إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
صفة يوم القيامة ودواهيه وأساميه .

فاستعد يا مسكين لهذا اليوم العظيم شأنه ، المديد زمانه ، القاهر سلطانه القريب أوانه يوم ترى السماء فيه قد انفطرت والكواكب من هوله قد انتثرت والنجوم الزواهر قد انكدرت والشمس قد كورت والجبال قد سيرت والعشار قد عطلت والوحوش قد حشرت والبحار قد سجرت والنفوس إلى الأبدان قد زوجت والجحيم قد سعرت والجنة قد أزلفت والجبال قد نسفت والأرض قد مدت يوم ترى الأرض قد زلزلت فيه زلزالها وأخرجت الأرض أثقالها يومئذ يصدر الناس أشتاتا ليروا أعمالهم يوم تحمل الأرض والجبال فدكتا دكة واحدة فيومئذ وقعت الواقعة وانشقت السماء فهي يومئذ واهية والملك على أرجائها ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية يومئذ تعرضون لا . تخفى منكم خافية ، يوم تسير الجبال وترى الأرض بارزة يوم ترج الأرض فيه رجا وتبس الجبال بسا فكانت هباء منبثا يوم يكون الناس كالفراش المبثوث وتكون الجبال كالعهن المنفوش يوم تذهل فيه كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد يوم تبدل الأرض غير الأرض والسموات وبرزوا لله الواحد القهار يوم تنسف فيه الجبال نسفا فتترك قاعا صفصفا لا ترى فيها عوجا ولا أمتا يوم ترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب يوم تنشق فيه السماء فتكون وردة كالدهان فيومئذ لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جان يوم يمنع فيه العاصي من الكلام ولا يسأل فيه عن الإجرام بل يؤخذ بالنواصي والأقدام يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا يوم تعلم فيه كل نفس ما أحضرت وتشهد ما قدمت وأخرت يوم تخرس فيه الألسن وتنطق الجوارح يوم شيب ذكره سيد المرسلين إذ قال له الصديق رضي الله عنه : أراك قد شبت يا رسول الله ، قال شيبتني : هود وأخواتها وهي الواقعة والمرسلات وعم يتساءلون وإذا الشمس كورت فيا أيها القارئ العاجز إنما حظك من قراءتك أن تمجمج القرآن وتحرك به اللسان ، ولو كنت متفكرا فيما تقرؤه لكنت جديرا بأن تنشق مرارتك مما شاب منه شعر سيد المرسلين وإذا قنعت بحركة اللسان فقد حرمت ثمرة القرآن ؛ فالقيامة أحد ما ذكر فيه وقد وصف الله بعض دواهيها وأكثر من أساميها لتقف بكثرة أساميها على كثرة معانيها ؛ فليس المقصود بكثرة الأسامي تكرير الأسامي والألقاب بل الغرض تنبيه أولي الألباب فتحت كل اسم من أسماء القيامة سر ، وفي كل نعت من نعوتها معنى فاحرص على معرفة معانيها .

ونحن الآن نجمع لك أساميها وهي يوم القيامة ويوم الحسرة ويوم الندامة ويوم المحاسبة ويوم المساءلة ويوم المسابقة ويوم المناقشة ويوم المنافسة ويوم الزلزلة ويوم الدمدمة ويوم الصاعقة ويوم الواقعة ويوم القارعة ويوم الراجفة ويوم الرادفة ويوم الغاشية ويوم الداهية ويوم الآزفة ويوم الحاقة ويوم الطامة ويوم الصاخة ويوم التلاق ويوم الفراق ويوم المساق ويوم القصاص ويوم التناد ويوم الحساب ويوم المآب ويوم العذاب ويوم الفرار ويوم القرار ويوم اللقاء ويوم البقاء ويوم القضاء ويوم الجزاء ويوم البلاء ويوم البكاء ويوم الحشر ويوم الوعيد ويوم العرض ويوم الوزن ويوم الحق ويوم الحكم ويوم الفصل ويوم الجمع ويوم البعث ويوم الفتح ويوم الخزي ويوم عظيم ويوم عقيم ويوم عسير ويوم الدين ويوم اليقين ويوم النشور ويوم المصير ويوم النفخة ويوم الصيحة ويوم الرجفة ويوم الرجة ويوم الزجرة ويوم السكرة ويوم الفزع ويوم المنتهى ويوم الجزع ويوم المأوى ويوم الميقات ويوم الميعاد ويوم المرصاد ويوم الفلق ويوم العرق ويوم الافتقار ويوم الانكدار ويوم الانتشار ويوم الانشقاق ويوم الوقوف ويوم الخروج ويوم الخلود ويوم التغابن ويوم عبوس ويوم معلوم ويوم موعود ويوم مشهود ويوم لا ريب فيه ويوم تبلى السرائر ويوم لا تجزي نفس عن نفس شيئا ويوم تشخص فيه الأبصار ويوم .

