إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
وفرقة أخرى منهم عدلوا عن المنهاج الواجب في الوعظ ، وهم وعاظ أهل هذا الزمان كافة إلا من عصمه الله على الندور في بعض أطراف البلاد إن كان ، ولسنا نعرفه فاشتغلوا بالطامات والشطح وتلفيق كلمات خارجة عن قانون الشرع والعقل طلبا للإغراب .

وطائفة شغفوا بطيارات النكت وتسجيع الألفاظ وتلفيقها فأكثر هممهم بالأسجاع والاستشهاد بأشعار الوصال والفراق وغرضهم أن تكثر في مجالستهم الزعقات والتواجد ، ولو على أغراض فاسدة ، فهؤلاء شياطين الإنس ضلوا وأضلوا عن سواء السبيل ، فإن الأولين وإن لم يصلحوا أنفسهم فقد أصلحوا غيرهم وصححوا كلامهم ووعظهم .

وأما هؤلاء فإنهم يصدون عن سبيل الله ، ويجرون الخلق إلى الغرور بالله بلفظ الرجاء ، فيزيدهم كلامهم جراءة على المعاصي ، ورغبة في الدنيا لا سيما إذا كان الواعظ متزينا بالثياب والخيل ، والمراكب فإنه تشهد هيئته من فرقه إلى قدمه بشدة حرصه على الدنيا ، فما يفسده هذا المغرور أكثر مما يصلحه ، بل لا يصلح أصلا ، ويضل خلقا كثيرا ولا يخفى وجه كونه مغرورا .


(وفرقة أخرى) منهم (عدلوا عن المنهاج الواجب في الوعظ، وهم وعاظ أهل الزمان كافة) في بلاد الإسلام (إلا من عصمه الله على الندور) والقلة (في بعض أطراف البلاد إن كان، ولسنا نعرفه) أي: لم يبلغنا خبره (فاشتغلوا) في وعظهم (بالطامات) أي: الدواهي والمصائب التي تطم على غيرها أي: تزيد، والمراد بها ما يؤدونه من الكلمات العقم (والشطح) وهو كلام يعبر عنه اللسان مقرون بالدعوى، ولا يرتضيه أهل الطريق من قائله، وإن كان محقا (وتلفيق كلمات خارجة عن قانون الشرع والعقل طلبا للإغراب) على الحاضرين، (وطائفة) منهم (شغفوا بطيارات النكت) ، وهي المسائل الدقيقة التي تتعب الخواطر في استنباطها من مكانها (وبتسجيع الألفاظ وتلفيقها) بأن يوردوها موزونة مقفاة مجموعة من مواضع شتى، (فأكثر هممهم في الأسجاع) ، والأوزان (والاستشهاد بأشعار الوصال والفراق) ، والرقيب والواشي، (وغرضهم) من كل ذلك (أن تكثر في مجالسهم الزعقات) أي: الصيحات (والتواجد، ولو على أغراض فاسدة، فهؤلاء شياطين الإنس) ، وهم أشر من شياطين الجن (ضلوا وأضلوا عن سواء السبيل، فإن الأولين وإن لم يصلحوا أنفسهم) بأن لم يتصفوا بتلك الصفات التي يذكرونها (فقد أصلحوا غيرهم) بكلامهم (وصححوا كلامهم ووعظهم) إذ جعلوه على منهاج الكتاب والسنة، (وأما هؤلاء فإنهم يصدون عن سبيل الله، ويجرون الخلق إلى الغرور بالله بلفظ الرجاء، فيزيدهم كلامهم جراءة على) ارتكاب (المعاصي، ورغبة في الدنيا) ، وميلا إلى أعراضها (لا سيما إذا كان الواعظ متزينا بالثياب والخيل، والمراكب فإنه يشهد فرقه إلى قدمه) ، وفي نسخة: تشهد هيئته من فرقه إلى قدمه (بشدة حرصه على الدنيا، فما يفسد هذا المغرور أكثر مما يصلح، بل لا يصلح أصلا، ويضل خلقا كثيرا) بتغريره إياهم، (ولا يخفى وجه كونه مغرورا) .

التالي السابق


الخدمات العلمية