وفرقة أخرى
nindex.php?page=treesubj&link=18881عظم غرورهم في فن الفقه فظنوا ، أن حكم العبد بينه وبين الله يتبع حكمه في مجلس القضاء ، فوضعوا الحيل في دفع الحقوق وأساءوا تأويل الألفاظ المبهمة ، واغتروا بالظواهر وأخطئوا ، فيها .
وهذا من قبيل الخطأ في الفتوى والغرور فيه ، والخطأ في الفتاوى مما يكثر .
ولكن هذا نوع عم الكافة إلا الأكياس منهم فنشير ، إلى أمثلة ; فمن ذلك فتواهم بأن المرأة متى أبرأت من الصدق برئ الزوج بينه وبين الله تعالى ، وذلك خطأ ، بل الزوج قد يسيء إلى الزوجة ، بحيث يضيق عليها الأمور بسوء الخلق فتضطر إلى طلب الخلاص فتبرئ الزوج لتتخلص منه فهو إبراء لا على طيبة نفس ، وقد قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=4فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا وطيبة النفس غير طيبة القلب ، فقد يريد الإنسان بقلبه ما لا تطيب به نفسه ; فإنه يريد الحجامة بقلبه ولكن تكرهها نفسه وإنما طيبة النفس أن تسمح نفسها بالإبراء لا عن ضرورة تقابله حتى إذا رددت بين ضررين اختارت أهونهما ، فهذه مصادرة على التحقيق بإكراه الباطن .
، نعم القاضي في الدنيا لا يطلع على القلوب والأغراض فينظر إلى الإبراء الظاهر ، وأنها لم تكره بسبب ظاهر والإكراه الباطن ليس يطلع الخلق عليه ، ولكن مهما تصدى القاضي الأكبر في صعيد القيامة للقضاء لم يكن هذا محسوبا ولا مقيدا في تحصيل الإبراء ، ولذلك لا يحل أن يؤخذ مال إنسان إلا بطيب نفس منه ، فلو طلب من الإنسان مالا على ملأ من الناس فاستحيا من الناس أن لا يعطيه ، وكان يود أن يكون سؤاله في خلوة حتى لا يعطيه ، ولكن خاف ألم مذمة الناس ، وخاف ألم تسليم المال وردد نفسه بينهما .
، فاختار أهون الألمين ، وهو ألم التسليم فسلمه ، فلا فرق بين هذا وبين المصادرة ; إذ معنى المصادرة إيلام البدن بالسوط حتى يصير ذلك أقوى من ألم القلب ببذل المال فيختار أهون الألمين ، والسؤال في مظنة الحياء والرياء ضرب للقلب بالسوط ولا فرق بين ضرب الباطن وضرب الظاهر عند الله تعالى ; فإن الباطن عند الله تعالى ظاهر وإنما حاكم الدنيا هو الذي يحكم بالملك بظاهر قوله : وهبت لأنه لا يمكنه الوقوف على ما في القلب ، وكذلك من يعطى اتقاء لشر لسانه أو لشر سعايته فهو حرام عليه وكذلك كل مال يؤخذ على هذا الوجه فهو حرام .
ألا ترى ما جاء في قصة
داود عليه السلام حيث قال بعد أن غفر له : يا رب : كيف لي بخصمي ? فأمر بالاستحلال منه وكان ميتا فأمر بندائه في صخرة
بيت المقدس فنادى يا
أوريا فأجابه : لبيك يا نبي الله ، أخرجتني من الجنة فماذا تريد فقال : إني أسأت إليك في أمر فهبه لي ، قال : قد فعلت ذلك يا نبي الله ، فانصرف وقد ركن إلى ذلك فقال له
جبريل عليه السلام : هل ذكرت له ما فعلت قال : لا ، قال : فارجع فبين له فرجع فناداه فقال : لبيك يا نبي الله . فقال : إني أذنبت إليك ذنبا . قال : ألم أهبه لك ? قال ألا : تسألني ما ذلك الذنب ? قال : ما هو يا نبي الله ? قال : كذا وكذا وذكر ، شأن المرأة فانقطع الجواب ، فقال يا
أوريا ألا تجيبني قال : يا نبي الله ما هكذا يفعل الأنبياء حتى أقف معك بين يدي الله ، فاستقبل
داود البكاء والصراخ من الرأس حتى وعده الله أن يستوهبه منه في الآخرة .