لا يغني مولى عن مولى شيئا ، ويوم لا تملك نفس لنفس شيئا ، ويوم يدعون إلى نار جهنم دعا ويوم يسحبون في النار على وجوههم ويوم تقلب وجوههم في النار ، ويوم لا يجزي والد عن ولده ويوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه ويوم لا ينطقون ولا يؤذن لهم فيعتذرون يوم لا مرد له من الله يوم هم بارزون ويوم هم على النار يفتنون يوم لا ينفع مال ولا بنون ، يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم ولهم اللعنة ولهم سوء الدار .

يوم ترد فيه المعاذير وتبلى السرائر وتظهر الضمائر وتكشف الأستار .

يوم تخشع فيه الأبصار وتسكن الأصوات ويقل فيه الالتفات وتبرز الخفيات وتظهر الخطيئات يوم يساق العباد ومعهم الأشهاد ويشيب الصغير ويسكر الكبير فيومئذ وضعت الموازين ونشرت الدواوين وبرزت الجحيم وأغلي الحميم وزفرت النار ويئس الكفار وسعرت النيران وتغيرت الألوان وخرس اللسان ونطقت جوارح الإنسان . .

فيا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم حيث أغلقت الأبواب وأرخيت الستور واستترت عن الخلائق فقارفت الفجور فماذا تفعل وقد شهدت عليك جوارحك فالويل كل الويل لنا معاشر الغافلين ، يرسل الله لنا سيد المرسلين وينزل عليه الكتاب المبين ويخبرنا بهذه الصفات من نعوت يوم الدين ، ثم يعرفنا غفلتنا ويقول اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث إلا استمعوه وهم يلعبون لاهية قلوبهم ثم يعرفنا قرب القيامة فيقول : اقتربت الساعة وانشق القمر إنهم يرونه بعيدا ونراه قريبا وما يدريك لعل الساعة تكون قريبا ثم يكون أحسن أحوالنا أن نتخذ دراسة هذا القرآن عملا فلا نتدبر معانيه ولا ننظر في كثرة أوصاف هذا اليوم وأساميه ، ولا نستعد للتخلص من دواهيه .

فنعوذ بالله من هذه الغفلة إن لم يداركنا الله بواسع رحمته .


* (صفة يوم القيامة ودواهيه وأساميه) *

(فاستعد يا مسكين لهذا اليوم العظيم شأنه، المديد زمانه، القاهر سلطانه) الشديد هوله وحسابه وجزاؤه (القريب أوانه) لقوله تعالى: إنهم يرونه بعيدا ونراه قريبا لأنه آت وكل آت قريب (يوم ترى السماء فيه قد انفطرت) أي: انشقت (والكواكب من هوله قد انتشرت) أي: وقعت متفرقة (والنجوم الزواهر) أي: المضيئة (قد انكدرت) أي: تغيرت ألوانها (والشمس قد كورت) أي: لفت كما تلف العمامة أو لف ضوءها فذهب أثره أو ألقيت مجتمعة (والجبال قد سيرت) عن وجه الأرض أو في الجو (والعشار قد عطلت) جمع عشراء، وهي الناقة التي أتى على حملها عشرة أشهر، وعطلت أي: تركت مهملة أو السحائب عطلت عن المطر .

(والوحوش قد حشرت) أي: جمعت من كل جانب أو بعثت للقصاص، ثم ردت ترابا أو أميتت من قولهم: إذا أجحفت السنة بالناس حشرتهم (والبحار قد سجرت) أي: أججت وأحميت أو ملئت بتفجير بعضها إلى بعض حتى تعود بحرا واحدا، من سجر التنور إذا ملأه بالحطب ليحميه .

