حدثنا أيوب عن أبي قلابة ، عن عمران بن حصين قال: "بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره وامرأة من الأنصار على ناقة فضجرت، فلعنتها، فسمع ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: خذوا ما عليها ودعوها؛ فإنها ملعونة. قال عمران : فكأني أراها الآن تمشي في الناس ما يعرض لها أحد" .

وأخرجه ابن حبان في الصحيح بلفظ: "خذوا متاعكم عنها وأرسلوها؛ فإنها ملعونة" . (وقال أبو الدرداء ) رضي الله عنه: ( ما لعن أحد الأرض إلا قالت: لعن الله أعصانا لله ) أخرجه ابن أبي الدنيا عن إبراهيم بن سعيد ، حدثنا موسى عن أيوب ، حدثنا بقية عن ابن أبي مريم ، عن المهاجر ، عن أبي الدرداء .. فذكره .

وأخرج أيضا عن عمرو بن قيس قال: إذا ركب الرجل الدابة قالت: اللهم اجعله رفيقا حليما. فإذا لعنها قالت: على أعصانا لله لعنة الله . ومن طريق فضيل بن عياض قال: "كان يقال: ما أحد سب شيئا من الدنيا، دابة ولا غيرها، فيقول: أخزاك الله، ولعنك الله، إلا قالت: أخزى الله أعصانا لله" .

(وقالت عائشة رضي الله عنها: سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر ) رضي الله عنه (وهو يلعن بعض رقيقه، فالتفت إليه فقال: يا أبا بكر ، ألعانين وصديقين؟! كلا ورب الكعبة) ، قال ذلك (مرتين أو ثلاثا، فأعتق أبو بكر يومئذ بعض رقيقه، وأتى النبي صلى الله عليه وسلم وقال: لا أعود) ، قال العراقي : رواه ابن أبي الدنيا في الصمت، وشيخه بشار بن موسى الخفاف ضعفه الجمهور، وكان أحمد حسن الرأي فيه. اهـ .

قلت: قال ابن أبي الدنيا : حدثنا بشار بن موسى أنبأنا يزيد بن المقدام بن شريح ، عن أبيه المقدام ، عن جده، عن عائشة قالت: "سمع النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر الصديق لعن بعض رقيقه، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: [ ص: 485 ] يا أبا بكر ، الصديقون لعانون؟! فأعتق أبو بكر يومئذ بعض رقيقه، وجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: والله لا أعود . اهـ .

وبشار بن موسى الخفاف شيباني عجلي بصري نزل بغداد ، قال صاحب التهذيب: ضعيف، كثير الغلط، لين الحديث، روى له ابن ماجه في كتاب التفسير له، وقال الذهبي في المغني: بشار بن موسى الخفاف عن يزيد بن زريع ، قال أبو زرعة وغيره: ضعيف، وقال البخاري : منكر الحديث، وقال ابن عدي : أرجو أنه لا بأس به .

(وقال صلى الله عليه وسلم: إن اللعانين لا يكونون شفعاء ولا شهداء يوم القيامة ) ، قال العراقي : رواه مسلم من حديث أبي الدرداء . اهـ .

قلت: ورواه ابن أبي الدنيا عن أبي عمر المقري ، حدثنا ابن أبي مريم ، حدثنا محمد بن جعفر بن أبي كثير ، حدثني زيد بن أسلم ، عن أم الدرداء ، عن أبي الدرداء أن النبي صلى الله عليه وسلم قال، فذكره. (وقال أنس ) رضي الله عنه: ( كان رجل يسير مع النبي صلى الله عليه وسلم على بعير، فلعن بعيره، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: يا عبد الله ، لا تسر معنا على بعير ملعون ) ، رواه ابن أبي الدنيا عن إسماعيل بن إسحاق الأزدي ، حدثنا إسماعيل بن أبي إدريس ، حدثنا أبي، عن شريك بن عبد الله بن أبي نمر ، عن أنس بن مالك ، وهو سند جيد، (وكان ذلك إنكارا منه) صلى الله عليه وسلم على الرجل المذكور .

وأخرج ابن أبي الدنيا من طريق بكر بن خنيس رفعه قال: "علامة أبدال أمتي أنهم لا يلعنون شيئا أبدا" . ومن طريق يحيى بن أبي كثير قال: دخلت أم الدرداء على جيران لها وهم يلعنون، فقالت: كيف تكونون صديقين وأنتم لعانون؟ ومن طريق حكيم بن جابر قال: كان أبو الدرداء مضجعا بين أصحابه، وقد غطى وجهه، فمر عليه قس سمين، فقالوا: اللهم العنه، ما أغلظ رقبته! فقال أبو الدرداء رضي الله عنه: من ذا الذي لعنتم آنفا؟ فأخبروه، فقال: لا تلعنوا أحدا؛ فإنه لا ينبغي للعان أن يكون عند الله صديقا يوم القيامة .

التالي السابق


الخدمات العلمية