فهكذا ينبهك أن
nindex.php?page=treesubj&link=25438_18590_24923الهبة من غير طيبة قلب لا تفيد ، وأن طيبة القلب لا تحصل إلا بالمعرفة ، فكذلك طيبة القلب لا تكون في الإبراء والهبة وغيرهما ، إلا إذا خلي الإنسان واختياره حتى تنبعث الدواعي من ذات نفسه ، لا أن تضطر بواعثه إلى الحركة بالحيل والإلزام .
ومن ذلك هبة الرجل مال الزكاة في آخر الحول من زوجته واتهابه مالها لإسقاط الزكاة فالفقيه يقول : سقطت الزكاة فإن أراد به أن مطالبة السلطان والساعي سقطت عنه فقد صدق ، فإن مطمح نظرهم ظاهر الملك وقد زال ، وإن ظن أنه يسلم في القيامة ، ويكون كمن لم يملك المال ، أو كمن باع لحاجته إلى المبيع لا على هذا القصد فما أعظم جهله بفقه الدين ، وسر الزكاة فإن سر الزكاة تطهير القلب عن رذيلة البخل ; فإن البخل مهلك قال صلى الله عليه وسلم : ثلاث مهلكات : شح مطاع .
وإنما صار شحه مطاعا بما فعله وقبله لم يكن مطاعا .
فقد تم هلاكه بما يظن أن فيه خلاصه ، فإن الله مطلع على قلبه وحبه المال وحرصه عليه ، وأنه بلغ من حرصه على المال أن استنبط الحيل حتى يسد على نفسه طريق الخلاص من البخل بالجهل والغرور ، ومن ذلك إباحة الله مال المصالح للفقيه وغيره بقدر الحاجة ، والفقهاء المغرورون لا يميزون بين الأماني والفضول والشهوات ، وبين الحاجات بل كل ما لا تتم رعونتهم إلا به يرونه حاجة ، وهو محض الغرور ، بل الدنيا خلقت لحاجة العباد إليها في العبادة وسلوك طريق الآخرة ، فكل ما تناوله العبد للاستعانة به على الدين والعبادة فهو حاجته ، وما عدا ذلك فهو فضوله وشهوته ولو ذهبنا نصف
nindex.php?page=treesubj&link=18881غرور الفقهاء في أمثال هذا لملأنا فيه مجلدات ، والغرض من ذلك التنبيه على أمثلة تعرف الأجناس دون الاستيعاب ، فإن ذلك يطول .
وَفِرْقَةٌ أُخْرَى
nindex.php?page=treesubj&link=18881عَظُمَ غُرُورُهُمْ فِي فَنِّ الْفِقْهِ فَظَنُّوا ، أَنَّ حُكْمَ الْعَبْدِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ يَتْبَعُ حُكْمَهُ فِي مَجْلِسِ الْقَضَاءِ ، فَوَضَعُوا الْحِيَلِ فِي دَفْعِ الْحُقُوقِ وَأَسَاءُوا تَأْوِيلَ الْأَلْفَاظِ الْمُبْهَمَةِ ، وَاغْتَرُّوا بِالظَّوَاهِرِ وَأَخْطَئُوا ، فِيهَا .
وَهَذَا مِنْ قَبِيلِ الْخَطَأِ فِي الْفَتْوَى وَالْغُرُورِ فِيهِ ، وَالْخَطَأُ فِي الْفَتَاوَى مِمَّا يَكْثُرُ .