(والنفوس إلى الأبدان قد زوجت) أي: قرنت بها، أو المعنى: قرن كل منها بشكلها أو بكتابها أو بعلمها أو نفوس المؤمنين بالحور ونفوس الكافرين بالشياطين (والجحيم قد سعرت) أوقدت إيقادا شديدا (والجنة قد أزلفت) قربت من المؤمنين (والجبال قد نسفت) أي: جعلت كالرمل حتى صارت قاعا مستويا (والأرض قد مدت) بسطت بأن تزال جبالها وآكامها (يوم ترى الأرض [ ص: 461 ] قد زلزلت فيه زلزالها) اضطرابها المقدر لها عند النفخة الأولى أو الثانية أو الممكن لها أو اللائق بها في الحكمة (وأخرجت الأرض أثقالها) ما في جوفها من الدفائن والأموات (يومئذ يصدر الناس) من مخارجهم من القبور إلى الموقف (أشتاتا) متفرقين بحسب مراتبهم (ليروا أعمالهم) أي: جزاء أعمالهم (يوم تحمل الأرض والجبال فدكتا دكة واحدة) أي: بسطتا بسطة واحدة، يقال: أكمة دكاء، أي: منبسطة .

(فيومئذ وقعت الواقعة) أي: حدثت القيامة سميت واقعة لتحقق وقوعها (وانشقت السماء) لنزول الملائكة (فهي يومئذ واهية) أي: ضعيفة (والملك على أرجائها) أي: أطرافها وجوانبها (ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية) وهم اليوم أربعة، أقدامهم على تخوم الأرض السفلى، والأرضون والسموات إلى حجرهم والعرش على مناكبهم، لهم زجل بالتسبيح كما ورد ذلك في الخبر (يومئذ تعرضون على ربكم) لأجل الحساب (لا تخفى منكم خافية، يوم تسير الجبال) أي: تقلع من الأرض فتجعل هباء منثورا .

(وترى الأرض بارزة) بادية برزت من تحت الجبال ليس عليها ما يسترها (يوم ترج الأرض رجا) أي: تحرك تحركا شديدا بحيث ينهدم ما فوقها من بناء وجبل (وتبس الجبال بسا) أي: تفنى حتى تصير كالسويق الملتوت، من بس السويق إذا لت أو تسار سيرا من بس الغنم إذا ساقها (فكانت هباء) غبارا (منبثا) منشرا .

(يوم يكون الناس كالفراش المبثوث) في كثرتهم وانتشارهم واضطرابهم (وتكون الجبال كالعهن) أي: كالصفوف ذي الألوان (المنفوش) المندوف لتفرق أجزائها وتطايرها في الجو (يوم تذهل فيه كل مرضعة عما أرضعت) الذهول: الذهاب عن الأمر بدهشة، والمقصود أن هولها بحيث إذا دهشت التي ألقمت الرضيع ثديها نزعته عن فيه وذهلت (وتضع كل ذات حمل حملها) أي: جنينها .

(وترى الناس سكارى) كأنهم سكارى (وما هم بسكارى) على الحقيقة (ولكن عذاب الله شديد) فأرهقهم هوله بحيث طير عقلهم وأذهب تمييزهم (يوم تبدل الأرض غير الأرض) إما في الذات أو في الصفات، وقد تقدم (والسماوات) غير السماوات (وبرزوا لله الواحد القهار) في أرض المحشر لأجل الحساب (يوم تنسف فيه الجبال نسفا) أي: تصير كالرمل فتنسفه الريح (فتترك قاعا صفصفا) مستويا (لا ترى فيها عوجا) وهدة (ولا أمتا) ولا ارتفاعا (يوم ترى الجبال تحسبها جامدة) أي: ثابتة قارة (وهي تمر مر السحاب) في مروره (يوم تنشق فيه السماء) بالغمام (فتكون وردة) صفراء (كالدهان) الأديم الأحمر؛ أي على هيئة لونه (فيومئذ لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جان) لأنهم لا يعرفون بسيماهم، وذلك حين يخرجون من قبورهم ويحشرون إلى الموقف ذودا ذودا، على اختلاف مراتبهم، وأما قوله: فوربك لنسألنهم أجمعين ونحوه فحين يحاسبون في المجمع .

(يوم يمنع فيه العاصي من الكلام ولا يسأل فيه عن الإجرام) جمع جرم بالضم، وهو الذنب (بل يؤخذ بالنواصي والأقدام) مجموعا بينهما أو يؤخذون بالنواصي تارة وبالأقدام أخرى ( يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا يوم تعلم فيه كل نفس ما أحضرت) من خير أو شر (وتشهد ما قدمت) من عمل أو صدقة (وأخرت) من سيئة أو تركة، ويجوز أن يراد بالتأخير التضييع (يوم تخرس فيه الألسن) بعد أن كانت فصاحا (وتنطق الجوارح) وأول من ينطق منها الفخذ كما ورد في الخبر .

