الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
الآفة الثامنة اللعن .

إما لحيوان ، أو جماد ، أو إنسان وكل ذلك ، مذموم ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : المؤمن ليس بلعان ، وقال صلى الله عليه وسلم: لا تلاعنوا بلعنة الله ، ولا بغضبه، ولا بجهنم ، وقال حذيفة : ما تلاعن قوم قط إلا حق عليهم القول ، وقال عمران بن حصين بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره إذ امرأة من الأنصار على ناقة لها ، فضجرت منها فلعنتها .

فقال صلى الله عليه وسلم : خذوا ما عليها وأعروها فإنها ملعونة .

قال فكأني أنظر إلى تلك الناقة تمشي بين الناس لا يتعرض لها أحد .

وقال أبو الدرداء ما لعن أحد الأرض إلا قالت : لعن الله أعصانا لله وقالت عائشة رضي الله عنها : سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر وهو يلعن بعض رقيقه ، فالتفت إليه وقال : يا أبا بكر أصديقين ولعانين ، ؟! كلا ورب الكعبة مرتين أو ثلاثا ، فأعتق أبو بكر يومئذ رقيقه ، وأتى النبي صلى الله عليه وسلم وقال : لا أعود .

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن اللعانين لا يكونون شفعاء ولا شهداء يوم القيامة .

وقال أنس كان رجل يسير مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على بعير ، فلعن بعيره ، فقال صلى الله عليه وسلم : يا عبد الله ، لا تسر معنا على بعير ملعون وقال ذلك إنكارا عليه .

.

التالي السابق


( الآفة الثامنة اللعن )

وهو (إما لحيوان، أو جماد، أو إنسان، وذلك) كله (مذموم، قال صلى الله عليه وسلم: المؤمن ليس بلعان ) قال العراقي : تقدم حديث ابن مسعود : "ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان" . الحديث، قبل هذا بأحد عشر حديثا، وللترمذي وحسنه من حديث ابن عمر : "لا يكون المؤمن لعانا" . اهـ .

قلت: رواه ابن أبي الدنيا عن بندار بن بشار ، حدثنا أبو عامر ، عن كثير بن زيد ، سمعت سالم بن عبد الله بن عمر ، عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يكون المؤمن لعانا" . قال: وحدثنا عمرو الناقد ، حدثنا أبو أحمد الزهري ، حدثنا كثير بن زيد ، عن سالم بن عبد الله بن عمر قال: ما سمعت ابن عمر لعن إنسانا قط; إلا إنسانا واحدا ، وقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا ينبغي للمؤمن أن يكون لعانا" . وقد رواه كذلك الحاكم والبيهقي .

(وقال صلى الله عليه وسلم: لا تلاعنوا) أي: لا يلعن بعضكم بعضا، وأصله: لا تتلاعنوا، فحذف إحدى التاءين تخفيفا، (بلعنة الله، ولا بغضبه، ولا بجهنم) ، وفي رواية: ولا بالنار، بدل: ولا بجهنم. أي: لا يدعو بعضكم على بعض، كأن يقول: عليه لعنة الله، وعليه غضب الله، واجعله من أهل النار، أو أحرقك الله بنار جهنم. قال الطيبي : قوله: لا تلاعنوا ، إلخ.. من عموم المجاز; لأنه في بعض أفراده حقيقة، وفي بعضها مجاز، وهذا مختص بمعين؛ لجواز اللعن بالوصف الأعم، أو الأخص، كالمصورين، قال العراقي : رواه أبو داود والترمذي من حديث سمرة بن جندب ، وقال الترمذي : حسن صحيح. اهـ .

قلت: وكذلك رواه أبو يعلى ، والطبراني والحاكم والضياء في المختارة، (وقال حذيفة) بن اليمان رضي الله عنه: ( ما تلاعن قوم قط إلا حق عليهم القول ) ، أي: العذاب .

أخرجه أبو نعيم في الحلية، فقال: حدثنا أحمد بن إسحاق ، حدثنا أبو يحيى الرازي ، حدثنا أبو يزيد الخراز ، عن عبيدة عن الأعمش ، عن أبي ظبيان قال: قال حذيفة .. فذكره. والظاهر أن المراد بالتلاعن في قوله: هذا هو اللعان بين الرجل وامرأته، ولم يقع بعده صلى الله عليه وسلم إلا مرة بالأندلس في زمان الأمويين ، كما نقله المقري في نفح الطيب، وليس المراد به أن يلعن بعضهم بعضا في محاوراتهم، فتأمل ذلك .

(وقال عمران بن حصين ) رضي الله عنهما: (بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره إذ امرأة من الأنصار على ناقة لها، فضجرت منها) أي: لسوء سيرها، (فلعنتها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خذوا ما عليها) من الأثقال، (وأعروها) بقطع الهمزة؛ (فإنها ملعونة، قال) عمران رضي الله عنه: (فكأني أنظر إلى تلك الناقة تمشي بين الناس ولا يتعرض لها أحد) ، قال العراقي : رواه مسلم ، قلت: قال ابن أبي الدنيا : حدثنا أبو خيثمة ، حدثنا إسماعيل بن إبراهيم ، حدثنا أيوب عن أبي قلابة ، عن عمران بن حصين قال: "بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره وامرأة من الأنصار على ناقة فضجرت، فلعنتها، فسمع ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: خذوا ما عليها ودعوها؛ فإنها ملعونة. قال عمران : فكأني أراها الآن تمشي في الناس ما يعرض لها أحد" .