وَلَكِنَّ هَذَا نَوْعٌ عَمَّ الْكَافَّةَ إِلَّا الْأَكْيَاسَ مِنْهُمْ فَنُشِيرُ ، إِلَى أَمْثِلَةٍ ; فَمِنْ ذَلِكَ فَتْوَاهُمْ بِأَنَّ الْمَرْأَةَ مَتَى أَبْرَأَتْ مِنَ الصِّدْقِ بَرِئَ الزَّوْجُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى ، وَذَلِكَ خَطَأٌ ، بَلِ الزَّوْجُ قَدْ يُسِيءُ إِلَى الزَّوْجَةِ ، بِحَيْثُ يُضَيِّقُ عَلَيْهَا الْأُمُورَ بِسُوءِ الْخُلُقِ فَتَضْطَرُّ إِلَى طَلَبِ الْخَلَاصِ فَتُبْرِئُ الزَّوْجَ لِتَتَخَلَّصَ مِنْهُ فَهُوَ إِبْرَاءٌ لَا عَلَى طِيبَةِ نَفْسٍ ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=4فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا وَطِيبَةُ النَّفْسِ غَيْرُ طِيبَةِ الْقَلْبِ ، فَقَدْ يُرِيدُ الْإِنْسَانُ بِقَلْبِهِ مَا لَا تَطِيبُ بِهِ نَفْسُهُ ; فَإِنَّهُ يُرِيدُ الْحِجَامَةَ بِقَلْبِهِ وَلَكِنْ تَكْرَهُهَا نَفْسُهُ وَإِنَّمَا طِيبَةُ النَّفْسِ أَنْ تَسْمَحَ نَفْسُهَا بِالْإِبْرَاءِ لَا عَنْ ضَرُورَةٍ تُقَابِلُهُ حَتَّى إِذَا رُدَّدَتْ بَيْنَ ضَرَرَيْنِ اخْتَارَتْ أَهْوَنَهُمَا ، فَهَذِهِ مُصَادَرَةٌ عَلَى التَّحْقِيقِ بِإِكْرَاهِ الْبَاطِنِ .
، نَعَمِ الْقَاضِي فِي الدُّنْيَا لَا يَطَّلِعُ عَلَى الْقُلُوبِ وَالْأَغْرَاضِ فَيَنْظُرُ إِلَى الْإِبْرَاءِ الظَّاهِرِ ، وَأَنَّهَا لَمْ تُكْرَهْ بِسَبَبٍ ظَاهِرٍ وَالْإِكْرَاهُ الْبَاطِنُ لَيْسَ يَطَّلِعُ الْخَلْقُ عَلَيْهِ ، وَلَكِنْ مَهْمَا تَصَدَّى الْقَاضِي الْأَكْبَرُ فِي صَعِيدِ الْقِيَامَةِ لِلْقَضَاءِ لَمْ يَكُنْ هَذَا مَحْسُوبًا وَلَا مُقَيَّدًا فِي تَحْصِيلِ الْإِبْرَاءِ ، وَلِذَلِكَ لَا يَحِلُّ أَنْ يُؤْخَذَ مَالُ إِنْسَانٍ إِلَّا بِطِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ ، فَلَوْ طَلَبَ مِنَ الْإِنْسَانِ مَالًا عَلَى مَلَأٍ مِنَ النَّاسِ فَاسْتَحْيَا مِنَ النَّاسِ أَنْ لَا يُعْطِيَهُ ، وَكَانَ يَوَدُّ أَنْ يَكُونَ سُؤَالُهُ فِي خَلْوَةٍ حَتَّى لَا يُعْطِيَهُ ، وَلَكِنْ خَافَ أَلَمَ مَذَمَّةِ النَّاسِ ، وَخَافَ أَلَمَ تَسْلِيمِ الْمَالِ وَرَدَّدَ نَفْسَهُ بَيْنَهُمَا .
، فَاخْتَارَ أَهْوَنَ الْأَلَمَيْنِ ، وَهُوَ أَلَمُ التَّسْلِيمِ فَسَلَّمَهُ ، فَلَا فَرْقَ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ الْمُصَادَرَةِ ; إِذْ مَعْنَى الْمُصَادَرَةِ إِيلَامُ الْبَدَنِ بِالسَّوْطِ حَتَّى يَصِيرَ ذَلِكَ أَقْوَى مِنْ أَلَمِ الْقَلْبِ بِبَذْلِ الْمَالِ فَيَخْتَارُ أَهْوَنَ الْأَلَمَيْنِ ، وَالسُّؤَالُ فِي مَظِنَّةِ الْحَيَاءِ وَالرِّيَاءِ ضَرْبٌ لِلْقَلْبِ بِالسَّوْطِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ ضَرْبِ الْبَاطِنِ وَضَرْبِ الظَّاهِرِ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى ; فَإِنَّ الْبَاطِنَ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى ظَاهِرٌ وَإِنَّمَا حَاكِمُ الدُّنْيَا هُوَ الَّذِي يَحْكُمُ بِالْمِلْكِ بِظَاهِرِ قَوْلِهِ : وَهَبْتُ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ الْوُقُوفُ عَلَى مَا فِي الْقَلْبِ ، وَكَذَلِكَ مَنْ يُعْطَى اتِّقَاءً لِشَرِّ لِسَانِهِ أَوْ لِشَرِّ سِعَايَتِهِ فَهُوَ حَرَامٌ عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ كَلُّ مَالٍ يُؤْخَذُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ فَهُوَ حَرَامٌ .