(يوم شيب ذكره سيد المرسلين) -صلى الله عليه وسلم- (إذ قال له) أبو بكر (الصديق -رضي الله عنه-: أراك قد شبت يا رسول الله، قال: شيبتني هود والواقعة والمرسلات وعم يتساءلون وإذا الشمس كورت) رواه الترمذي وقال: حسن غريب، والحاكم من حديث ابن عباس، ورواه الحاكم أيضا عنه عن أبي بكر، وعند الطبراني وابن مردويه من حديث سهل ابن سعد : شيبتني هود وأخواتها الواقعة والحاقة وإذا الشمس كورت، وقد تقدم الكلام عليه مفصلا .

(فيا أيها القارئ العاجز إنما حظك من قراءتك أن تجمع القرآن وتحرك به اللسان، ولو كنت متفكرا فيما تقرؤه) متأملا [ ص: 462 ] فيما في باطن ألفاظه من المعاني (لكنت جديرا بأن تنشق مرارتك فيما شاب منه شعر سيد المرسلين) -صلى الله عليه وسلم- (وإذا قنعت بحركة اللسان فقد حرمت ثمرة القرآن؛ فالقيامة أحد ما ذكر فيه وقد وصف الله بعض دواهيها) .

قال الإمام أحمد : حدثنا عبد الرزاق، عن عبد الله بن بجير، عن عبد الرحمن بن يزيد الصغاني، عن ابن عمر قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: من سره أن ينظر إلى يوم القيامة رأي عين؛ فليقرأ: إذا الشمس كورت، وإذا السماء انفطرت، وإذا السماء انشقت . ورواه الترمذي عن عباس العنبري، عن عبد الرزاق به وحسنه، وقال: روى هشام بن يوسف وغيره هذا الحديث بهذا الإسناد ولم يذكروا إذا السماء انشقت وإذا السماء انفطرت .

(وأكثر من أساميها وصفاتها) في مواضع منه متعددة (لتقف بكثرة أساميها على كثرة معانيها؛ فليس المقصود تكرير المعاني والألقاب بل الغرض تنبيه أولي الألباب) وتذكيرهم بها ليتنبهوا لدرك معانيها (فتحت كل اسم من أسماء القيامة سر، وفي كل نعت من نعوتها معنى) غريب (فاحرص على معرفة معانيها) إن كنت من أولي الألباب المتنبهين (ونحن الآن نجمع لك أساميها وهي يوم القيامة) وهو أشهر أسمائها، وقد ذكره الله تعالى في كتابه بهذا الاسم في مواضع كثيرة ومنها صورة مخصوصة بهذا الاسم وإنما سميت بها لمفتتحها ولقوله: يسأل أيان يوم القيامة ولاشتمالها على بيان هول القيامة وهيبتها وبيان إثبات البعث وتأثير القيامة في أعيان العالم والوعد باللقاء والرؤية والخبر عن حال السكرة والرجوع إلى برهان القيامة وتقرير القدرة على بعث الأموات، ولأصل القيامة قوامة، قلبت الواو ياء جوازا مع الكسرة والتاء للصفة سمي اليوم بها؛ لأن الناس يقومون فيه؛ أي: ينتصبون لرب العالمين فلا يؤذن لهم بالقعود، وقال: المناوي: القيامة عبارة عن قيام الساعة، وأصلها ما يكون من الإنسان دفعة واحدة .

(ويوم الحسرة) لأن الناس يتحسرون فيه، فالمسيء على إساءته والمحسن على قلة إحسانه (ويوم الندامة) لأنهم يندمون فيه على ما فاتهم من الأعمال الصالحة، والحسرة: الغم على ما فات والندم عليه كأنه انحسر عنه الجهل الذي حمله على ما ارتكبه، وعبر بعضهم بقوله: الحسرة بلوغ النهاية في التلهف حتى يبقى القلب حسيرا لا موضع فيه لزيادات التلهف والندامة، التحسر من تغير رأي في أمر فائت، وقيل: هو أن يلوم نفسه على تفريط وقع منه، وقيل: غم يصحب الإنسان يتمنى أن ما وقع منه لم يقع .

(ويوم المحاسبة) وهو مفاعلة من الحساب وهو استيفاء الأعداد فيما للمرء وعليه، فهم يحاسبون فيه أعمالهم على القليل والكثير .

(ويوم المساءلة) مفاعلة من السؤال وهو استدعاء معرفة أو ما يؤدي إلى معرفة فهم يسألون فيه عن كل شيء جليل وحقير .