وأخرجه ابن حبان في الصحيح بلفظ: "خذوا متاعكم عنها وأرسلوها؛ فإنها ملعونة" . (وقال أبو الدرداء ) رضي الله عنه: ( ما لعن أحد الأرض إلا قالت: لعن الله أعصانا لله ) أخرجه ابن أبي الدنيا عن إبراهيم بن سعيد ، حدثنا موسى عن أيوب ، حدثنا بقية عن ابن أبي مريم ، عن المهاجر ، عن أبي الدرداء .. فذكره .

وأخرج أيضا عن عمرو بن قيس قال: إذا ركب الرجل الدابة قالت: اللهم اجعله رفيقا حليما. فإذا لعنها قالت: على أعصانا لله لعنة الله . ومن طريق فضيل بن عياض قال: "كان يقال: ما أحد سب شيئا من الدنيا، دابة ولا غيرها، فيقول: أخزاك الله، ولعنك الله، إلا قالت: أخزى الله أعصانا لله" .

(وقالت عائشة رضي الله عنها: سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر ) رضي الله عنه (وهو يلعن بعض رقيقه، فالتفت إليه فقال: يا أبا بكر ، ألعانين وصديقين؟! كلا ورب الكعبة) ، قال ذلك (مرتين أو ثلاثا، فأعتق أبو بكر يومئذ بعض رقيقه، وأتى النبي صلى الله عليه وسلم وقال: لا أعود) ، قال العراقي : رواه ابن أبي الدنيا في الصمت، وشيخه بشار بن موسى الخفاف ضعفه الجمهور، وكان أحمد حسن الرأي فيه. اهـ .

قلت: قال ابن أبي الدنيا : حدثنا بشار بن موسى أنبأنا يزيد بن المقدام بن شريح ، عن أبيه المقدام ، عن جده، عن عائشة قالت: "سمع النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر الصديق لعن بعض رقيقه، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: [ ص: 485 ] يا أبا بكر ، الصديقون لعانون؟! فأعتق أبو بكر يومئذ بعض رقيقه، وجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: والله لا أعود . اهـ .

وبشار بن موسى الخفاف شيباني عجلي بصري نزل بغداد ، قال صاحب التهذيب: ضعيف، كثير الغلط، لين الحديث، روى له ابن ماجه في كتاب التفسير له، وقال الذهبي في المغني: بشار بن موسى الخفاف عن يزيد بن زريع ، قال أبو زرعة وغيره: ضعيف، وقال البخاري : منكر الحديث، وقال ابن عدي : أرجو أنه لا بأس به .

(وقال صلى الله عليه وسلم: إن اللعانين لا يكونون شفعاء ولا شهداء يوم القيامة ) ، قال العراقي : رواه مسلم من حديث أبي الدرداء . اهـ .

قلت: ورواه ابن أبي الدنيا عن أبي عمر المقري ، حدثنا ابن أبي مريم ، حدثنا محمد بن جعفر بن أبي كثير ، حدثني زيد بن أسلم ، عن أم الدرداء ، عن أبي الدرداء أن النبي صلى الله عليه وسلم قال، فذكره. (وقال أنس ) رضي الله عنه: ( كان رجل يسير مع النبي صلى الله عليه وسلم على بعير، فلعن بعيره، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: يا عبد الله ، لا تسر معنا على بعير ملعون ) ، رواه ابن أبي الدنيا عن إسماعيل بن إسحاق الأزدي ، حدثنا إسماعيل بن أبي إدريس ، حدثنا أبي، عن شريك بن عبد الله بن أبي نمر ، عن أنس بن مالك ، وهو سند جيد، (وكان ذلك إنكارا منه) صلى الله عليه وسلم على الرجل المذكور .

وأخرج ابن أبي الدنيا من طريق بكر بن خنيس رفعه قال: "علامة أبدال أمتي أنهم لا يلعنون شيئا أبدا" . ومن طريق يحيى بن أبي كثير قال: دخلت أم الدرداء على جيران لها وهم يلعنون، فقالت: كيف تكونون صديقين وأنتم لعانون؟ ومن طريق حكيم بن جابر قال: كان أبو الدرداء مضجعا بين أصحابه، وقد غطى وجهه، فمر عليه قس سمين، فقالوا: اللهم العنه، ما أغلظ رقبته! فقال أبو الدرداء رضي الله عنه: من ذا الذي لعنتم آنفا؟ فأخبروه، فقال: لا تلعنوا أحدا؛ فإنه لا ينبغي للعان أن يكون عند الله صديقا يوم القيامة .



الخدمات العلمية