أَلَا تَرَى مَا جَاءَ فِي قِصَّةِ
دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَامُ حَيْثُ قَالَ بَعْدَ أَنْ غُفِرَ لَهُ : يَا رَبِّ : كَيْفَ لِي بِخَصْمِي ? فَأَمَرَ بِالِاسْتِحْلَالِ مِنْهُ وَكَانَ مَيِّتًا فَأَمَرَ بِنِدَائِهِ فِي صَخْرَةِ
بَيْتِ الْمَقْدِسِ فَنَادَى يَا
أُورِيَّا فَأَجَابَهُ : لَبَّيْكَ يَا نَبِيَّ اللَّهِ ، أَخْرَجْتَنِي مِنَ الْجَنَّةِ فَمَاذَا تُرِيدُ فَقَالَ : إِنِّي أَسَأْتُ إِلَيْكَ فِي أَمْرٍ فَهَبْهُ لِي ، قَالَ : قَدْ فَعَلْتُ ذَلِكَ يَا نَبِيَّ اللَّهِ ، فَانْصَرَفَ وَقَدْ رَكَنَ إِلَى ذَلِكَ فَقَالَ لَهُ
جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ : هَلْ ذَكَرْتَ لَهُ مَا فَعَلْتَ قَالَ : لَا ، قَالَ : فَارْجِعْ فَبَيِّنْ لَهُ فَرَجَعَ فَنَادَاهُ فَقَالَ : لَبَّيْكَ يَا نَبِيَّ اللَّهِ . فَقَالَ : إِنِّي أَذْنَبْتُ إِلَيْكَ ذَنْبًا . قَالَ : أَلَمْ أَهَبْهُ لَكَ ? قَالَ أَلَّا : تَسْأَلُنِي مَا ذَلِكَ الذَّنْبُ ? قَالَ : مَا هُوَ يَا نَبِيَّ اللَّهِ ? قَالَ : كَذَا وَكَذَا وَذَكَرَ ، شَأْنَ الْمَرْأَةِ فَانْقَطَعَ الْجَوَابُ ، فَقَالَ يَا
أُورِيَّا أَلَا تُجِيبُنِي قَالَ : يَا نَبِيَّ اللَّهِ مَا هَكَذَا يَفْعَلُ الْأَنْبِيَاءُ حَتَّى أَقِفُ مَعَكَ بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ ، فَاسْتَقْبَلَ
دَاوُدُ الْبُكَاءَ وَالصُّرَاخَ مِنَ الرَّأْسِ حَتَّى وَعَدَهُ اللَّهُ أَنْ يَسْتَوْهِبَهُ مِنْهُ فِي الْآخِرَةِ .
فَهَكَذَا يُنَبِّهُكَ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=25438_18590_24923الْهِبَةَ مِنْ غَيْرِ طِيبَةِ قَلْبٍ لَا تُفِيدُ ، وَأَنَّ طِيبَةَ الْقَلْبِ لَا تَحْصُلُ إِلَّا بِالْمَعْرِفَةِ ، فَكَذَلِكَ طِيبَةُ الْقَلْبِ لَا تَكُونُ فِي الْإِبْرَاءِ وَالْهِبَةِ وَغَيْرِهِمَا ، إِلَّا إِذَا خُلِّيَ الْإِنْسَانُ وَاخْتِيَارُهُ حَتَّى تَنْبَعِثَ الدَّوَاعِي مِنْ ذَاتِ نَفْسِهِ ، لَا أَنْ تَضْطَرَّ بَوَاعِثُهُ إِلَى الْحَرَكَةِ بِالْحِيَلِ وَالْإِلْزَامِ .
