صفحة جزء
[ ص: 201 ] فصل

في انتفاع الإنسان بعمل غيره [ ص: 202 ] [ ص: 203 ] قال الشيخ تقي الدين أبو العباس أحمد بن تيمية :

من اعتقد أن الإنسان لا ينتفع إلا بعمله فقد خرق الإجماع ، وذلك باطل من وجوه كثيرة :

أحدها : أن الإنسان ينتفع بدعاء غيره وهو انتفاع بعمل الغير .

ثانيها : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - يشفع لأهل الموقف في الحساب ثم لأهل الجنة في دخولها .

ثالثها : لأهل الكبائر في الخروج من النار ، وهذا انتفاع بسعي الغير .

رابعها : أن الملائكة يدعون ويستغفرون لمن في الأرض ، وذلك منفعة بعمل الغير .

خامسها : أن الله تعالى يخرج من النار من لم يعمل خيرا قط بمحض رحمته ، وهذا انتفاع بغير عملهم .

سادسها : أن أولاد المؤمنين يدخلون الجنة بعمل آبائهم وذلك انتفاع بمحض عمل الغير .

سابعها : قال تعالى في قصة الغلامين اليتيمين : وكان أبوهما صالحا فانتفعا بصلاح أبيهما وليس من سعيهما . [ ص: 204 ]

ثامنها : أن الميت ينتفع بالصدقة عنه وبالعتق بنص السنة والإجماع ، وهو من عمل الغير .

تاسعها : أن الحج المفروض يسقط عن الميت بحج وليه بنص السنة ، وهو انتفاع بعمل الغير .

عاشرها : أن الحج المنذور أو الصوم المنذور يسقط عن الميت بعمل غيره بنص السنة ، وهو انتفاع بعمل الغير .

حادي عشرها : المدين قد امتنع - صلى الله عليه وسلم - من الصلاة عليه حتى قضى دينه أبو قتادة ، وقضى دين الآخر علي بن أبي طالب ، وانتفع بصلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وهو من عمل الغير .

ثاني عشرها : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لمن صلى وحده : "ألا رجل يتصدق على هذا فيصلي معه" ، فقد حصل له فضل الجماعة بفعل الغير .

ثالث عشرها : أن الإنسان تبرأ ذمته من ديون الخلق إذا قضاها قاض عنه ، وذلك انتفاع بعمل الغير .

رابع عشرها : أن من عليه تبعات ومظالم إذا حلل منها سقطت عنه ، وهذا انتفاع بعمل الغير . [ ص: 205 ]

خامس عشرها : أن الجار الصالح ينفع في المحيا والممات كما جاء في الأثر ، وهذا انتفاع بعمل الغير .

سادس عشرها : أن جليس أهل الذكر يرحم بهم ، وهو لم يكن منهم ، ولم يجلس لذلك بل لحاجة عرضت له ، والأعمال بالنيات ، فقد انتفع بعمل غيره .

سابع عشرها : الصلاة على الميت والدعاء له في الصلاة انتفاع للميت بصلاة الحي عليه ، وهو عمل غيره .

ثامن عشرها : أن الجمعة تحصل باجتماع العدد وكذلك الجماعة بكثرة العدد ، وهو انتفاع للبعض بالبعض .

تاسع عشرها : أن الله تعالى قال لنبيه - صلى الله عليه وسلم - : وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم ، وقال تعالى : ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات ، وقال تعالى : ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض .

فقد رفع الله تعالى العذاب عن بعض الناس بسبب بعض ، وذلك انتفاع بعمل الغير .

عشروها : أن صدقة الفطر تجب على الصغير وغيره ممن يمونه الرجل ، فإنه ينتفع بذلك من يخرج عنه ولا سعي له فيها . [ ص: 206 ]

حادي عشريها : أن الزكاة تجب في مال الصبي والمجنون ، ويثاب على ذلك ولا سعي له .

ومن تأمل العلم وجد من انتفاع الإنسان بما لم يعمله ما لا يكاد يحصى ، فكيف يجوز أن نتأول الآية الكريمة على خلاف صريح الكتاب والسنة وإجماع الأمة؟

التالي السابق


الخدمات العلمية