(ويوم المسابقة) مفاعلة من السبق؛ لأنهم بعد فراغهم من الحساب يتسابقون إلى مراتبهم .

(ويوم المناقشة) مفاعلة من النقش وهو التدقيق في الحساب، فهم يدقق عليهم في كل قليل وكثير .

(ويوم المنافسة) مفاعلة من النفس، وحقيقتها مجاهدة النفس باللحوق إلى درجات الصالحين (ويوم الزلزلة) أي: الاضطراب فإن الجبال والأرض تضطرب فيه فتزول عن مواضعها (ويوم الدمدمة) سمي بذلك؛ لأنه يدمدم عليهم العذاب فيه؛ أي: يطبق من قولهم ناقة مدمدمة إذا كبسها السمن (ويوم الصاعقة) لأنه يصعق من في السموات والأرض (ويوم الواقعة) ولا يقال إلا في الشدة والمكروه، وأكثر ما جاء في القرآن من لفظ "وقع" جاء في العذاب والشدائد نحو إذا وقعت الواقعة أي: القيامة (ويوم القارعة) سمي باسم الساعة أو الحالة التي تقرع الناس بالأقراع والأجرام بالانفطار والانتثار (ويوم الراجفة) سمي باسم الساعة أو الحالة وهي النفخة التي ترجف الناس والأجرام؛ أي: تزلزلهم عن مواضعهم (ويوم الرادفة) سمي باسم النفخة الثانية فإنها تردف الأولى؛ أي: تتبعها، وبينهما أربعون سنة كما تقدم (ويوم الغاشية) سمي باسم الساعة أو الحالة التي تغشى الناس بشدائدها وهي النائبة والنازلة، والجمع الدواهي، وهي اسم فاعل من دهاه الأمر يدهاه إذا نزل به (ويوم الآزفة) بالمد سمي باسم الساعة القريبة لدنوها وقربها أزفت الآزفة أي: دنت القيامة، وقد أزف الرحيل، كتعب، أزفا وأزوفا دنا وقرب (ويوم الحاقة) بتشديد القاف سمي باسم الساعة أو الحالة التي يحق وقوعها أو التي تحق فيها الأمور؛ أي: تعرف حقيقتها أو تقع فيه حواق الأمور من [ ص: 463 ] الحساب والجزاء على الإسناد المجازي (ويوم الطامة) بتشديد الميم يقال: طم الماء طموما غمر، وطم الإناء ملأه، والركية دفنها وسواها، والشيء كثر وعلا، وسميت القيامة طامة لذلك .

(ويوم الصاخة) بتشديد الخاء، وهي في الأصل شدة صوت ذي النطق، صخ يصخ صخا، سميت القيامة به لأنهم يصخون فيه لشدة اضطرابهم واختلاطهم (ويوم التلاق) وهو تفاعل من اللقي؛ لأنهم يلاقي بعضهم فيه بعضا (ويوم الفراق) لأنهم يفارقون فيه مألوفاتهم، (ويوم المساق) ؛ لأنهم يساقون فيه إلى المحشر (ويوم القصاص) لأنهم يقاصون فيه حتى تقتص الشاة القرناء من الشاة الجماء (ويوم التناد) بتخفيف الدال لأنهم ينادون فيه بعضهم بعضا لشدة اضطرابهم .

(ويوم الحساب) وهو ما يحاسب عليه فيجازى بحسبه (ويوم المآب) أي: المرجع؛ لأنهم يرجعون فيه إلى الله أو يرجعون إلى إحدى الدارين الجنة أو النار (ويوم العذاب) وهو كل عقوبة مؤلمة واستعير للأمور الشاقة؛ فأنهم يعاقبون فيه بقدر معاصيهم (ويوم الفرار) لأنه يفر فيه المرء من أخيه وأمه وأبيه (ويوم القرار) لأنهم يستقرون فيه إما في جنة أو في نار (ويوم اللقاء) ؛ لأنهم يلاقون فيه ربهم (ويوم البقاء) لأنهم يثبتون فيه على أحوالهم التي قرروا فيها (ويوم القضاء) لأنه يقضى فيه وينفذ الأمر المقدر (ويوم الجزاء) لأنهم يجازون فيه بأعمالهم (ويوم البلاء) وهو الشدة والامتحان لأنهم يمتحنون فيه ويشتد عليهم الأمر فيه (ويوم البكاء) لأنهم يبكون فيه على أنفسهم حسرة وندامة (ويوم الحشر) لأنه يجمع فيه الخلق بأجمعهم إلى الصعيد الواسع (ويوم الوعيد) لأنه يحقق فيه إيعادهم بالشر وينجز .