وَمِنْ ذَلِكَ هِبَةُ الرَّجُلِ مَالَ الزَّكَاةِ فِي آخِرِ الْحَوْلِ مِنْ زَوْجَتِهِ وَاتِّهَابُهُ مَالَهَا لِإِسْقَاطِ الزَّكَاةِ فَالْفَقِيهُ يَقُولُ : سَقَطَتِ الزَّكَاةُ فَإِنْ أَرَادَ بِهِ أَنَّ مُطَالَبَةَ السُّلْطَانِ وَالسَّاعِي سَقَطَتْ عَنْهُ فَقَدْ صَدَقَ ، فَإِنَّ مَطْمَحَ نَظَرِهِمْ ظَاهِرُ الْمِلْكِ وَقَدْ زَالَ ، وَإِنَّ ظَنَّ أَنَّهُ يُسَلَّمُ فِي الْقِيَامَةِ ، وَيَكُونُ كَمَنْ لَمْ يَمْلِكِ الْمَالَ ، أَوْ كَمَنْ بَاعَ لِحَاجَتِهِ إِلَى الْمَبِيعِ لَا عَلَى هَذَا الْقَصْدِ فَمَا أَعْظَمَ جَهْلَهُ بِفِقْهِ الدِّينِ ، وَسِرَّ الزَّكَاةِ فَإِنَّ سِرَّ الزَّكَاةِ تَطْهِيرُ الْقَلْبِ عَنْ رَذِيلَةِ الْبُخْلِ ; فَإِنَّ الْبُخْلَ مُهْلِكٌ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ثَلَاثٌ مُهْلِكَاتٌ : شُحٌّ مُطَاعٌ .
وَإِنَّمَا صَارَ شُحُّهُ مُطَاعًا بِمَا فَعَلَهُ وَقَبْلَهُ لَمْ يَكُنْ مُطَاعًا .
فَقَدْ تَمَّ هَلَاكُهُ بِمَا يَظُنُّ أَنَّ فِيهِ خَلَاصَهُ ، فَإِنَّ اللَّهَ مُطَّلِعٌ عَلَى قَلْبِهِ وَحُبِّهِ الْمَالَ وَحِرْصِهِ عَلَيْهِ ، وَأَنَّهُ بَلَغَ مِنْ حِرْصِهِ عَلَى الْمَالِ أَنِ اسْتَنْبَطَ الْحِيَلَ حَتَّى يَسُدَّ عَلَى نَفْسِهِ طَرِيقَ الْخَلَاصِ مِنَ الْبُخْلِ بِالْجَهْلِ وَالْغُرُورِ ، وَمِنْ ذَلِكَ إِبَاحَةُ اللَّهِ مَالَ الْمَصَالِحِ لِلْفَقِيهِ وَغَيْرِهِ بِقَدْرِ الْحَاجَةِ ، وَالْفُقَهَاءُ الْمَغْرُورُونَ لَا يُمَيِّزُونَ بَيْنَ الْأَمَانِي وَالْفُضُولِ وَالشَّهَوَاتِ ، وَبَيْنَ الْحَاجَاتِ بَلْ كُلُّ مَا لَا تَتِمُّ رُعُونَتُهُمْ إِلَّا بِهِ يَرَوْنَهُ حَاجَةً ، وَهُوَ مَحْضُ الْغُرُورِ ، بَلِ الدُّنْيَا خُلِقَتْ لِحَاجَةِ الْعِبَادِ إِلَيْهَا فِي الْعِبَادَةِ وَسُلُوكِ طَرِيقِ الْآخِرَةِ ، فَكُلُّ مَا تَنَاوَلَهُ الْعَبْدُ لِلِاسْتِعَانَةِ بِهِ عَلَى الدِّينِ وَالْعِبَادَةِ فَهُوَ حَاجَتُهُ ، وَمَا عَدَا ذَلِكَ فَهُوَ فُضُولُهُ وَشَهْوَتُهُ وَلَوْ ذَهَبْنَا نِصْفَ
nindex.php?page=treesubj&link=18881غُرُورِ الْفُقَهَاءِ فِي أَمْثَالِ هَذَا لَمَلَأْنَا فِيهِ مُجَلَّدَاتٍ ، وَالْغَرَضُ مِنْ ذَلِكَ التَّنْبِيهُ عَلَى أَمْثِلَةٍ تُعَرِّفُ الْأَجْنَاسَ دُونَ الِاسْتِيعَابِ ، فَإِنَّ ذَلِكَ يَطُولُ .