(ويوم العرض) لأنه تعرض فيه أعمالهم على الله تعالى ويوصف بالأكبر فيقال يوم العرض الأكبر (ويوم الوزن) لأنه توزن فيه أعمالهم بالميزان (ويوم الحق) لأنه يحق فيه العذاب والثواب أو تحق فيها الأمور؛ أي: تعرف حقيقتها (ويوم الحكم) لأن الله تعالى يحكم فيه بحكمه لا معقب لحكمه ولا راد له (ويوم الفصل) لأنه تفصل فيه الأحكام (ويوم الجمع) لأنه يجمع فيه الأولون والآخرون (ويوم البعث) لأنه تبعث فيه الأرواح فتدخل الأجسام (ويوم الفتح) لأنه لا يزال فيه الانغلاق والإشكال فتنكشف الأمور على حقيقتها (ويوم الخزي) لأنه تظهر فيه القبائح التي يستحيا من إظهارها عقوبة فيلحق بذلك الغم والانكسار والهوان (ويوم عظيم) لعظم هوله وحسابه وجزائه (ويوم عسير) لعسره وشدته (ويوم الدين) أي: يوم الجزاء، ومنه كما تدين تدان، وقيل: الدين الشريعة، وقيل: الطاعة والمعنى يوم جزاء الدين، وتخصيص اليوم بالإضافة إما لتعظيمه أو لتفرده تعالى بنفوذ الأمور فيه .

(ويوم اليقين) لأنه يوم تظهر فيه الحقائق ظهورا لا مجال للشك فيه (ويوم النشور) لأنه تنشر فيه الأجسام من القبور إلى الموقف (ويوم المصير) أي: المرجع إلى الله تعالى (ويوم النفخة) لأنه ينفخ فيه الصور (ويوم الصيحة) لأن الله تعالى يأمر إسرافيل في النفخة الأولى أن يمدها ويطولها فلا يفتر وهو الذي يقول الله فيها: وما ينظر هؤلاء إلا صيحة واحدة ما لها من فواق كما في خبر أبي هريرة (ويوم الرجفة) أي: الاضطراب الشديد ترجف فيه الجبال والأرضون (ويوم الرجة) ترج فيه الأرض بأهلها فتميد الناس على ظهرها (ويوم الزجرة) لأن الملائكة تزجر فيه العصاة والمذنبين (ويوم السكرة) لأنه تسكر فيه العقول لشدة هوله .

(ويوم الفزع) لما يعتري لهم فيه من الانقباض والخوف، ويقال: يوم الفزع الأكبر (ويوم الجزع) لما يعتري لهم فيه من الحزن الذي يصرفهم عما هم بصدده ويقطعهم عنه (ويوم المنتهى) لأنه ينتهي فيه الأمر إلى الله تعالى (ويوم المأوى) أي: يوم المرجع، إما إلى النار أو إلى الجنة (ويوم الميقات) أي: الوقت هو مقدار من الزمان مفروض لأمر ما فهو ميقات مقدر له غاية (ويوم الميعاد) هو يكون زمانا ومكانا (ويوم المرصاد) لأنه يرتقب فيه وينتظر لما يحل من الثواب والعقاب (ويوم الغلق) محركة؛ لأنه تغلق فيه الأمور وتتبدل الأحوال، ويبدل السرور بالوحشة والوحشة بالسرور (ويوم العرق) محركة لأنه تسيل فيه الأعراق فتجتمع فوق القدمين وتفور إلى فوق؛ فمنهم من يوسطه ومنهم من يغمره كما في الخبر السابق .

(ويوم الافتقار) لأنه يظهر فيه شدة الاحتياج إلى المعين والشفيع (ويوم الانكدار) لأنه تتكدر فيه النجوم؛ أي: يتغير لونها (ويوم الانتشار) لأنه تنتشر فيه النجوم؛ أي: تتساقط على الأرض مبددة (ويوم الانشقاق) لأنه تنشق فيه [ ص: 464 ] السموات لنزول الملائكة (ويوم الوقوف) لأنهم يقفون فيه أربعين يوما لا يؤذن لهم بالقعود (ويوم الخروج) ؛ أي: البروز من مقارهم، وهي القبور (ويوم الخلود) أي: البقاء إما في الجنة أو في النار (ويوم التغابن) سمي به لظهور الغبن في المبايعة المشار إليها بقوله: ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله وقوله: إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم وقوله: الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا فعلموا أنهم قد غبنوا فيما تركوا من المبايعة وفيما تعاطوا من ذلك جميعا، وسئل بعضهم عن يوم التغابن، فقال: تبدو الأشياء لهم بخلاف مقاديرهم في الدنيا، وقيل: سمي بذلك؛ لأن أهل الجنة يغبن أهل النار .

(ويوم عبوس) أي: شديد، يقال: عبس اليوم، إذا اشتد، ومنه قولهم: أعوذ بالله من ليلة بوس ويوم عبوس (ويوم معلوم) لأنهم قد علموه وأخبرهم الرسل بذلك فهو لا يتقدم ولا يتأخر (ويوم موعود) قد وعد الله بذلك وهو حق (ويوم مشهود) لأنه تشهده الملائكة أو لأنه يشهده الأولون والآخرون (ويوم لا ريب فيه) أي: لا شك ولا تردد (ويوم تبلى السرائر) أي: تمتحن البواطن، فتنكشف على جليتها (ويوم لا تجزي نفس عن نفس شيئا) لكمال شغلهم بأنفسهم (ويوم تشخص فيه الأبصار) أي: ترتفع نحو السماء لما يعتريهم من الذهول (ويوم لا يغني مولى عن مولى شيئا، ويوم لا تملك نفس لنفس شيئا، ويوم يدعون إلى نار جهنم دعا) أي: يدفعون إليها دفعا شديدا (ويوم يسحبون في النار على وجوههم) يتقون بوجوههم كل حدب وشوك (ويوم تقلب وجوههم في النار، ويوم لا يجزي والد عن ولده) ولا مولود هو جاز عن والده شيئا (ويوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه) وهم الأقربون إليه، فيفر منهم لشغله بما دهاه من الفزع، روى أبو عبيد بن المنذر عن قتادة قال: ليس شيء أشد على الإنسان يوم القيامة من أن يرى من يعرفه مخافة أن يكون يطلبه بمظلمة .

(ويوم لا ينطقون) لغلبة الذهول عليهم (ولا يؤذن لهم) بالاعتذار فيعتذرون، روى ابن مردويه عن عبد الله بن الصامت قال: قلت لعبد الله بن عمرو : أرأيت قول الله: هذا يوم لا ينطقون ولا يؤذن لهم فيعتذرون قال: إن يوم القيامة يوم له حالات وتارات في حال لا ينطقون وفي حال ينطقون وفي حال يعتذرون. وروى الحاكم وصححه من طريق عكرمة أن نافع بن الأزرق سأل ابن عباس عن قوله: يوم لا ينطقون و فلا تسمع إلا همسا و وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون و هاؤم اقرءوا كتابيه قال: ويحك! هل سألت عن هذا أحدا قبلي؟ قال: لا، قال: إنك لو كنت سألت هلكت، أليس قال الله تعالى وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون قال: بلى، قال: إن لكل مقدار يوم من الأيام لونا من الألوان.

(يوم لا مرد له من الله يوم هم بارزون) أي: ظاهرون من قبورهم لا يسترهم شيء (يوم هم على النار يفتنون) أي: يمتحنون (يوم لا ينفع مال ولا بنون، يوم لا ينفع الظالمين معرفتهم ولهم اللعنة ولهم سوء الدار، يوم ترد فيه المعاذر) جمع معذرة (وتبلى) فيه (السرائر) أي: البواطن (وتظهر) فيه (الضمائر) أي: ما أضمر وأخفي (وتكشف) فيه (الأستار، يوم تخشع فيه الأبصار) أي: تذل لشدته (وتسكن) فيه (الأصوات) فلا تكون إلا كالهمس والسرار (ويقل فيه الالتفات) إلى يمين وشمال (وتبرز) فيه (الخفيات) الأمور المكتوبة (وتظهر) فيه (الخطيئات) بعد أن كانت مكتوبة .

(يوم يساق العباد) إلى العرض (ومعهم الأشهاد) جمع شاهد كصاحب وأصحاب، والمراد بهم أعضاؤهم؛ فإنها تشهد عليهم (ويشيب) فيه (الصغير) أي: يهرم (ويسكر الكبير) أي: يذهل عقله كهيئة السكران، ومما بقي عليه من أسمائه الساعة، وهو من أشهر الأسماء، وإنما عبر بها عنها تشبيها بذلك لسرعة حسابها كما قال تعالى: وهو أسرع الحاسبين وكما نبه عليه بقوله: كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلا ساعة من نهار وقوله تعالى: ويوم تقوم الساعة يقسم المجرمون ما لبثوا غير ساعة فالأولى القيامة والثانية الوقت اليسير، وقيل: الساعات التي هي القيامة ثلاث: الساعة الكبرى وهي البعث للحساب، ومنه الحديث: لا تقوم الساعة حتى يظهر الفحش والتفحش وحتى يعبد الدرهم والدينار، وذكر أمورا لم تحدث في زمانه ولا بعده، والساعة الوسطى وهي موت أهل القرن الواحد، وذلك نحو ما ورد أنه رأى -صلى الله عليه وسلم- عبد الله بن أنيس، فقال: إن يطل عمر هذا الغلام لم يمت حتى تقوم الساعة، فقيل إنه كان من آخر من مات من الصحابة، والساعة الصغرى هي موت الإنسان، فساعة كل إنسان موته، وهي المشار إليها [ ص: 465 ] بقوله: حتى إذا جاءتهم الساعة بغتة قالوا يا حسرتنا ومعلوم أن هذه الحسرة تنال الإنسان عند موته كقوله: لولا أخرتني إلى أجل قريب وروي أنه -صلى الله عليه وسلم- كان إذا هبت الريح تغير لونه وقال: تخوفت الساعة، وقال: وما أمد طرفي ولا أغضها إلا وأظن الساعة قد قامت يعني موته -صلى الله عليه وسلم- والله أعلم .

ومن نعوته: يوم ثقيل، ويوم الوعيد، ويوم الوعد، والخافضة، والرافعة، ويوم تغشى وجوههم النار، ويوم ينفع الصادقين صدقهم (فيومئذ وضعت الموازين) لوزن الأعمال (ونشرت الدواوين) هي صحائف الأعمال (وبرزت الجحيم) أي: أظهرت (وأغلي الحميم) أي: أوقد (وزفرت النار) أي: رددت نفسها (ويئس الكفار وسعرت النيران) أي: أججت (وتغيرت الألوان) إلى صفرة وزرقة وحمرة وكدرة وغبرة بحسب اختلاف الأحوال (وخرس اللسان) عن النطق (ونطقت الجوارح) فشهدت بالخير والشر (فيا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم حيث أغلقت الأبواب وأرخيت الستور واستترت عن الخلائق فقارفت الفجور) وشققت ستر الديانة، ولا يخفى حالك على الخالق (فما تفعل وقد شهدت عليك جوارحك) وأبرزوا منك كل ما سترته (فالويل كل الويل لنا معاشر الغافلين، يرسل الله تعالى لنا سيد المرسلين) -صلى الله عليه وسلم- (وينزل عليه الكتاب المبين) المفصل لكل شيء (ويخبرنا بهذه الصفات من نعوت يوم الدين، ثم يعرفنا غفلتنا ويقول اقترب للناس حسابهم) بالإضافة إلى ما مضى أو عند الله أو لأن كل ما هو آت قريب، وإنما البعيد ما انقرض ومضى، والمراد بالناس الكفار، ولتقييدهم بقوله ( وهم في غفلة معرضون ) عن التفكير فيه (ما يأتيهم من ذكر) ينبههم عن سنة الغفلة والجهالة ( من ربهم محدث ) تنزيله كي يتعظوا ( إلا استمعوه وهم يلعبون ) يستهزؤون ويسخرون منه لتناهي غفلتهم وفرط إعراضهم عن النظر في الأمور والتفكر في العواقب (لاهية قلوبهم) أي: استمعوه جامعين بين الاستهزاء والتسلي والذهول عن التفكير فيه (ثم يعرفنا قرب القيامة) بالإضافة لما عنده (فيقول: اقتربت الساعة وانشق القمر ) ويقول ( إنهم يرونه بعيدا ونراه قريبا ) ويقول ( وما يدريك لعل الساعة تكون قريبا ) ويقول : ويستعجلونك بالعذاب ولن يخلف الله وعده وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون (ثم يكون أحسن أحوالنا أن نتخذ دراسة هذا القرآن عملا فلا نتدبر معانيه ولا ننظر في كثرة أوصاف هذا اليوم وأساميه، ولا نستعد للتخلص من دواهيه فنعوذ بالله من هذه الغفلة إن لم يتداركنا الله بواسع رحمته) وهو الموفق .

التالي السابق


الخدمات العلمية